philosophie 2 bac - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

solami
:: دفاتري جديد ::
تاريخ التسجيل: 1 - 4 - 2009
المشاركات: 24
معدل تقييم المستوى: 0
solami في البداية
solami غير متواجد حالياً
نشاط [ solami ]
قوة السمعة:0
قديم 03-04-2009, 09:30 المشاركة 1   
حصري philosophie 2 bac


درس الحق
مقدمة:
يعتبر مفهوم الحق من المفاهيم الأساسية التي تداولها الفلاسفة من القديم، لارتباط إشكاليته بالهموم الإنسانية، ولمواكبتها للحياة السوسيو-أخلاقية.
المحور الأول: الحق الطبيعي والحق الوضعي.
شكل الحق عبر مختلف العصور مبدأ سعى إليه الإنسان فصانه واحتفظ به لمدى أهميته وقيمته الاتيقيتين. لكن على أي أساس يقوم هذا الحق؟فهل يقوم على أساس طبيعي محدد سلفا أم على أساس قانوني ووضعي ؟
توماس هوبز، يذهب الى القول أن الإنسان أناني بطبعه، ويتلخص الحق الطبيعي في "أن لكل الناس الحق على كل الأشياء، بل إن لبعضهم الحق على أجسام البعض الآخر". إنها إذن "حرب الكل ضد الكل" ؛ إنها الحرية المطلقة في أن يفعل الإنسان ما شاء وأنى شاء. لكن ما دام "لن يتمكن أحد مهما بلغ من القوة والحكمة أن يبلغ حدود الحياة التي تسمح بها الطبيعة"؛ فيترتب عن ذلك تأسيس قانون يقوم على الحق الطبيعي في الحياة والدفاع عن النفس. وهو قانون يتنازل بموجبه الأفراد عن حقهم الطبيعي في الصراع من أجل حق طبيعي أسمى هو "حب البقاء"؛ فيضعون السلطة في يد شخص واحد مستبد.
في حين يتبنى سبينوزا أطروحة الحق الطبيعي، إذ يؤكد أن هذا الحق يتلخص في أن "لكل موجود حق مطلق في البقاء على وضعه"، وليس هناك فرق بين الإنسان والكائنات الأخرى. فلديه كل الحق في أن يتصرف وفق ما يشتهيه وما تمليه عليه طبيعته. فمن هو بطبعه ميال إلى "منطق الشهوة" يتصرف وفق هذا المنطق (الغاية تبرر الوسيلة)؛ ومن ينزع بطبعه نحو "منطق العقل"، فإنه يتصرف وفق هذا النزوع. لكن، لكي يعيش الناس في وفاق وأمان "كان لزاما عليهم أن يسعوا إلى التوحد في نظام واحد" ؛ وذلك من خلال الخضوع لمنطق العقل وحده، وبالتالي كبح جماح الشهوة. وهذا أمر لا يتناقض مع الحق الطبيعي باعتبار العقل جزءا منه.
إلا أن جان جاك روسو يتناقض مع أطروحة الحق الطبيعي القائم على القوة . فالإنسان خير بطبعه، والقوة قاعدة فيزيائية لا يمكن أن يقوم عليها الحق. وبما أن الإنسان كائن عاقل لابد أن يتنازل عن الأنانية التي فرضها عليه جشعه وحبه للمال، وتفرده بالسلطة، وبالتالي قيام المدنية على أسس خاطئة. فالمدنية لا تقوم إلا على صوت الواجب، والحق يجب أن يعوض الشهوة والاندفاعات الجسدية. إن حالة التمدن مكسب لأنها تمثل "الحرية الأخلاقية التي تمكن وحدها الإنسان من أن يكون سيد نفسه بالفعل". إن الشهوة استعباد والامتثال إلى القوانين التي شرعها الإنسان بنفسه حرية. ويقصد روسو ضرورة إقامة المجتمع على أساس "تعاقد اجتماعي" في إطار سلطة ديمقراطية تعكس إرادة الجميع.
المحور الثاني:العدالة كأساس للحق.
سواء قام الحق على أساس القانون الطبيعي أو على أساس الوضعي،فان السؤال الذي يطرح نفسه:هو كيف ينبغي أن يؤجر هذا الحق؟وما هي الشروط التي يجب توفرها لتحقيق العدالة؟
تتحدد العدالة حسب أرسطو، بالتقابل مع الظلم.فالسلوك العادل،هو السلوك المشروع الموافق للقوانين والذي يكفل لكل ذي حق حقه تبعا لتناسب رياضي في حين أن الفعل الجائر هو الفعل اللامشروع المنافي للمساواة والذي يقوم على عدم التناسب وعدم التوسط بين الإفراط والتفريط.
أما أفلاطون فيرى أن تحقيق العدالة داخل المدينة قمين بقيام كل فرد بالمهمة التي وجد من أجلها على أحسن وجه،وبذلك يتحقق التناغم والانسجام بين قوى مختلفة ومتعارضة،عندها يكون هذا الفرد قد ساهم في كمال المدينة وتحقيق الفضائل المتمثلة في الحكمة والاعتدال والشجاعة.
لكن ألان فله رأي آخر، إذ يعتبر أن المعيار الأساسي للحق هو الاعتراف به والمصادقة عليه،أما الأشكال الأخرى من الممارسات اليومية،فلا تدخل في إطار الحق،لأنه لا يشمل الوقائع والأحداث التي تنبع من واقع الناس وحياتهم اليومية.
المحور الثالث:العدالة بين المساواة والإنصاف.

إذا كانت العدالة فضيلة أخلاقية، تتحدد قيمتها في تطبيقاتها العملية، وإلا ظلت مجرد حلم بعيد المنال.لذا وجب توفر شرطي المساواة والإنصاف، حتى تنتقل من مستوى ما ينبغي أن يكون –أي فكرة- إلى مستوى ما هو كائن.فهل بإمكان العدالة إنصاف جميع الناس؟
حسب أفلاطون فان العدالة تتحدد باعتبارها فضيلة تقوم في انسجام القوى المتعارضة وتناسبها. فالعدالة في رأيه تتحقق على مستوى النفس حين تنسجم قواها الشهوانية والغضبية والعاقلة،كما تتحقق على صعيد المجتمع حين يؤدي كل فرد الوظيفة التي وهبته الطبيعة دون تدخل في عمل الآخرين.
في حين تقترن العدالة عند أرسطو بالعدالة السياسية التي تفترض القيام بالسلوك المنصف والخاضع للقوانين التي لها دور تنظيم الحياة العمومية وضمان تحقيق العدالة السياسية.فالعدالة تدرك بنقيضها،لأن التصرف اللاعادل يتحقق عندما لا يأخذ الفرد نصيبه من الخيرات ومن ثروات البلاد،لذلك كان ضروريا وجود قانون يلزم الحاكم لكي يحكم بالعدل والمساواة.فالعدالة إذن لابد أن تقترن بالمساواة التي تضمن الكرامة للجميع.

غير أن كلاستر يرى أن تحقيق شرطي الإنصاف والعدالة،أو افتراض وجود حاكم عادل غير كاف بل يجب إضافة إلى ذلك فرض العدالة بقوة القانون لتفادي العنف والفوضى والاستئثار بالحكم.ودليله على ذلك افتقار السلطة لقوة القانون عندما تكون معنوية أو رمزية،مما يتسبب في إمكانية أفولها.الأمر الذي يستدعي ضرورة قيام السلطة على أساس القانون وليس على أساس شخصية رمزية كما هو متداول في أعراف وتقاليد القبيلة.

خاتمة:
كاستنتاج عام، يتبين أن الحق مفهوم فلسفي كان أساس نقاش متواصل بين الفلاسفة والمفكرين منذ القديم، لما له من ارتباط بإنسانية الإنسان، وتنظيم حياته الاجتماعية، وتحقيق كينونته. وقد تأرجح الفلاسفة بين اعتباره حقا طبيعيا أو حقا وضعيا ؛ دون أن ننسى هناك أطروحات لا ترى تناقضا بين الطبيعي والوضعي، باعتبار الوضعي توجيها للطبيعي... كما أن الاختلاف الحاصل حول القانون يمكن حله على الشكل التالي: فكلما كان القانون خدوما للصالح العام؛ كلما كان حقا وجب على الناس الالتزام به. علما بأن الحق ليس مطلقا بل هو نسبي، ومن هذا المنطلق يجب العمل على تحيين القوانين حتى تكون مواكبة للعصر.






