السي سعيد و الزلزال - 4 –
بطيء الخطى رفقة عكازته التي لا تفارقه آناء الليل و النهار في الغدوة و الرواح ن بعد أن غلب عليه الكبر و العياء فلم بعد قادرا على مغادرة بيته إلا نادرا ، تجده أغلب الأوقات مستندا على عتبة الباب الذي ما زال شاهدا على أن هناك حضارة مرت من هناك من خلال عتاقة الأبواب المتراصة على طول الزقاق و كيفية تناسق أشكالها الهندسية البارعة الجمال ، لا يفوته وقت الصلاة مهما حدث إلا إذا ألم به المرض أو العياء ، ظل يشتغل بإحدى المقاهي بمدينة أكادير لسنوات قبل أن ينتقل لمسكنه الحالي الذي ورثه عن أبيه ، إنه السي سعيد شيخ الحارة و رمزها في الوقار و الاحترام ، أول ما بادتره في الحديث تشدق لمعنقتنا من خلال ابتسامته البريئة التي تخفي علامات الشيخوخة المرسومة على محياه و قد علقت نظاراته بخيط رفيع على أذنيه خشية سقوطهما ن كل أبنائه يسر الله لهم عملا خارج المدينة إلا من بنتين فضلتا البقاء بالقرب منه رفقة أزواجهما تسهران على حاجياته بعد أن غادرته شريكة حياته أمي يزة لدار البقاء و هو راض عنها ، حيث كلما ذكر اسمها انهال عليها بالدعوات الصالحة لها و لأبنائها الذين لا يبخلون عليه في شيئ ما دام مورده المالي لا يفي بمتطلبات مرضه و حاجياته .
أحب المواضيع للسي سعيد حادثة زلزال أكادير الذي كان شاهد عصر عليه حيث شاءت الأقدار أن يكون ساعتها هناك في زيارة لصاحب المقهى الذي كان يشتغل عنده ، يحكي السي سعيدة بمرارة شديدة لما عاينه يومها من أهوال ما زالت عالقة بمخيلته دون غيرها من الأحداث التي لا يتذكر منها إلا القليل ، إنه شيء مرعب و مخيف للغاية ما حدث بأكادير ، أرواح عديدة راحت يومها و ممتلكات كثيرة هدمت و قبرت و منظر انتشال الجثت ما زال قائما أمامه ، , اليوم و في زيارة لهذه المدينة الشهيدة لا تلاحظ إلا القليل من الآثار التي مازالت شاهدة على هول الخطب بتلك المنطقة ، و بسرعة لا معهودة تذكر الأبناء فراح يقول لي أن أحلى الأوقات له هي أيام العياد حيث تجتمع الأسرة و يفد كل الأبناء و أبناءهم فتمتلأ الدار و يكثر الصياح و الصراخ فأشعر بكينونتي و وجودي بين أبنائي و أحفادي ، و رغم أن مرضه بالسكري يستوجب منه حمية خاصة فإنه يومها يتناساها فينهال على ما لذ و طاب من مأكولات قائلا " الموت بين أبنائي و أحفادي خيبر لي من الموت وحدي " " واش دينا زمانا و بغينا نديو زمان غيرنا " إنها حكمة السي سعيد المليئة بالموعظة و الإيمان القوي بالله في خلقه و قضائه و قدره ، أما عن مهنته التي كان يشتغل فيها أيام شبابه كنادل فله من الذكريات ما لم يستطع ذكره بالكامل إلا من أسماء تعرف عليها من خلالها كانت سببا في تغير مسار حياته و حياة أبناءه لما أسدوه له من خدمات عادت بالفضل على أبناءه في عملهم و هذا كما يقول فضل من الله و نعمة ، ذاك هو كتاب السي سعيد المتبقي له يسرده كلما أتيحت له الفرصة لذلك مع من أحبت نفسه .