من هنا مر ..مروا جميعا. البوابة لهاحارس، والداخل ليس كالمغادر..جوازات سفر تعلن الانتماء لبقعة أرضية في مكان يشبه الأحلام ..الحارس متأهب لصد كل دخيل ، نظراته حادة ..وجهه جاد ..ملامحه مدفونة تحت همة واجبة على أمثاله من حراس المعابر الحساسة ..دنا سعيد في توجس جهة الخطر ، صارتوتره واضحا ..يداه الخبيثتان ترتعشان ، يصطنع ابتسامة خجولة ويتظاهر بالحر والعياء ..حتى قلبه الأخرس صار حيا ..أضحت نبضاته قوية مسموعة ..رسا في مكانه ثم استجمع أنفاسه المتقطعة وهو يردد في قرارة نفسه مقطعا من قصيدة محمود درويش بلا عنوان : " إذا كان لا بد من قمر ...فليكن كاملا ، ووصيا على العاشقة... وإن كان لا بد من منزل ...فليكن واسعا .
بضع خطوات وتصبح زينب تحت إمرته ،" إخ على زمان الهوان ..زمان للنكاح فيه هجرة الأوطان" رحمك الله با عروب" حدث سعيد نفسه بأسى . سعيد فوق هودج الأفراح ،وزينب عشيقته التي اكتوت بجمر الانتظار تلوح بيديها المنقوشتين بالحناء ..سعيد يقبل جبينها وزينب تلقمه ثمرا مجهولا ولبنا ..لكن الحارس في عمق الأحلام ينفث زفرات العناد .وأخيرا أصبح سعيد وجها لوجه أمام الحارس الذي لا يتعب من رسم وجه جامد ، مد وريقاته وأحلامه وزينب وكل شيء، وابتسم كطفل شقي على وشك تسلم نتيجةالامتحان ، الحارس ينظر كما يبدو إلى الصورة ثم ينتقل بنظرات متوجسة إلى وجه سعيد المرتعب ..حياة بأولادها ومنزلها وسيارتها بين الصورتين ..رفع يده مشيرا إلىمترجم فأقبل مسرعا..تحدثا قليلا ثم صاح المترجم قائلا : أين شاربك ؟ نظر إليهما في استغراب وقال وهو يمرر يده على أعلى فمه : هو ذا سيدي ..إنه نفس الشارب. تبادلا الابتسامة بينهما ثم استدرك المترجم قائلا: "المعذرة لقد تم رفض طلبك سيدي، لا لشيءسوى لأن الشاربين لا يتطابقان مع بعضهما ". هوت الكلمات باردة من فمه ،تناول سعيدأشياءه ثم عاد مباشرة إلى بيته وهو يجر خيبة عمر وآلام ، وكان أول شيء أقدم عليه هوحلق الشارب .