الحرية


مــقـدمــــة:
مما لامناص منه أن مفهوم الحرية من المفاهيم الفلسفية الأكثر جمالية ووجدانية، فلهذا السبب اتخذت دائما شعارا للحركات التحررية والثورية ومختلف المنظمات الحقوقية في العالم، باعتبارها قيمة إنسانية سامية تنطوي على مسوغات أخلاقية واجتماعية وأخرى وجدانية وجمالية. إلا أنها تعد من المفاهيم الفلسفية الأكثر جدلا واستشكالا.
فقد طُرحت الحرية بالقياس دوما إلى محددات خارجية؛حيث كانت مسألة الحرية تطرح في الفكر القديم قياسا إلى القدرة والمشيئة الإلهية واليوم تُطرح قياسا إلى العلم الحديث بشقيه ،سواء علوم الطبيعة أم الإنسان.
فماذا تعني الحرية:هل الحرية أن نفعل كل ما نرغب فيه؟أم أنها محدودة بحدود حرية الآخرين؟وبناء على ذلك أين يمكننا أن نموقع الذات الإنسانية؟ هل هي ذات تمتلك حرية الاختيار وبالتالي القدرة على تحديد المصير؟ أم أنها ذات لها امتدادات طبيعية خاضعة لحتميات متعددة؟ ثم هل الحرية انفلات من رقابة القانون وأحكامه؟ أم أنها رهينته؟
1. الحرية والحتمية :
إذا كانت الحرية تتحدد بقدرة الفرد على الفعل والاختيار،فهل ستكون هذه الحرية مطلقة أم نسبية؟وهل ثمة حتميات وضرورات تحد من تحقيق الإرادة الحرة لدى الإنسان؟
يرى سبينوزا، أن الحرية، أو بالأحرى الشعور بالحرية مجرد خطأ ناشئ مما في غير المطابقة من نقص وغموض؛ فالناس يعتقدون أنهم أحرار لأنهم يجهلون العلل التي تدفعهم إلى أفعالهم، كما يظن الطفل الخائف انه حر في أن يهرب، ويظن السكران انه يصدر عن حرية تامة، فإذا ما تاب إلى رشده عرف خطأه. مضيفا أنه لو كان الحجر يفكر، لاعتقد بدوره أنه إنما يسقط إلى الأرض بإرادة حرة. وبذلك تكون الحرية الإنسانية خاضعة لمنطق الأسباب والمسببات الذي ليس سوى منطق الحتمية.
أما كانط فينطلق في معرض بحثه لمفهوم الحرية،من فكرة تبدو له من المسلمات والبديهيات، مفادها أن الحرية خاصية الموجودات العاقلة بالإجمال؛ لأن هذه الموجودات لا تعمل إلا مع فكرة الحرية. غير أن أي محاولة من العقل لتفسير إمكان الحرية تبوء بالفشل، على اعتبار أنها معارضة لطبيعة العقل من حيث أن علمنا محصور في نطاق العالم المحسوس وأن الشعور الباطن لا يدرك سوى ظواهر معينة بسوابقها، وهذه المحاولة معارضة لطبيعة الحرية نفسها من حيث أن تفسيرها يعني ردها إلى شروط وهي علية غير مشروطة. كما ينص كانط على التعامل مع الإنسان باعتباره غاية، لا باعتباره وسيلة، ذلك لأن ما يعتبر غاية في ذاته ، هو كل ما يستمد قيمته من ذاته، ويستمتع بالتالي بالاستقلال الذاتي الذي يعني استقلال الإرادة. يقتضي هذا المبدأ بان يختار كل فرد بحرية الأهداف والغايات التي يريد تحقيقها بعيدا عن قانون التسلسل العلي الذي يتحكم في الظواهر الطبيعية.
في حين يرى كارل بوبر ضرورة إدخال مفهوم الحرية إلى دائرة النقاشات العلمية ،وخلصها من التصورات الحتمية.فالعالم الفيزيائي حسبه مفتوح على إمكانيات إنسانية عديدة ،وهي إمكانيات حرة تتميز بالإبداع والابتكار. فالأفعال والأحداث ليست من محض الصدفة، وإنما نابعة من الإرادة الحرة للفرد الذي يعيش وسط العوالم الثلاثة.
غير أن سارتر يعتبر أن الحرية لا تتحدد فقط في الاختيار،وإنما في انجاز في انجاز الفرد لمشروعه الوجودي ،مادام أنه ذاتا مستقاة تفعل وتتفاعل،أما الإحساسات والقرارات التي يتخذها ،فهي ليست أسبابا آلية ومستقلة عن ذواتنا،ولا يمكن اعتبارها أشياء وإنما نابعة من مسؤوليتنا وقدرتنا وإمكانيتنا على الفعل.
2. حرية الإرادة:
إذا كانت الحرية نابعة من قدرة الفرد على الاختيار والفعل فان الهدف الأساسي لها يتجلى أساسا في تحصيل المعرفة وبلوغ الحقيقة. يميز الفارابي بين الإرادة والاختيار:فالإرادة هي استعداد يتوفر على نزوع نحو الإحساس والتخيل،في الوقت ذاته يتميز الاختيار بالتريث والتعقل،ومجرد ما يحصل الإنسان المعقولات بتمييزه بين الخير والشر،فانه يدرك السعادة الفعلية وبالتالي يبلغ الكمال.
ولا يختلف اثنان في اعتبار سارتر فيلسوف الحرية بامتياز، وكيف لا وهو الذي نصب نفسه عدوا لذودا للجبريين. لقد بذل هذا الفيلسوف قصارى جهده للهبوط بالإنسان إلى المستوى البيولوجي المحض. فالحرية هي نسيج الوجود الإنساني،كما أنها الشرط الأول للعقل "إن الإنسان حر،قدر الإنسان أن يكون حرا ، محكوم على الإنسان لأنه لم يخلق نفسه وهو مع ذلك حر لأنه متى ألقي به في العالم، فإنه يكون مسؤولا عن كل ما يفعله". هكذا يتحكم الإنسان –حسب سارتر- في ذاته وهويته وحياته، في ضوء ما يختاره لنفسه بإرادته ووفقا لإمكاناته.
أما ديكارت فيعتبر الإرادة أكمل وأعظم ما يمتلك الإنسان لأنها تمنحه القدرة على فعل الشيء أو الامتناع عن فعله،فهي التي تخرجه من وضعية اللامبالاة وتدفعه إلى الانخراط في مجال الفعل والمعرفة والاختيار الحر.
أما نيتشه، فقد رفض الأحكام الأخلاقية النابعة من التعاليم المسيحية، معتبرا أنها سيئة وأنها أكدت، تأكيدا زائفا على الحب والشفقة والتعاطف، وأطاحت ،في المقابل، بالمثل والقيم اليونانية القديمة التي اعتبرها أكثر صدقا وأكثر تناسبا مع الإنسان الأرقىsuperman" ". فهذه الأخلاق – بالمعنى الأول – مفسدة تماما للإنسان الحديث الذي يجب أن يكون "روحا حرة" ويثبت وجوده ويعتمد على نفسه ويستجيب لإرادته. فقد اعتبر بوجه عام أن الحقيقة القصوى للعالم هي الإرادة، ومثله الأعلى الأخلاقي والاجتماعي هو " الرجل الأوربي" الجيد، الموهوب بروح حرة، والذي يتحرى الحقيقة بلا ريب، ويكشف عن الخرافات والترهات .
3. الحرية والقانون:
إذا اعتبرنا أن الحرية مقترنة بالإرادة الحرة وبقدرة الفرد على التغلب على الاكراهات والحتميات ،فكيف يمكن الحد من الحرية المطلقة؟وما دور القانون في توفير الحرية وترشيد استعمالها؟
لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية والتمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة ، في المساواة مع الآخرين ، فإن له بالطبيعة الحق، ليس في المحافظة على حريته فحسب، بل أيضا في أن يقاضي الآخرين، إن هم قاموا بخرق للقانون ومعاقبتهم بما يعتقد أن جريمتهم تستحقه من عقاب. من هذا المنطلق وُجد المجتمع السياسي، حيث تنازل كل فرد عن سلطته الطبيعية وسلمها إلى المجتمع في جميع الحالات التي لا ينكر عليه فيها حق الالتجاء إلى القانون الذي يضعه المجتمع لحمايته.
لا يعول توماس هوبز كثيرا على القانون، فهو يعتقد أن كينونة الحرية في الإنسان هي الدافع الأساسي لإعمال حريته وليس القانون، مضيفا أنه إذا لم يكن الإنسان حرا بحق وحقيقة، فليس هناك موضع للإدعاء بأن هذا الإنسان يمكنه أن يحظى بالحرية فقط عندما يكون تحت نظام قانوني معين... إذ تبقى الحرية عند هوبز نصا يمتلك معنى واسعا، ولكنه مشروط بعدم وجود موانع لإحراز ما يرغب فيه الإنسان، فالإرادة أو الرغبة لوحدها لا تكفي لإطلاق معنى الحرية. وهوبز كغيره من رواد الفكر السياسي الغربي، يؤمن بأن حرية الإنسان تنتهي عند حرية الآخرين، فقد رفض الحرية الزائدة غير المقيدة، إذ أكد بأن الحرية ليست الحرية الحقيقية لأنها خارجة عن السيطرة، بالأحرى سيكون الإنسان مستعبدا من خلال سيادة حالة من الخوف المطرد المستمر. وهكذا ستتعرض المصالح الشخصية الخاصة وحتى الحياة نفسها للرعب والذعر، من قبل الآخرين أثناء إعمالهم لحرياتهم. فالحرية المطلقة تقود إلى فقدان مطلق للحرية الحقيقية.
وفي نفس الاتجاه يذهب مونتسكيو حيث يرى أن الحرية تنطوي على العديد من المعاني والدلالات ،وتقترن بأشكال مختلفة من الممارسات السياسية .فالحرية في نظره ليست هي الإرادة المطلقة ، وإنما الحق في فعل يخوله القانون دون المساس بحرية الآخرين.
غير أن أردنت Arendtربطت الحرية بالحياة اليومية وبالمجال السياسي العمومي ذلك أن اعتبار الحرية حقا يشترك فيه جميع الناس، يفترض توفر نظام سياسي وقوانين ينظمان هذه الحرية، ويحددان مجال تعايش الحريات. أما الحديث عن حرية داخلية(ذاتية)، فهو حديث ملتبس وغير واضح. إن الحرية، حسب أرندت، مجالها الحقيقي والوحيد هو المجال السياسي، لما يوفره من إمكانات الفعل والكلام، والحرية بطبعها لا تمارس بشكل فعلي وملموس، إلا عندما يحتك الفرد بالآخرين، إن على مستوى التنقل أو التعبير أو غيرها، فتلك هي إذن الحرية الحقيقية والفعلية في اعتقادها.
خاتمة:
يتضح لنا جليا من خلال ما سبق أن مفهوم الحرية مفهوم ملتبس، فكلما اعتقدنا أننا أحطنا بها، انفلت منا ، فقد تعددت النظريات من فلسفة لأخرى بل من فيلسوف لآخر فهناك من ميزها عن الإرادة الفارابي، وهناك من رأى أنها تحوي زخما كبيرا من الدلالات والمعاني مونتيسكيو ، وهناك كذلك من ربطها بالحياة اليومية ولم يعزلها عن حياتنا السياسية كما ذهبت إليه أرندت.


