لا احد ينكر حقيقة معانة الشعب الفلسطيني في سائر الاراضي المحتلة وليس غزة والضفة فقط ، بيد ان مظاهر التضامن مع غزة في الاحداث الاخيرة والاشكال التي اتخدها هذا التضامن تدعونا الى طرح تساؤلات هامة لتبيان الحقائق ، خصوصا وان المتواطئين مع الصهاينة وعملاءهم انضموا بدورهم الى المظاهرات المتباكية وعلت اصواتهم نياحا على الضحايا وهم في ذات الوقت ادوات القتل والحصار .
ومن جهة اخرى يطرح التضامن الشعبي مع غزة عدة تساؤلات أولها من أي منطلق يتم هذا التضامن وما هي خلفياته ؟؟
فهناك من يقول انه يتضامن مع غزة باعتبارها ارضا عربية وبها شعب عربي والتمنطلف هنا قومي محض ، ولهؤلاء أطرح التساؤل الاتي : ألم تفعل الانظمة التي تدعي قومية بالفلسطينيين ما لم يفعله بهم الصهاينة ، حتى صارت للفلسطينيين في البلدان العربية نكبات كبرى انستهم النكبة الاولى في أرضهم ، ومن لايعلم فليسأل عن أيلول الاسود في الاردن ، ثم في سوريا الاسد ، ثم اخيرا في العراق بل وفي مصر قلعة القومجية والفك الاكبر للحصار المضروب اليوم على غزة .
أما المنطلق الثاني فهو الذي يرى ان الشعب الفلسطيني وتحديدا الغزاوي شعب مسلم واخوة في الدين مما يفرض كل هذا التضامن فهو بدوره طرح يستدعي طرح تساؤل انكاري عن ازدواجية المعايير المطبقة على المسلمين هنا وهناك ، فإذا كانت معاناة غزة تستنفر كل هذا التضامن والتعاطف الاسلامي ، فأين هؤلاء المسلمين من معاناة الاطفال والنساء بل سائر الشعب الافغاني المسلم الذي لم يكد يخرج من سطو الاحتلال الشيوعي حتى سقط بين فكي الامبريالية العالمية او القوى الصهيوصليبية او خذ ما شئت من الاسماء ؟؟؟ لماذ لم تتحرك اية منظمة او قناة اسلامية لنجدة هؤلاء على الاقل دراءا لمثل هذه المفارقات واخفاءا لهذا النفاق الفاضح الذي يجيز البكاء على المسلمين هنا والتغاضي عن معاناتهم هناك علما ان المعاناة والفتك واحد وبنفس الادوات مع جرعاة زائدة للافغان مادام ان الاعلام غائب والتغطية المباشرة على مدار الساعة مغيبة بدورها ، اما المساعدات والمظاهرات فذاك شيء لا يذكر ،
في الحملة على غزة توقفت المدارس واعلن الحداد وانطلقت حملات التضامن ، اما حين يموت الاف الافغان والباكستانيين والصوماليين وغيرهم في الدنيا كثير فإن كل هذه الدموع تجف وكل العيون الباكية على العروبة والاسلام تنام قريرة العين وذاك لعمري أشد صور النفاق .
اما المتباكون في الشرق والغرب على الانسانية ايام محنة غزة ، فإنهم بمجرد وقف مسلسل القتل والعودة الى القتل المتقطع ـ لأن الحملة لم تقف والحرب لم توقف الا اعلاميا ـ سكتوا واسكتوا معهم كل هذه الالاف والحشود التي كانت تطالب بفتح الحدود لل**** وفجأة خمدت ، وهؤلاء لم يلتفتوا في اية لحظة لمعانة الانسان هناك في افغانستان والشيشان وباكستان حيث القبائل تتعرض يوميا للابادة والصومال وفي كوريا الشمالية المحاصرة وفي ادغال افريقيا التي تستنزفها الامبريالية في صمت متفق عليه من طرف الجميع ، كل هذه البلدان بمعاناة المستضعفين فيها لا تستنفر حملات التضامن التي لا تنطلق الا تحت الطلب واستنادا الى معاير مزدوجة تعرف جيدا لحظات الدروة التي يتعين فيها اطلاق الضوضاء وفتح ابواب الشوارع للملايين الهائجة لتفرغ طاقتها المكبوتة وتفجرها في عدو وهمي تراه بعيدا وراء الحدود وهو بقرب اقدامها يحركها بالريموت كنترول ويعرف جيدا طرق اثارة هيجانها في لحظات ثم طريقة تسكينها واعادتها الى صوابها بعد ان يتحقق له ما يريد ، وهنا مربط الفرس ، فما الذي تحقق في حملات التضامن هذه
أولا : حققت القنوات الاعلامية والمواقع المتاجرة في دماء ومعاناة الشعوب اعلى نسب مشاهدة وارباحا طائلة هي وحدها من يعلم حجمها ، ومن تم تعيد الكرة كلما اتيحت الفرصة .
ثانيا : أفرغت الجماهير المكبوتة والمضطهدة في عقر دارها طاقة هائلة مكبوتة على مر السنين ، على قضايا ومعارك وهمية لاتقدم فيها تحركاتها ولا تؤخر لأن فاقد الشيء لايعطيه ، وحري بالعبد ان يحرر نفسه قبل المطالبة بتحرير غيره .
ثالثا : استفادت جهات بعينها : شركات وابناك ومؤسسات من حملات جمع التبرعات ، وكان ربحها مرتين : باعت واخذت المساعدات مجانا ، ناهيك عن تكاليف شحنها ونقلها و و و و وفي النهاية لم تصل الى فلسطين هدف من تبرعوا بها
وختاما لا بد من تبيان الموقف بوضوح واقول ، ان التضامن مع الشعوب اقضية مسلم بها ، لكن التضامن بصورته السامية والانسانية ، ذلك التضامن مع الانسان باعتبارها مخلوقا ساميا خلقه الله عز وجل وكرمه ، تضامن واعي بجذور المشكلة وأصولها ، وليس تضامنا تحركه العاوطف وتوقده الحملات الاعلامية متى شاءت وتخمده متى تشاء ، تضامن محدد المعايير لا يفرق بين الفلسطيني بل بين الغزاوي والضفاوي والافغاني وهلم جرا ، لأن معاناة الانسان واحدة والامه واحدة ولا يوجد انسان على وجه الارض يتحمل ومعد "للصبر" والتكيف مع الاضطهاد ومن تم ينبغي الا نتضامن معه في مقابل انسان ذو حساسية عالية مما يستدعي احاطته بهالة اعلامية وبكاء ونياح
هذا اذا كان تضامننا صادقا ، اما اذا كان للنفاق فذاك حديث اخر