نائب إقليم فكيك موسى التهامي: البرنامج الاستعجالي أنقذ المدرسة المغربية من وضعية التراجع

[التربوية]

نائب إقليم فكيك قال إن العناية بتأهيل وتمكين العنصر البشري من الشروط الناضجة لحل مشاكل التعليم
المصطفى مرادا
المساء : 01 - 02 - 2012

يتحدث موسى التهامي، نائب وزارة التربية الوطنية في إقليم فكيك، في هذا الحوار الذي أجرته معه «المساء»، عن أهم المكتسبات التي تحققت على مستوى تنزيل البرنامج الاستعجالي
للتعليم على الصعيد الوطني، ثم يربطها بما تحقق على صعيد إقليم فكيك، إضافة إلى المشاريع التي تتوخى من خلالها النيابة الرقي بالقطاع، دون أن يغفل دور الإدارة التربوية والمجتمع المدني في ذلك.
- دخلت كل مكونات المنظومة التربوية مرحلة تقويم ما تم إنجازه من مشاريع البرنامج الاستعجالي، ما هي الحصيلة المبدئية في نظرك؟
لعلك تدرك معي أن أي تقويم للحصيلة يجب أن يتجه نحو ما أنجز وإلى المقاربة التي أنجز بها، وإضافة إلى هذا، فإن من أهم المكتسبات التي تحققت على مستوى تنزيل البرنامج الاستعجالي تملك رؤساء المشاريع آلية تدبيرية جديدة، أخرجتهم من المكاتب، حيث الجذاذات والجداول والبطاقات التقنية، وجعلتهم يلامسون تقدم مشاريعهم على أرض الواقع، وهنا لا بد أن نستحضر أنه بعد الخطاب الملكي للدورة الخريفية لسنة 2007، عرفت دواليب وزارة التربية الوطنية ومصالحها الخارجية، من أكاديميات ونيابات، حركة دؤوبة سعت إلى تحديث آليات الاشتغال، متبنية مقاربة تصاعدية تقوم على تحديد حاجيات النيابات والأكاديميات، من بنية تحتية خاصة، ووفق هندسة موحدة، ممثلة في مجالات وأقطاب ومشاريع وتدابير وعمليات بهوية إبستيمية ومنهجية محكمة، وبرؤية وتخطيط يستحضران التعامل مع مؤشرات مضبوطة ويعملان على بلوغ مجموعة من النتائج، اعتمادا على الموارد والإمكانيات المالية المخصصة لذلك.
- ماذا عن النتائج على صعيد إقليم فكيك؟
الفضل في الحصيلة التي تحققت في الإقليم، شأنه في ذلك شأن الأقاليم والجهات الأخرى لوطننا، يعود إلى فريق من الأطر التربوية والإدارية والتقنية، التي يحق للمنظومة أن تفتخر بها، فبفضل هذا المجهود تحولت مشاريع البرنامج الاستعجالي الإقليمي إلى حقائق ملموسة تثبت للمجتمع أن البرنامج الاستعجالي قد أنقذ المدرسة المغربية، بنسبة مقبولة، من وضعية التراجع التي طبعتها في السنوات الأخيرة.. واسمح لي أن أفرد التقويم لقطب التعميم وأرجئ الحديث عن تقديم الأقطاب الأخرى إلى مناسبة قادمة. هكذا، وفي إطار رؤية إستراتيجية تهدف إلى دمقرطة الولوج إلى المدرسة، ركّز البرنامج الاستعجالي على توسيع العرض التربوي وتأهيله في الوسط القروي، بمختلف الأسلاك، حيث تم إحداث 12 حجرة للتعليم الأولي و49 حجرة بالابتدائي و10 حجرات في الإعدادي. كما يتم حاليا بناء مدرستين ابتدائيتين ومدرسة جماعاتية وداخلية..