الواجب
تقديم
يعتبر مفهوم الواجب قطب رحى الفلسفة الأخلاقية ، إذ يشكل إحدى المقولات الأساسية التي انبنى عليها التفكير الفلسفي في الشق الأخلاقي إلى جانب قيم أخرى كالسعادة و الحرية... والحديث عن الواجب باعتباره أحد هذه القيم يدفعنا للتساؤل:ما هو الواجب ؟وما هو الأساس الذي يقوم عليه؟هل يقوم على الالتزام الداخلي المؤسس على الوازع الأخلاقي؟أم أنه يقوم على سلطة الإكراه والإلزام الخارجي بغض النظر عن مصدره وطبيعته؟وإذا كان الواجب يقوم على الالتزام الداخلي ألا يقتضي ذلك ضرورة وجود وعي أخلاقي من شأنه أن يشكل الأساس الذي يقوم عليه الواجب ـ إلى جانب أسس أخرى كالقوانين الوضعية؟وعندما نتحدث عن الواجب ،ألا يحق لنا أيضا أن نتساءل :هل الواجب هو واجب تجاه الذات أم تجاه الآخرين؟

المحور الأول: الواجب و الإكراه
الحديث عن مفهوم الواجب يجرنا للتساؤل عما إذا كان إلزاما أم التزاما ؟بمعنى آخر هل ما نقدمه من واجب هو صادر عن رضى وطيب خاطر؟أم لأننا أرغمنا عليه؟
يذهب كانط إلى اعتبار الواجب هو القيام بالفعل احتراما للقانون ـالقانون الذاتي الأخلاقي القائم على الخير الأسمى، والمؤسس على العقل والإرادة ـ وعلى هذا النحو يكون المرجع الأساسي الذي يجب أن ينطلق منه الجميع هو العقل لأنه كوني بالنسبة للجميع. والحكم الأخلاقي إذ يصدر عن الإرادة الخيرة الحرة ـ التي مصدرها العقل هي الأخرى ـ فهو أيضا يمكن توصيفه بالكوني.
اهتجس كانط بهاجس الكونية وهو يبني فلسفته النقدية بشكل عام. لذلك وضع قوانين تتسع رقعتها لتشمل الإنسان كمفهوم، أي الإنسان في صيغته المطلقة، مركزا على العقل والإرادة لطابعهما الكوني والمشترك. فالعقل العملي إلى جانب الإرادة هما المشرعين لمفهوم الواجب، الذي هو إكراه، من حيث هو فعل خاضع للعقل، وللحرية، لأن مصدره الإرادة.
في حين يرى هيجل أن الأطروحة الكانطية مجرد نزعة صورية تفتقر إلى التجلي والتجسد في الواقع. فالواجب مع هيجل ذو طابع مؤسساتي وغايته هي إقامة الدولة القوية التي يبتدئ بناء صرحها من الفرد الذي ينصهر في الكل، بلغة صاحب الفينومنولوجيا " يجب على الفرد الذي يؤدي واجبه أن يحقق مصلحته الشخصية أو إشباعه وأن يتحول الشأن العام إلى شأن خاص بفعل وضعيته داخل الدولة. فان دل هذا فإنما يدل على أن المصلحة الخاصة تنصهر ضمن المصلحة العامة بحيث يضمن الفرد حمايتها. "فالفرد ـ يقول هيجل ـ الخاضع للواجبات سيجد في تحقيقها حمايته لشخصه ولملكيته باعتباره مواطنا، وتقديرا لمنفعته وإشباعا لماهيته الجوهرية، واعتزازا بكونه عضوا في هذا الكل؛ وبذلك يغدو الواجب مرتبطا بالدولة لا بالذات في وجودها الخالص.
وعلى النقيض من ذلك يرى غويو أن الفعل الأخلاقي لا يجب أن يصدر عن إلزام و لا عن خوف من أي جزاء أو عقاب. إنما يكون هو فعلا تأسيسيا لمسار الحياة الذي لا ينتهي، و لغايات حددتها الطبيعة الإنسانية بوصفها فاعلية مطلقة نحو الحياة. لكن الواجب الأخلاقي من وجهة النظر الطبيعية هاته التي ليس فيها شيء غيبي، يرتد إلى القانون الطبيعي الشامل ، فمصدره هو الشعور الفياض "بأننا عشنا و أننا أدينا مهمتنا ... و سوف تستمر الحياة بعدنا، من دوننا، و لكن لعل لنا بعض الفضل في هذا الاستمرار". و المنحى نفسه يتخذه نيتشه حين يؤسس الأخلاق على مبدأ الحياة بوصفها اندفاع خلاق محض. إذ الفعل الأخلاقي عند نيتشه ما يخدم الحياة ويزيد من قوتها و ليس ما يضعف الحياة و يزيد من محدوديتها. هكذا هو الخير و الشر عند نيتشه.

