لن تتوقف عن الالتفات والدوران في مكانك فور دخولك مركز (إبراهيم الخليل) في دمشق. فهاهي الألوان تسطع أينما اتجهت، وهاهي ضحكات الأطفال تضفي على المكان نبرة من عالم يستحق الاهتمام، بل يتوجب الاهتمام به. انه عالم الطفولة، وإنهم أطفال من أنحاء مختلفة من الوطن العربي يجتمعون في مكان واحد..
جمعتهم ظروف ليست لهم يد فيها من حروب ونزاعات، لكن هذا التجمع في ركن سوري كان يستحق التوقف عنده فهو محاولة لإضفاء شعور ولو بسيط من الفرح لأطفال نزعت بسمتهم منهم عنوة، فكان المخيم الفرح و السعادة بعنوان "أطفال بلا حدود" لمدة شهر لحوالي ثلاثمائة طفل لم تحدهم حدود الخرائط فكانوا معا جمعتهم محبة الشباب والشابات الذين تطوعوا لإسعادهم مع راهبات الراعي الصالح الذين أخذوا على عاتقهم الوصول إلى عمق هؤلاء الأطفال ومساندتهم فبدت الأخت تريز بصوتها الهادئ وبسمتها المطمئنة إلى جانب تلك المجموعة من المتطوعين مثقلة بهم واحد هو كيف يمكن أن يصبح العمل أفضل فكان عملا بالحقيقة جميلا تلمس ذلك من أصوات أطفال يطالبون ألا ينتهي المخيم ودمعات من أهالي تعبر عن امتنان لبسمات ولدت على وجوه صغارهم.
من الحكواتي إلى الأعمال اليدوية إلى السينما والرحلات إلى مسرح سلحوف.. مسيرة شهر بأكمله تحكيه المشرفة نبيلة فتال فتقول: حاولنا من خلال البرنامج الذي وضعناه ملئ وقت الفراغ لدى الأطفال وهم ثلاثمائة طفل عن طريق الألعاب والتسالي بالإضافة إلى مساندة الأطفال المحتاجين للدعم النفسي والاجتماعي من خلال الألعاب والمسرح والرسم لتفريغ ما قد يحملون من حزن أو غضب أو مشاكل مختلفة وذلك بوجود مشرفين نفسيين واجتماعيين. بالإضافة إلى ذلك قمنا بالرحلات الترفيهية إلى البحر والحدائق ومدينة الملاهي وكانت النتائج مثمرة لاحظناها من الإقبال الكبير وغير المنقطع من الأطفال. أما الدعم المادي فهو من مؤسسة لوزان من نهر الأردن وبإشراف راهبات الراعي الصالح بدمشق، أما المتطوعون فهم من الشباب والشابات من سوريين وعراقيين ومن أماكن مختلفة ومواهب متعددة قدم كل منهم ما لديه وبكل قدراته فكان العمل جميلا وسنحاول الاستمرار في الأعوام القادمة والمخيم مفتوح لجميع الأطفال دون تمييز فهو لأطفال دون حدود.
أما المشرفة النفسية لينا جوابرة فتحدثت عن المخيم الترفيهي بقولها: لقد هدفت المجموعات العلاجية إلى التفريغ لما يحمله الأطفال من خلال حلقات الرسم التي عبروا برسوماتهم عما يشعرون به وكذلك من خلال الحوارات الدائمة بعد كل نشاط والتنفيس الانفعالي لاكتشاف الحالات ومتابعتها وكان عرض مسرح سلحوف مادة مميزة للوصول إلى ما يختلج في نفسية الطفل من خلال قصص واقعية تمثلها شخصية سلحوف ورفاقه وكانت الأفكار التي طرحها المسرح حول العلاقة بين الإخوة وإخبار الأهل بالأسرار وعدم الذهاب مع الغرباء وكيفية التعامل مع الأصدقاء والعلاقة مع الأهل وكيفية التعامل معهم وقد كان المسرح موفقا باختيار القصص وبالوصول إلى عمق الأطفال الذين تفاعلوا مع الشخصيات فتكلموا معها وأحبوها ومن خلال المسرح استطعنا كمشرفين نفسيين الوصول إلى بعض الحالات التي يتوجب الاهتمام بها ومساندتها.
أما المسرح فهو مسرح سلحوف وهو من خبرة وتصميم مؤسسة لوزان من نهر الأردن وهو طريقة ليستطيع المشرف الوصول إلى الأطفال المعنفين والمتعرضين لمشاكل متنوعة من خلال الدمى المتحركة والتي بطلها سلحوف.. وتعتمد على مراقبة حركات وإيماءات الأطفال عند مشاهدتهم المسرح وهو تجربة جديدة في سورية حدثتنا عنها (نورما إبراهيم) وهي إحدى المشرفات في المركز ومشاركة في مسرح سلحوف فقالت: إن هذا المسرح كتجربة أولى في سورية يعتبر نقلة نوعية في عوالم الأطفال الداخلية يسهّل عليهم التعبير عما يعانون منه بالإضافة إلى انه يضيء لهم الجوانب التي من المهم أن يعرفوا سلبياتها وإيجابياتها وهذا المسرح تدربنا عليه من خلال مؤسسة لوزان واستطعنا عن طريق المشرفة النفسية أن نصل إلى بعض الجوانب التي يخشى الأطفال البوح بها ونحاول متابعة علاجهم أو مساندتهم بالطريقة المناسبة.
هذه هي اضاءات صغيرة عن المخيم الذي استمر لمدة شهر كامل فلن تستطيع صفحات بكاملها الوصول إلى صوت ضحكة طفل أو لحظة مرح أو مسحة لدمعة فهي نتاج حب وعطاء يثمر كل يوم وعلى مدى أعوام سيحفظها أطفالنا الذين يستحقون منا هذا الاهتمام فهو حق لهم صادقنا يوما على تنفيذه بالاتفاقيات والوعود الدولية والتي تقول أن الطفولة قيمة بحد ذاتها ولأجلها يجب أن نعمل و نسعى.