- وهل من مشاريعَ أخرى على أرض الواقع تعزز التوجّه الذي تتحدث عنه؟
هناك مشاريع تهُمّ بناء مدرستين جماعيتين ومدرسة ابتدائية وثلاث ثانويات تأهيلية، وقد بلغت فيها الصفقات، مسطريا، مراحل متقدمة، علما أن بعض الأوراش ستفتح قريبا، أما باقي المشاريع فهي مبرمجة.. ويضاف إلى هذا ما ينجزه شركاء آخرون (مدرستان جماعيتان، داخليتان للبنات وإعدادية). أما في الوسط الحضري فقد تم إحداث فضاء لذوي الاحتياجات الخاصة، كما يتم حاليا توسيع إحدى الإعداديات، بإضافة 5 حجرات جديدة وبناء داخلية في ثانوية محمد عابد الجابري، وهناك مجهودات أخرى تتجه نحو الحفاظ على جاذبية المؤسسات التربوية، التي فقدت بريقها بتوالي السنين وبسبب قسوة الظروف المناخية وانعدام الصيانة. وتفعيلا لهذه الرؤية، تم ترميم وتأهيل جميع إعداديات وتأهيليات وداخليات الإقليم، كما تم إصلاح 250 حجرة في الابتدائي وبرمجة تأهيل فضاءات لذوي الاحتياجات الخاصة، يضاف إلى ذلك تأهيل مركز للتكوين المستمر وفضاءات للإعلام والمساعدة على التوجيه وعدد من الملاعب الرياضية في السلك الابتدائي.
- ماذا عن البنية التحتية؟
تماشيا مع هذا المجهود المبذول على مستوى توسيع العرض التربوي وتأهيل المتوفر منه، هناك مجهود آخر ذو صلة وطيدة، ويتمثل في تجديد التجهيزات وتعويض «المتلاشي» منها في المؤسسات التربوية وفي الداخليات. كما تم إرساء نظام للصيانة الوقائية في جميع المؤسسات، إلا أنه رغم هذه المعطيات، التي تبدو مطمئنة مقارنة مع عدد التلاميذ في الإقليم -حوالي 2300 تلميذ وتلميذة- ومقارنة مع العرض المتوفر، وبحكم طبيعة الإقليم وشساعته ونمط عيش أغلب سكانه، فإن هناك تحديات كبرى ما زالت تنتظر الجميع.. ويمكن أن يقال الأمر نفسه على مستويات أخرى، كالدعم الاجتماعي، حيث تمت، مثلا، تلبية جميع الطلبات الخاصة بالمنحة، إضافة إلى استفادة جميع التلاميذ المعنيين بالمبادرة الملكية «مليون محفظة» من هذه الخدمة، وفي ما يتعلق بالنقل المدرسي، فإن الإقليم يتوفر على أربع حافلات، مع تمكين عدد من تلاميذ الوسط القروي من الدراجات الهوائية، فضلا على استفادة 3795 تلميذا وتلميذة من الزي الموحد.
- هل من نتائج ملموسة للمجهودات التي تبذلونها؟
لقد نشأ عن هذا المجهود تخفيض تكلفة التمدرس لدى الأسر الفقيرة، مما قلّص من نسبة الهدر المدرسي في الوسط القروي وفي صفوف الفتيات خاصة، علما أن ظاهرة الانقطاع تكاد تكون منعدمة في بعض المناطق كفكيك، وإنْ كانت المنظومة قد عانت سابقا من هذه الظاهرة في الإقليم في السنوات التي ظهرت فيها فاكهة «الترفاس»، حيث بلغ الانقطاع درجات قصوى أدت إلى إغلاق عدد من الفرعيات.. ونأمل ألا نعود إلى مثل هذا الوضع مستقبلا، بفضل المجهود التحسيسي الذي تبذله أطر التربوية، تفعيلا لمجموعة من العمليات، ك»قافلة التعبئة من أجل التمدرس»، و»من الطفل إلى الطفل».. دون أن نغفل دور الوعي المتنامي لدى الأسر، التي أصبحت أكثر حرصا على تمدرس أطفالها.. نتيجة عمليات الدعم المشار إليها، واعتبارا لطبيعة الوسط السوسيولوجي، والذي ما يزال يعتبر المدرسة وسيلة للارتقاء الاجتماعي.. وكما نعلم، فالمتعلم في مثل هذه الأوساط بقي محافظا على وضعه الاعتباري، الذي يتميز به عن غيره من المحيطين به من الأميين وغير المتعلمين، نظرا إلى السلوكات الجديدة والإيجابية التي يكتسبها من المدرسة، والتي تُمكّنه من سرعة الاندماج ومن القدرة على التفاعل الاجتماعي حين ينتقل من وسط إلى وسط آخر.