المحور الثاني: الوعي الأخلاقي
يعتبر مفهوم الوعي الأخلاقي مفهوما مركزيا في الفلسفات الأخلاقية .فما هو الأساس الذي يقوم عليه هذا الوعي؟
يرى روسو أن الوعي الأخلاقي إحساس داخلي موطنه وجداننا فنحن نحسه قبل معرفته ،وهو الذي يساعدنا على التمييز بين الخير والشر ،والحسن والقبيح،وهي إحساسات طبيعية وفطرية يسعى الإنسان من خلالها إلى تفادي ما يلحق الأذى به وبالآخرين،ويميل إلى ما يعود عليه وعلى الآخرين بالنفع.الأمر الذي يقوي لديه الوعي الأخلاقي فيجعله متميز عن باقي الكائنات الحيوانية الأخرى.
أما هيجل فانع يعتبر الوعي الأخلاقي هو الربط بين الواجب والمبادئ الأخلاقية.وفي هذا الإطار يميز هيجل بين الواجب بمعناه القانوني والواجب بمعناه الأخلاقي ،فإذا كان النوع الأول من الواجب يعتبر نموذجيا،فان النوع الثاني يفتقر إلى الطابع النموذجي،وذلك لقيامه على الإرادة الذاتية.لكن ،سرعان ما سيعكس هيجل هذا الحكم ،عندما سيعتبر الواجب القانوني واجبا يفتقر إلى الاستعداد الفكري،على عكس الواجب الأخلاقي الذي يستدعي ذلك الاستعداد،ويقتضي أن يكون مطابقا للحق في ذاته.وعلى هذا النحو يصبح للواجب الأخلاقي قيمة باعتباره وعيا ذاتيا وليس إلزاما خارجيا.
وفي مقابل هذين التصورين ،يذهب نيتشه إلى رفض كل التزام أخلاقي ، سواء من الناحية المبدئية أو من ناحية ادعائنا القدرة على تعميمه على جميع الذوات.إن اعتبار الالتزام الأخلاقي أساسيا للفعل الأخلاقي ،هو في نظره هو جهل بالذات وسوء فهم لها، وخصوصا عندما تدعي تلك الذات إمكانية تعميمه على كل الذوات الأخرى. وكبديل لهذا الالتزام، يشدد نيتشه على الأنانية الذاتية، بما تعنيه من هناء وخنوع وتواضع، باعتبارها أساسا للسلوك الإنساني عوض ذلك الالتزام الأخلاقي الزائف.
المحور الثالث: الواجب و المجتمع
ماهي الصلة التي يمكن إقامتها بين الواجب والمجتمع ؟ وكيف تتحدد واجبات الفرد تجاه المجتمع والآخرين؟
يرى دوركهايم بأن المجتمع يشكل سلطة معنوية تتحكم في وجدان الأفراد، و يكون نظرتهم لمختلف أنماط السلوك داخله، و من ثمة فالمجتمع يمارس نوعا من القهر و الجبر على الأفراد إذ هو الذي يرسم لهم معالم الامتثال للواجب الأخلاقي و النظم الأخلاقية عموما، و لما كانت الحال كذلك لأن الأفراد يُسلب منهم الوعي بالفعل الأخلاقي، لأنه لم يكن نابعا من إرادة حرة و واعية و إنما عن ضمير و وعي جمعيين هما المتحكمان في سلوكيات الأفراد. و بالتالي فالمجتمع سلطة إلزامية "و التي يجب أن نخضع لها لأنها تحكمنا و تربطنا بغايات تتجاوزنا.
و من ثمة فالمجتمع يتعالى على الإرادات الفردية، و يفرض السلوكيات التي يجب أن يكون بما فيها السلوكيات الأخلاقية لأن المجتمع "قوة أخلاقية كبيرة. فيحقق الأفراد غاية المجتمع لا غاية ذواتهم و الإنصات لصوته الآمر لأن "تلك المشاعر التي تملي علينا سلوكنا بلهجة آمرة صارمة و ضميرنا الأخلاقي لم ينتج إلا عن المجتمع و لا يعبر إلا عنه.

أما ماكس فيبر فينصرف في حديثه عن الواجب الأخلاقي و الأخلاق عموما إلى القول بأن الأخلاق في مجملها تنقسم إلى نمطين اثنين: نمط أول موسوم بأخلاق الاقتناع ذات المظهر المثالي و المتعالي التي يكون فيها الفرد غير متحمل لأية مسؤولية، و إنما هي مركونة إلى المؤثرات و العوامل الخارجية التي لا يتدخل فيها الفرد، و إنما تطرح فيه بتأثير الأبعاد الدينية، بما هي صوت متعال يصدر أوامره، حيث إن " أخلاقية الاقتناع لن ترجع المسؤولية إلى الفاعل، بل إلى العالم المحيط و إلى حماقة البشر و إلى مشيئة الله الذي خلق الناس على بهذه الصورة.
و نمط ثان من الأخلاق هو ما أطلق عليه أخلاق المسؤولية، التي تصدر من الذات الفردية و تتأسس على الوعي الفردي الحر، إذ "نحن مسئولون عن النتائج التي تمكن توقعها لأفعالنا"، و لا ترجع المسؤولية إلى بعد خارجي قسري، لا علاقة لهذه الأخلاق بالقدر أو بالحظ.

لكن جون راولز صاحب نظرية العدالة في الفكر السياسي المعاصر، فيذهب الى أن الواجب الأخلاقي باعتباره نمطا من التضامن الذي يبنيه و يؤسسه الجيل السابق للجيل اللاحق، حتى يستطيع الجيل الأول أن يوفر كل إمكانيات العيش الرغيد و المريح. فكل جيل يتحمل على كاهله مسؤولية تأمين المستقبل الذي لا يجعل الجيل اللاحق في حالة من الضياع و التشتت.
و كثيرة هي المناحي التي ينبثق منها هذا الواجب الأخلاقي بما هو تضامن بين الأجيال ، و هذا التضامن هو خدمة للمجتمع عموما و تقسيم الثروات بشكل عادل.
خاتمة
انطلاقا مما سبق التطرق إليه من مواقف نجد أن الواجب الأخلاقي مفهوم يتراوح بين عدة أنظار و مواقف متباينة لا تتعارض أكثر مما تكون صورة بانورامية حوله، فمنهم من جعل من الواجب إرادة حرة و مطلقة في مقابل رأي معاكس إذ يرى النقيض، حيث جعل من الواجب الأخلاقي جزءا لا يجتزئ عن سلطة من السلط إما نفسية أو دينية أو غير ذلك...


الاعتقاد في صلاحية نظام مشروع وكفاءة ايجابية قائمة على قواعد حكم عقلانية.

يرى هوبز أن الدولة تنشأ ضمن تعاقد إرادي وميثاق حر بين سائر البشر ،حتى ينتقلوا من حالة الطبيعة –حرب الكل ضد الكل-إلى حالة المدنية.وبذلك ستكون غاية الدولة هي تحقيق الأمن والسلم في المجتمع.

أما سبينوزا فيرى أن الغاية من تأسيس الدولة هي تحقيق الحرية للأفراد والاعتراف بهم كذوات مسؤولة وعاقلة وقادرة على التفكير وبالتالي تمكين كل مواطن من الحفاظ على حقه الطبيعي في الوجود باعتباره وجودا حرا.

لكن هيجل فيرى أن مهمة الدولة هي أبعد من ذلك وأعمق وأسمى. فالفرد في رأيه يخضع للدولة وينصاع لقوانينها لأنها تجسد فعليا الإرادة العقلانية العامة، والوعي الجماعي القائم على الأخلاق الكونية، لأنها تدفع بالمرء للتخلص من أنانيته بحيث ينخرط ضمن الحياة الأخلاقية. فالدولة في نظره، هي أصدق تعبير عن سمو الفرد ورقيه إلى الكونية.فهي بذلك تشكل روح العالم.

المحور الثاني:طبيعة السلطة السياسية.
إن تباين المواقف الفلسفية حول مشروعية الدولة تتمخض منه إشكالات عدة حول طبيعة السلطة السياسية.فهل يمكن حصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم أن السلطة قدرة مشتتة في كل المجتمع؟ وهل هي متعالية عن المجال الذي تمارس فيه،أم أنها محايثة له؟

في هذا الخضم نجد دو توكفيل الذي يرى أن الصفات الجديدة التي أصبحت تتحلى بها الدولة،في ممارستها السياسية،هي تلبية متع الأفراد ورغباتهم وتحقيق حاجياتهم اليومية.لكن هذه الامتيازات يرى أنها كانت على حساب إقصائهم من الحياة السياسية ،الأمر الذي أدى إلى تقليص الحريات وتدني الوعي السياسي لديهم ،وبالتالي تحول الأفراد إلى قطيع تابع وفاقد للإرادة.

أما مونتسكيو فقد عالج في كتابه "روح القوانين" طبيعة السلط في الدولة،إذ يصادر على ضرورة الفصل بين السلط داخل الدولة،حيث ينبغي في نظره استقلال السلطة التشريعية عن التنفيذية عن القضائية والفصل بينهما.والهدف من هذا الفصل والتقسيم هو ضمان الحرية في كنف الدولة.

وفي المقابل التصور الذي يحصر السلطة في مجموعة من المؤسسات والأجهزة،سيبلور ميشيل فوكو تصورا أصيلا للسلطة.إذ يرى أنها ليست متعالية عن المجال الذي تمارس فيه،بل هي محايثة له.إنها الاسم الذي يطلق على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين تجعل مفعول السلطة يمتد كعلاقات قوة في منحى من مناحي الجسم الاجتماعي.

