تفسير السعدي
يقول تعالى موبخًا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له، ومعرفته، والإنابة إليه، وتقديم محبته على كل شيء:
{أَلْهَاكُمُ} عن ذلك المذكور {التَّكَاثُرُ} ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويفتخر به المفتخرون، من التكاثر في الأموال، والأولاد، والأنصار، والجنود، والخدم، والجاه، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى.
فاستمرت غفلتكم ولهوتكم [وتشاغلكم]
فدل ذلك على البعث والجزاء بالأعمال في دار باقية غير فانية، ولهذا توعدهم بقوله:
ولكن عدم العلم الحقيقي، صيركم إلى ما ترون.
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} أي: لتردن القيامة، فلترون الجحيم التي أعدها الله للكافرين.
تفسير ابن كثير
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ
يقول تعالى أشغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر وصرتم من أهلها .
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا زكريا بن يحيى الوقاد المصري حدثنا خالد بن عبد الدائم عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألهاكم التكاثر " عن الطاعة " حتى زرتم المقابر " حتى يأتيكم الموت " وقال الحسن البصري ألهاكم التكاثر في الأموال والأولاد .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة قال صالح بن حبان حدثني عن ابن بريدة في قوله " ألهاكم التكاثر " قال نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما فيكم مثل فلان بن فلان وفلان وقال الآخرون مثل ذلك تفاخروا بالأحياء ثم قالوا انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبور ومثل فلان وفعل الآخرون مثل ذلك فأنزل الله " ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر " لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل .
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ
وقال قتادة " ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر " كانوا يقولون نحن أكثر بني فلان ونحن أعد من بني فلان وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم والصحيح أن المراد بقوله زرتم المقابر أي صرتم إليها ودفنتم فيها كما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده فقال " لا بأس طهور إن شاء الله " فقال : قلت طهور بل هي حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور قال " فنعم إذن " .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سلمة بن داود العرضي حدثنا أبو المليح الرقي عن ميمون بن مهران قال كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز فقرأ" ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر " فلبث هنيهة ثم قال : يا ميمون ما أرى المقابر إلا زيارة وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله وقال أبو محمد يعني أن يرجع إلى منزله أي إلى جنة أو إلى نار وهكذا ذكر أن بعض الأعراب سمع رجلا يتلو هذه الآية " حتى زرتم المقابر " فقال بعث القوم ورب الكعبة أي إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره .
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ
قال الحسن البصري هذا وعيد بعد وعيد وقال الضحاك " كلا سوف تعلمون " يعني الكفار .
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ
يعني أيها المؤمنون .
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ
وقوله تعالى " كلا لو تعلمون علم اليقين " أي لو علمتم حق العلم لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الآخرة حتى صرتم إلى المقابر .
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ
ثم قال " لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين " هذا تفسير الوعيد المتقدم وهو قوله " كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون " توعدهم بهذا الحال وهو رؤية أهل النار التي إذا زفرت زفرة واحدة خر كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال على ما جاء به الأثر المروي في ذلك .
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
أَيْ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ الصِّحَّة وَالْأَمْن وَالرِّزْق وَغَيْر ذَلِكَ مَا إِذَا قَابَلْتُمْ بِهِ نِعَمه مِنْ شُكْر وَعِبَادَته