وحفاظا على هذا الوعي، وتشجيعا للأسر على الاستمرار في الالتزام بتمدرس أبنائها، فقد تم تنزيل برنامج «تيسير» في الإقليم، والذي تستفيد منه حوالي 5033 أسرة، ولم يساهم هذا المجهود في الحفاظ على التلاميذ داخل المنظومة وفي الرفع من بعض المؤشرات فقط، بل بفضله تم استرجاع عدد هائل من التلاميذ المنقطعين واستقبال التلاميذ غير الملتحقين.
- كيف يمكن تأهيل الإدارة والتفتيش التربوييين كي يواكبا مسار الإصلاح الذي تعرفه المدرسة المغربية؟
أفرد البرنامج الاستعجالي قطبا خاصا بالموارد البشرية، لأن العناية بتأهيل وتمكين العنصر البشري من الشروط الناضجة للحل يعتبر من الاختيارات الإستراتيجية للوزارة، وفي هذا الصدد ركز البرنامج الاستعجالي على الدور المحوري للمدير وجعله يمتلك مفتاح إدخال الإصلاح إلى المؤسسة، ويتجلى هذا في أدواره التربوية والمادية والتواصلية، ممثلة في مجموعة من المجالس والجمعيات التي يترأسها وفي الاعتمادات المالية التي بات رئيس المؤسسة متصرفا في تدبيرها، إضافة إلى أدواره الإدارية المعروفة.. وعلاقة بذلك، فإن المدير أصبح يضطلع بوظائف جديدة تقتضي منه تملك آليات التدبير الحديث، الموسوم بروح المبادرة والبحث عن الشراكات واعتماد مقاربات التدبير التشاركي والبحث عن النتائج والآثار المتوقعة والقدرة على التواصل. إلا أنه ليس كافيا، في اعتقادي، أن يشحن المدير بمجموعة من المعارف، بل الأجدى استثمار ما يخضع له من تكوينات وما يطلع عليه في المصوغات إلى ممارسات تربوية يومية ترفع من الوضع الاعتباري للمؤسسة وتجعلها منارة إشعاع وابتكار، كما أنه من الضروري تطوير فكرة المدير المساعد في الابتدائي في أفق تشكيل فريق إداري متناغم، خصوصا في السلك الابتدائي، لأنه يصعب إدراك الأهداف المعلنة للمدرسة الابتدائية في غياب إعادة النظر في كيفية تدبيرها الإداري، ولا ننسى أن مجموعة من الإشكالات التي تعرفها المدرسة المغربية يكون مهدها في المؤسسات الابتدائية، ثم «تكبر» وتتضخم في الأسلاك اللاحقة.
أما بالنسبة إلى هيأة التأطير التربوي وانسجاما مع الرؤية التي تعتبر المفتش الرقيب التربوي للمنظومة، واعتبارا كذلك لكونها مؤهلة لذلك، أعتقد أن درجة انخراط هذه الفئة يكون بمستوى الانفتاح عليها وتبني آرائها، وأود التأكيد أن المنظومة تتوفر في هذا المجال على خبرات واسعة وكفاءات معتبرة لا يمكن تجاهلها، وهي طاقات كامنة لم تستثمر إلى حد اليوم بالعمق اللازم، فدورها أساس وليس تكميليا ولا يمكن لفئة أخرى أن تكون بديلة عنها.. واستنادا إلى هذه الرؤية الجوهرية لدور هيأة التفتيش، فقد خصها البرنامج الاستعجالي بمشروع «E3P2»، القائم على مجموعة من التدابير، ولهذا فقد آن الأوان للانفتاح أكثر على الأدوار الجديدة لهيأة التفتيش علاقة بما تعرفه المنظومة من مستجدات، وسيمكّن هذا الانفتاح من استكمال مختلف الحلقات المشكلة لسلسلة الإصلاح. وفي المقابل، يطلب من هيأة التفتيش الخروج من وضعية الانتظار ولعب دورها الحاسم في توجيه بوصلة الإصلاح الوجهة الملائمة.