المحور الثالث:الدولة بين الحق والعنف.
في هذا الصدد نجد هنري لوفيفر الذي يعتبر الوضع المفارق للدولة -وطبيعة الممارسة السياسية المتأرجحة بين الوضوح تارة وبين الغموض تارة أخرى- أصبح موضوعا للمعرفة والتفكير،خصوصا في قدرة هذه الأنظمة على قيادة الأفراد والجماعات إلى المجهول والى أوضاع غير محسوبة العواقب تصل إلى مستوى الهيمنة والدمار،وهذا ما يتبين من خلال الأنظمة الديكتاتورية وأنظمة الحزب الواحد التي صادرت الحريات ومارست كل أشكال العنف.

في حين يرتئي مكيافيللي أن الممارسة السياسية هي فن حطم البشر،إذ ستحول إلى تقنية ومهارة بل إلى خصال على الأمير أن يمتلكها إن هو أراد الحفاظ على قوة الدولة وضمان استمراريتها،ومن أجل التحكم في زمام السلطة وإخضاع الشعب بقوة السيف والإكراه.

لكن سبينوزا يقف موقفا معارضا،إذ يؤكد أن مهمة الدولة لا تتمثل في تخويف الناس وترهيبهم،ولا في استعمال الدهاء السياسي والحيل لاستمالة من ينبغي استمالتهم ومنحهم الامتيازات والحوافز،ولكن مهمتها تكمن في نشر الفضيلة وجعل الناس يمارسون أعمالهم في اقتناع وطواعية.الأمر الذي لا يتأتى إلا بتوفير شروط من قبيل الحق والمساواة والحرية.

خاتمة:

يتضح لنا جليا أن الفلسفة الحديثة نزعت عن الدولة الكثير من الأقنعة والتصورات الأخلاقية ونظرت إليها كآلة لممارسة الحكم.حيث بينت أن هناك أنواع متعددة من المشروعية منها المرتبطة بالحكم المعتمد على التراث والمرتبطة بشخص ملهم أو المشروعية المؤسسية المرتبطة بالتصور التعاقدي.






الغير
مقدمة:
إن مفهوم الغير اتخذ في التمثل الشائع معنى تنحصر دلالته في الآخر المتميز عن الأنا الفردية أو الجماعية (النحن). ولعل أسباب هذا التميز إما مادية جسمية، وإما إثنية (عرقية) أو حضارية، أو فروقا اجتماعية أو طبقية . ومن هذا المنطلق، ندرك أن مفهوم الغير في الاصطلاح الشائع يتحدد بالسلب، لأنه يشير إلى ذلك الغير الذي يختلف عن الأنا ويتميز عنها، ومن ثمة يمكن أن تتخذ منه الذات مواقف، بعضها إيجابي كالتآخي، والصداقة وما إلى ذلك، وأخرى سلبية كاللامبالاة، والعداء... وهكذا، يتضح أن معنى الغير والآخر واحد في التمثل الشائع.
لكن كيف نستدل على وجود الغير باعتباره وجودا خارج الذات،بالرغم من أنه وجود مختلف عن باقي الموضوعات الأخرى التي تشكل العالم الخارجي؟

المحور الأول: وجود الغير.
لقد كان ديكارت أول فيلسوف حاول إقامة مفارقة بين الأنا الفردية الواعية وبين الغير ؛ حيث أراد ديكارت لنفسه أن يعيش عزلة إبستيمية، رافضا كل استعانة بالغير في أثناء عملية الشك. فرفض الموروث من المعارف، واعتمد على إمكاناته الذاتية، لأنه يريد أن يصل إلى ذلك اليقين العقلي الذي يتصف بالبداهة والوضوح والتميز... فوجود الغير في إدراك الحقيقة ليس وجودا ضروريا، ومن ثمة يمكن أن نقول : إن تجربة الشك التي عاشها ديكارت تمت من خلال إقصاء الغير... والاعتراف بالغير لا يأتي إلا من خلال قوة الحكم العقلي حيث يكون وجود الغير وجودا استدلاليا.
وقد تجاوز هيجل هذا الشعور السلبي بوجود الغير، لأنه رأى أن الذات حينما تنغمس في الحياة لا يكون وعيها وعيا للذات، وإنما نظرة إلى الذات باعتبارها عضوية. فوعي الذات لنفسها ـ في اعتقاد هيجل ـ يكون من خلال اعتراف الغير بها. وهذه عملية مزدوجة يقوم بها الغير كما تقوم بها الذات. واعتراف أحد الطرفين بالآخر لابد أن ينتزع. هكذا تدخل الأنا في صراع حتى الموت مع الغير، وتستمر العلاقة بينهما في إطار جدلية العبد والسيد. هكذا يكون وجود الغير بالنسبة إلى الذات وجودا ضروريا.
أما سارتر فيرى الغير ما هو إلا أنا آخر،أي كأنا مماثل لأناي،إلا أنه مستقل عنه.لكن وجود الغير هو كذلك نفي لأناي،من حيث هو مركز للعالم.ويترتب على وجود الغير هذا نتائج هامة وحاسمة لا على مستوى أناي فحسب،بل على مستوى علاقتي مع العالم الخارجي.
إن ما سبق يظهر التناقض الحاصل بين التمثلين الديكارتي والهيجلي ؛ ففي الوقت الذي يقصي فيه ديكارت وجود الغير، يعتبره هيجل وجودا ضروريا. وهذا يتولد عنه السؤال التالي : هل معرفة الغير ممكنة ؟ وكيف تتم معرفته؟
المحور الثاني: معرفة الغير .
إن معرفة الغير تمثل بحق علاقة " إبستيمية " بين طرفين، أحدهما يمثل الأنا العارفة والآخر يمثل موضوع المعرفة. الشيء الذي يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي : هل نعرف الغير بوصفه ذاتا أم موضوعا ؟ بمعنى آخر،هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟
يطرح سارتر العلاقة المعرفية بين الأنا والغير في إطار فينومينولوجي (ظاهراتي) فالغير في اعتقاده هو ذلك الذي ليس هو أنا، ولست أنا هو ". وفي حالة وجود علاقة عدمية بين الأنا والغير، فإنه لا يمكنه " أن يؤثر في كينونتي بكينونته "، وفي هذه الحالة ستكون معرفة الغير غير ممكنة. لكن بمجرد الدخول في علاقة معرفية مع الغير معناه تحويله إلى موضوع (أي تشييئه) : أي أننا ننظر إليه كشيء خارج عن دواتنا ونسلب منه جميع معاني الوعي والحرية والإرادة والمسؤولية. وهذه العلاقة متبادلة بين الأنا والغير : فحين أدخل في مجال إدراك الآخر، فإن نظرته إلي تقيدني وتحد من حريتي وتلقائيتي، لأنني أنظر إلى نفسي نظرة الآخر إلي ؛ إن نظرة الغير إلي تشيئني، كما تشيئه نظرتي إليه. هكذا تبدو كينونة الغير متعالية عن مجال إدراكنا ما دامت معرفتنا للغير معرفة انطباعية حسية.
لكن ميرلوبونتي، له موقف آخر إذ يرى أن نظرة الغير لا تحولني إلى موضوع، كما لا تحوله نظرتي إلى موضوع " ؛ إلا في حالة واحدة وهي أن ينغلق كل واحد في ذاته وتأملاته الفردية. مع العلم أن هذا الحاجز يمكن تكسيره بالتواصل، فبمجرد أن تدخل الذات في التواصل مع الغير حتى تكف ذات الغير عن التعالي عن الأنا، ويزول بذلك العائق الذي يعطي للغير صورة عالم يستعصي بلوغه.

أما دولوز فيرى أن الغير ليس هو ذلك الموضوع المرئي، وليس ذلك الشخص الآخر. إن الغير بنية الحقل الإدراكي، كما أنه نظام من التفاعلات بين الأفراد كأغيار. فحين تدرك الذات شيئا ما، فإنها لا تستطيع أن تحيط به في كليته إلا من خلال الآخرين ؛ فالغير هو الذي يتمم إدراكي للأشياء، وهو الذي " يجسد [مثلا] إمكانية عالم مفزع عندما لا أكون بعد مفزوعا، وعلى العكس إمكانية عالم مطمئن عندما أكون قد أفزعت حقيقة ". إن الغير إذن بنية مطلقة تتجلى في الممكن الإدراكي وهي تعبير عن عالم ممكن، ومعرفة الغير يجب أن تكون معرفة بنيوية.
لا يمكن اختزال العلاقة مع الغير في علاقة إبستيمية /أو معرفية/ من أي نوع. إن العلاقة مع الغير يمكن أن تكون علاقة أكسيولوجية قيمية تحكمها ضوابط أخلاقية كالأنانية، والغيرية، والظلم، والتسامح ...الخ. وهذا ما يضطرنا إلى الوقوف عند نموذجين للعلاقة مع الغير هما : الصداقة والغرابة.
المحور الثالث:العلاقة مع الغير.
هل العلاقة مع الغير هي علاقة تكامل أم تنافرظ
تتنوع العلاقة مع الغير وتختلف، فهي إما أن تكون علاقة اختلاف وعداوة أو علاقة صراع...وعلى أساس هذه العلاقة الشائكة مع الغير، يمكن أن تتفرع أنواع أخرى من العلاقات، مثل علاقة الإقصاء وعلاقة القبول وعلاقة التسامح والتعاطف و..و..و...
وفي هذا السياق يرى كانط أن علاقة الصداقة هي أسمى وأنبل العلاقات الإنسانية،لأنها قائمة على الاحترام المتبادل.وأساسها الإرادة الأخلاقية الخيرة.فالصداقة باعتبارها واجبا أخلاقيا، تشترط وجود المساواة وعلاقة التكافؤ، وهي أيضا نقطة تماس بين الحب والاحترام.وهذا ما يمنح الإنسان توازنه وعدم الإفراط سواء في الاحترام أو الحب.

أما أفلاطـون فيعتبر أن علاقة الصداقة تنبثق من الحالة الوجودية الوسط التي تطبعوجود الإنسان، وهي حالة وسط بين الكمال المطلق والنقص المطلق تدفع الإنسان إلىالبحث الدائم عما يكمله في علاقته مع الآخرين... فالكمال الأقصى يجعل الإنسان فيحالة اكتفاء ذاتي لا يحتاج فيها إلى الغير، وفي حالة النقص المطلق تنعدم لديهالرغبة في طلب الكمال والخير. من هنا تقوم الصداقة كعلاقة محبة متبادلة يبحث فيهاالأنا عما يكمله في الغير، يتصف فيها كل طرف بقدر كاف من الخير أو الكمال يدفعه إلى طلب كمال أسمى، وبقدر من النقص الذي لا يحول دون طلب الكمال .
لكن أرسطـو يرى أن الصداقة كتجربة معيشية وواقعية لا تقوم على الحب بمعناه الأفلاطوني فقط, بل توجد ثلاثة أنواع من الصداقة تختلف من حيث طبيعتها وقيمتها. فالنمطان الأولان(المنفعة/المتعة) متغيران نسبيان يوجدان بوجود المنفعة والمتعة ويزولان بزوالهما , ومن ثم فهما لا يستحقان اسم الصداقة إلا مجازا. والنمط الثالث(الفضيلة) يمثلالصداقة الحقة لأنه يقوم على قيمة الخير والجمال لذاته أولا ثم للأصدقاء ثانيا. وفيإطار صداقة الفضيلة تتحقق المنفعة والمتعة ليس كغايتين بل كنتيجتين. غير أن هذاالنمط من الصداقة نادر الوجود. ولو أمكن قيامه بين الناس جميعا لما احتاجوا إلىالعدالة والقوانين .

غير أن هيجل يؤسس للعلاقة بين الذات والغير،انطلاقا من الجدل القائم على ثنائية العبد والسيد.فكل وعي في نظره يدخل حتما في علاقة معينة مع وعي آخر،يبحث من خلالها عن الاعتراف بسيادة وعيه.إلا أن هذا الاعتراف عندما يتم،بعد انتهاء الصراع بين النوعين يفقد معناه لأنه صادر عن وعي العبد.الأمر الذي يستدعي وعي السيد إلى البحث عن صراع جديد واعتراف جديد.

خلا صـة تركيبيـة:
إن التفكير في مفهوم الغيريكشف عن إشكالية فلسفية متعددة الأبعاد نظرا لطبيعة العلاقة المركبة بين الأناوالغير .
فعلى المستوى الوجودي يتحدد وجود الغير كضرورة لوجود الأنا حسـبالتصـور الجدلـي (هيجل) في مقابل التصور الذاتي الذي يتم فيه استغناء الأنا عن وجودالغير (ديكارت).
وعلى المستوى المعرفي تفتح علاقة الأنا بالغير على عدة زوايامن النظـر انعكسـت فـي الخطابات التي تتحدد فيها هذه العلاقة كعلاقة تشييئية(سارتر) أو كعلاقة مشاركة وجدانية (ميرلو بونتي) تجعلان معرفة الغير تطرح معضلات لاحل لها... وذلك في مقابل تصورات أخرى تسعى إلى تجاوز هذه الصعوبات من خلال إضفاءطابع كلي (شيلر) أو بنيوي (دولوز) على الغير .
وعلى مستوى العلاقة الأخلاقيةالوجدانية، يلاحظ أن التواصل مع الغير قد يتخذ أشكالا مختلفة كما يتجلى ذلك فيسيادة نظرة الهيمنة والإقصاء قديما في مقابل النظرة الفلسفية المعاصرة التي تحاولتأسيس هذه العلاقة على الحوار والاختلاف أو التكامل والمغايرة .





الشخص

مقدمة

يعتبر الشخص حاصل جمع السمات المميزة للفرد الذي ما هو إلا كيان سوسيو-سيكولوجي متشابه مع الآخرين.ورغم تعدد وتنوع بل وتعارض الحالاتالنفسية التي يمر منها الشخص طيلة حياته إلا أن كل واحد منا يحيل باستمرار إلى نفسه بضمير "أنا" بوصفه هوية تظل مطابقة لذاتها على الدوام. غير أن هذه الهوية التي تبدو بديهية تطرح مع ذلك أسئلة عديدة.
هل تقوم هوية الشخص على الوحدة والتطابق أم على التعدد والتغير؟
المحور الأول: الشخص والهوية.
يبدو واضحا أن تحديد هوية الشخص استنادا على المظهر الخارجي للشخص أو حتى على مجموع مميزاته سواء المتعلقة بالجنس والعمر والعمل ...ضربا من ضروب المستحيل لكون كل هذه الاعتبارات متغيرة وبالتالي غير قارة وثابة.

ولهذا السبب كانت ضرورة مقاربة هذه الهوية من خلال ما هو قار وثابت في الشخص باعتباره نظاما.
حسب لاشوليي المحدد الرئيسي للشخص هو هويته،أي تطابقه مع ذاته وبالتالي تميزه عن غيره. أما وحدته النفسية عبر جل مراحل حياته فهي الضامن لهذه الهوية،لأنهما ليستا نتاجا تلقائيا،بقدر ما أنهما نتاج لآليات ربط وهي آليات نفسية تقوم بمهمة السهر على وحدة الشخص وتطابقه.أولها وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية في مواقفها وردود فعلها تجاه الآخرين.وعلى هذا النحو يرى لاشوليي أن كل من وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية هي ضمان هويتها إلى جانب الذاكرة التي اعتبرها آلية ضرورية لربط حاضر الشخص بماضيه القريب أو البعيد.
أما ديكارت فيذهب إلى تأكيد أهمية الفكر في بناء الشخصية وفهم حقيقتها، فالفكر صفة تخص الذات الإنسانية وهي وحدها لصيقة بها. والتفكير هو الشرط الضروري للوجود .
إذن أساس هوية الشخص هو التفكير الذي يعتبر مناسبة لحضور الذات أمام نفسها وإدراكها إدراكا مباشرا لكل ما يصدر عنها من أفعال والتي تبقى رغم تعددها واحدة وثابتة .
لكن جون لوك يعطي تعريفا للشخص باعتباره ذلك الكائن المفكر والعاقل القادر على التعقل والتأمل حيثما كان وأنى كان ومهما تغيرت الظروف، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمر دون حدوث أي تغير في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هو هو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكرأفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر .
إن مفهوم الشخص حسب جون لوك يتخذ عنده بعدا أخلاقيا /قانونيا، فالشخص الذي يتحدث عنه لوك هو ذاك الكائن المفكر الذي يعقل ذاته وأفعاله مهما تغيرت الظروف وتوالت الأزمان، وبالتالي يكون عن طريق الوعي مسؤولا مسؤولية قانونية عن كل ما يصدر عنه من أفعال. من هنا فأساس هوية الشخص حسب جون لوك هو الشعور الذي يجعل الإنسان يدرك ذاته ويبني معرفته بذاته على نحو دائم فيصبح الشخص إثرها هو هو رغم ما يلحقه من تغير . والذاكرة التي هي امتداد للشعور عبر.

المحور الثاني:الشخص بوصفه قيمة.
لا يختلف اثنان عن أن الإنسان كائن مميز بين كل الكائنات الأخرى ،فهو الكائن الأكثر جدلا كما جاء في القرآن الكريم(ولقد صرفنا في هذا الكتاب من كل شيء وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) وميزته تكمن في مدى بعده القيمي الذي حظي به. لكن أين تكمن قيمته؟هل تكمن في كونه غاية أم أنه لا يعدو يكون مجرد وسيلة؟
في هذا الصدد يختزل مونييه تصوره للشخص ككيان يتميز بالإرادة والوعي والتجاوز بخلاف الأشياء الخارجية أو الموضوعات التي هي كائنات متطابقة كليا مع ذاتها.وهو يكتسب باستمرار سمات شخصيته ويغنيها عبر عملية التشخصن.فالشخص ليس معطى نهائيا ناجزا بل هو عملية اكتساب ومراكمة مستمرة لسماته الخاصة.
يذهب كانط إلى تأكيد أهمية الشخص كذات لعقل أخلاقي عملي، يعامل الآخرين لا كوسائل يحقق من ورائها أغراضه الخاصة، وإنما كغايات بذاتها. فالإنسان يتميز داخل نظام الطبيعة عن باقي الكائنات الأخرى بامتلاكه لملكة الفهم، وقد استطاع أن يرسم لذاته غايات وأهدافا مشروطة بنداء الواجب الأخلاقي .فيمكنه أن يتخذ من الأشياء وسائل يستخدمها لتحقيق أغراضه لكن ليس من حقه أن يعامل الأشخاص كوسائل ذاتية نفعية، لأن الإنسان أوالذات البشرية هي غاية في ذاتها وليست وسيلة لتحقيق أغراض الآخرين، وهذا ما يمنحه قيمة داخلية مطلقة ويكسبه احتراما لذاته ويمتلك بذلك كرامته الإنسانية .
أما هيجل فيكشف عن القيمة الأخلاقية للشخص التي لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل حياة المجموع، فكل شخص حسب هيجل وانطلاقا من المكانة التي يحتله اداخل الجماعة التي ينتمي إليها عليه الالتزام بواجباته والقيام بدوره والمهام التي أسندت له ... إنها دعوة للانفتاح على الواقع والآخرين من خلال علاقة جدلية أساسها التأثير والتأثر ومعيارها يكمن في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عن كل شخص امتثالا للواجب الأخلاقي .
فالشخص يكتسب قيمته الأخلاقية حسب هيجل عندما يعي ذاته وحريته وينفتح على الواقع الذي ينتمي إليه بالدخول مع الجماعة في علاقة تعاون متبادلة امتثالا للواجب.

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية.
إذا كانت قيمة الشخص تكمن في بعده العملي الأخلاقي أكثر من أي شيء آخر، فهل يعتبر الشخص كيانا حرا مستقلا عن أي إلزام أو إكراه، أم أنه خاضع لضرورات وحتميات لا سبيل لديه للانفلات من رقابتها؟
يرى ديدرو أن الشخص لا يملك الحرية،وأن هذه الأخيرة لا معنى لها لأن الموجه الفعلي لأعمالنا هي الأسباب الفيزيائية الخارجة عن ذواتنا التي ترغمنا للضرورة وليست الحرية.وعلى هذا النحو تكون أفعالنا نتاجا لعاداتنا الأمر الذي يجعلنا نخلط بين الإرادة والحرية.فليست الحرية ما يميز بين الناس،بل إن ما يميز بينهم هو الإحسان أو الإساءة،وهما طبعان لا يمكن تغييرهما لدى الإنسان.
ويذهب سبينوزا إلى اعتبار أن ما يميز الشخص عن باقي الكائنات الأخرى،هو سعيه للحفاظ على بقائه واستمراره،وهو سعي يتأسس على الإرادة الحرة.وليست الحرية هنا بمعنى الجواز،بل إنها تقترن بالفضيلة والكمال،وليس بالعجز أو الضعف،وفق ما تقتضيه قوانين الطبيعة الإنسانية من قدرة على استخدام العقل للتمييز بين الخير والشر،وتفضيل الأول على الثاني.
أما سارتر فينطلق من تقرير أن ماهية الإنسان لا تتحدد قبل وجوده، بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع بنفسه ما يشاء، فالإنسان في نظره مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل ينفتح على العالم وعلى الآخرين .فان ذل هذا فإنما يذل عن مدى قدرته على موضعة ذاته في المستقبل.
فماهية الإنسان لاتتحدد حسب سارتر إلا من خلال وجوده وحياته وأفعاله واختياراته وعلاقاته، يوجد أولا ويلاقي ذاته وهو غير حامل لأية صفات أو ماهية قبلية. إنه شخص حر ومسؤول عن أفعاله واختياراته، فهو حر حرية مطلقة غير مقيدة بموانع وإكراهات .




درس الحق
مقدمة:

يعتبر مفهوم الحق من المفاهيم الأساسية التي تداولها الفلاسفة من القديم، لارتباط إشكاليته بالهموم الإنسانية، ولمواكبتها للحياة السوسيو-أخلاقية.
المحور الأول: الحق الطبيعي والحق الوضعي.
شكل الحق عبر مختلف العصور مبدأ سعى إليه الإنسان فصانه واحتفظ به لمدى أهميته وقيمته الاتيقيتين. لكن على أي أساس يقوم هذا الحق؟فهل يقوم على أساس طبيعي محدد سلفا أم على أساس قانوني ووضعي ؟
توماس هوبز، يذهب الى القول أن الإنسان أناني بطبعه، ويتلخص الحق الطبيعي في "أن لكل الناس الحق على كل الأشياء، بل إن لبعضهم الحق على أجسام البعض الآخر". إنها إذن "حرب الكل ضد الكل" ؛ إنها الحرية المطلقة في أن يفعل الإنسان ما شاء وأنى شاء. لكن ما دام "لن يتمكن أحد مهما بلغ من القوة والحكمة أن يبلغ حدود الحياة التي تسمح بها الطبيعة"؛ فيترتب عن ذلك تأسيس قانون يقوم على الحق الطبيعي في الحياة والدفاع عن النفس. وهو قانون يتنازل بموجبه الأفراد عن حقهم الطبيعي في الصراع من أجل حق طبيعي أسمى هو "حب البقاء"؛ فيضعون السلطة في يد شخص واحد مستبد.
في حين يتبنى سبينوزا أطروحة الحق الطبيعي، إذ يؤكد أن هذا الحق يتلخص في أن "لكل موجود حق مطلق في البقاء على وضعه"، وليس هناك فرق بين الإنسان والكائنات الأخرى. فلديه كل الحق في أن يتصرف وفق ما يشتهيه وما تمليه عليه طبيعته. فمن هو بطبعه ميال إلى "منطق الشهوة" يتصرف وفق هذا المنطق (الغاية تبرر الوسيلة)؛ ومن ينزع بطبعه نحو "منطق العقل"، فإنه يتصرف وفق هذا النزوع. لكن، لكي يعيش الناس في وفاق وأمان "كان لزاما عليهم أن يسعوا إلى التوحد في نظام واحد" ؛ وذلك من خلال الخضوع لمنطق العقل وحده، وبالتالي كبح جماح الشهوة. وهذا أمر لا يتناقض مع الحق الطبيعي باعتبار العقل جزءا منه.
إلا أن جان جاك روسو يتناقض مع أطروحة الحق الطبيعي القائم على القوة . فالإنسان خير بطبعه، والقوة قاعدة فيزيائية لا يمكن أن يقوم عليها الحق. وبما أن الإنسان كائن عاقل لابد أن يتنازل عن الأنانية التي فرضها عليه جشعه وحبه للمال، وتفرده بالسلطة، وبالتالي قيام المدنية على أسس خاطئة. فالمدنية لا تقوم إلا على صوت الواجب، والحق يجب أن يعوض الشهوة والاندفاعات الجسدية. إن حالة التمدن مكسب لأنها تمثل "الحرية الأخلاقية التي تمكن وحدها الإنسان من أن يكون سيد نفسه بالفعل". إن الشهوة استعباد والامتثال إلى القوانين التي شرعها الإنسان بنفسه حرية. ويقصد روسو ضرورة إقامة المجتمع على أساس "تعاقد اجتماعي" في إطار سلطة ديمقراطية تعكس إرادة الجميع.
المحور الثاني:العدالة كأساس للحق.
سواء قام الحق على أساس القانون الطبيعي أو على أساس الوضعي،فان السؤال الذي يطرح نفسه:هو كيف ينبغي أن يؤجر هذا الحق؟وما هي الشروط التي يجب توفرها لتحقيق العدالة؟
تتحدد العدالة حسب أرسطو، بالتقابل مع الظلم.فالسلوك العادل،هو السلوك المشروع الموافق للقوانين والذي يكفل لكل ذي حق حقه تبعا لتناسب رياضي في حين أن الفعل الجائر هو الفعل اللامشروع المنافي للمساواة والذي يقوم على عدم التناسب وعدم التوسط بين الإفراط والتفريط.
أما أفلاطون فيرى أن تحقيق العدالة داخل المدينة قمين بقيام كل فرد بالمهمة التي وجد من أجلها على أحسن وجه،وبذلك يتحقق التناغم والانسجام بين قوى مختلفة ومتعارضة،عندها يكون هذا الفرد قد ساهم في كمال المدينة وتحقيق الفضائل المتمثلة في الحكمة والاعتدال والشجاعة.
لكن ألان فله رأي آخر، إذ يعتبر أن المعيار الأساسي للحق هو الاعتراف به والمصادقة عليه،أما الأشكال الأخرى من الممارسات اليومية،فلا تدخل في إطار الحق،لأنه لا يشمل الوقائع والأحداث التي تنبع من واقع الناس وحياتهم اليومية.
المحور الثالث:العدالة بين المساواة والإنصاف.

إذا كانت العدالة فضيلة أخلاقية، تتحدد قيمتها في تطبيقاتها العملية، وإلا ظلت مجرد حلم بعيد المنال.لذا وجب توفر شرطي المساواة والإنصاف، حتى تنتقل من مستوى ما ينبغي أن يكون –أي فكرة- إلى مستوى ما هو كائن.فهل بإمكان العدالة إنصاف جميع الناس؟
حسب أفلاطون فان العدالة تتحدد باعتبارها فضيلة تقوم في انسجام القوى المتعارضة وتناسبها. فالعدالة في رأيه تتحقق على مستوى النفس حين تنسجم قواها الشهوانية والغضبية والعاقلة،كما تتحقق على صعيد المجتمع حين يؤدي كل فرد الوظيفة التي وهبته الطبيعة دون تدخل في عمل الآخرين.
في حين تقترن العدالة عند أرسطو بالعدالة السياسية التي تفترض القيام بالسلوك المنصف والخاضع للقوانين التي لها دور تنظيم الحياة العمومية وضمان تحقيق العدالة السياسية.فالعدالة تدرك بنقيضها،لأن التصرف اللاعادل يتحقق عندما لا يأخذ الفرد نصيبه من الخيرات ومن ثروات البلاد،لذلك كان ضروريا وجود قانون يلزم الحاكم لكي يحكم بالعدل والمساواة.فالعدالة إذن لابد أن تقترن بالمساواة التي تضمن الكرامة للجميع.

غير أن كلاستر يرى أن تحقيق شرطي الإنصاف والعدالة،أو افتراض وجود حاكم عادل غير كاف بل يجب إضافة إلى ذلك فرض العدالة بقوة القانون لتفادي العنف والفوضى والاستئثار بالحكم.ودليله على ذلك افتقار السلطة لقوة القانون عندما تكون معنوية أو رمزية،مما يتسبب في إمكانية أفولها.الأمر الذي يستدعي ضرورة قيام السلطة على أساس القانون وليس على أساس شخصية رمزية كما هو متداول في أعراف وتقاليد القبيلة.

خاتمة:
كاستنتاج عام، يتبين أن الحق مفهوم فلسفي كان أساس نقاش متواصل بين الفلاسفة والمفكرين منذ القديم، لما له من ارتباط بإنسانية الإنسان، وتنظيم حياته الاجتماعية، وتحقيق كينونته. وقد تأرجح الفلاسفة بين اعتباره حقا طبيعيا أو حقا وضعيا ؛ دون أن ننسى هناك أطروحات لا ترى تناقضا بين الطبيعي والوضعي، باعتبار الوضعي توجيها للطبيعي... كما أن الاختلاف الحاصل حول القانون يمكن حله على الشكل التالي: فكلما كان القانون خدوما للصالح العام؛ كلما كان حقا وجب على الناس الالتزام به. علما بأن الحق ليس مطلقا بل هو نسبي، ومن هذا المنطلق يجب العمل على تحيين القوانين حتى تكون مواكبة للعصر.






الحرية


مــقـدمــــة:
مما لامناص منه أن مفهوم الحرية من المفاهيم الفلسفية الأكثر جمالية ووجدانية، فلهذا السبب اتخذت دائما شعارا للحركات التحررية والثورية ومختلف المنظمات الحقوقية في العالم، باعتبارها قيمة إنسانية سامية تنطوي على مسوغات أخلاقية واجتماعية وأخرى وجدانية وجمالية. إلا أنها تعد من المفاهيم الفلسفية الأكثر جدلا واستشكالا.
فقد طُرحت الحرية بالقياس دوما إلى محددات خارجية؛حيث كانت مسألة الحرية تطرح في الفكر القديم قياسا إلى القدرة والمشيئة الإلهية واليوم تُطرح قياسا إلى العلم الحديث بشقيه ،سواء علوم الطبيعة أم الإنسان.
فماذا تعني الحرية:هل الحرية أن نفعل كل ما نرغب فيه؟أم أنها محدودة بحدود حرية الآخرين؟وبناء على ذلك أين يمكننا أن نموقع الذات الإنسانية؟ هل هي ذات تمتلك حرية الاختيار وبالتالي القدرة على تحديد المصير؟ أم أنها ذات لها امتدادات طبيعية خاضعة لحتميات متعددة؟ ثم هل الحرية انفلات من رقابة القانون وأحكامه؟ أم أنها رهينته؟
1. الحرية والحتمية:
إذا كانت الحرية تتحدد بقدرة الفرد على الفعل والاختيار،فهل ستكون هذه الحرية مطلقة أم نسبية؟وهل ثمة حتميات وضرورات تحد من تحقيق الإرادة الحرة لدى الإنسان؟
يرى سبينوزا، أن الحرية، أو بالأحرى الشعور بالحرية مجرد خطأ ناشئ مما في غير المطابقة من نقص وغموض؛ فالناس يعتقدون أنهم أحرار لأنهم يجهلون العلل التي تدفعهم إلى أفعالهم، كما يظن الطفل الخائف انه حر في أن يهرب، ويظن السكران انه يصدر عن حرية تامة، فإذا ما تاب إلى رشده عرف خطأه. مضيفا أنه لو كان الحجر يفكر، لاعتقد بدوره أنه إنما يسقط إلى الأرض بإرادة حرة. وبذلك تكون الحرية الإنسانية خاضعة لمنطق الأسباب والمسببات الذي ليس سوى منطق الحتمية.
أما كانط فينطلق في معرض بحثه لمفهوم الحرية،من فكرة تبدو له من المسلمات والبديهيات، مفادها أن الحرية خاصية الموجودات العاقلة بالإجمال؛ لأن هذه الموجودات لا تعمل إلا مع فكرة الحرية. غير أن أي محاولة من العقل لتفسير إمكان الحرية تبوء بالفشل، على اعتبار أنها معارضة لطبيعة العقل من حيث أن علمنا محصور في نطاق العالم المحسوس وأن الشعور الباطن لا يدرك سوى ظواهر معينة بسوابقها، وهذه المحاولة معارضة لطبيعة الحرية نفسها من حيث أن تفسيرها يعني ردها إلى شروط وهي علية غير مشروطة. كما ينص كانط على التعامل مع الإنسان باعتباره غاية، لا باعتباره وسيلة، ذلك لأن ما يعتبر غاية في ذاته ، هو كل ما يستمد قيمته من ذاته، ويستمتع بالتالي بالاستقلال الذاتي الذي يعني استقلال الإرادة. يقتضي هذا المبدأ بان يختار كل فرد بحرية الأهداف والغايات التي يريد تحقيقها بعيدا عن قانون التسلسل العلي الذي يتحكم في الظواهر الطبيعية.
في حين يرى كارل بوبر ضرورة إدخال مفهوم الحرية إلى دائرة النقاشات العلمية ،وخلصها من التصورات الحتمية.فالعالم الفيزيائي حسبه مفتوح على إمكانيات إنسانية عديدة ،وهي إمكانيات حرة تتميز بالإبداع والابتكار. فالأفعال والأحداث ليست من محض الصدفة، وإنما نابعة من الإرادة الحرة للفرد الذي يعيش وسط العوالم الثلاثة.
غير أن سارتر يعتبر أن الحرية لا تتحدد فقط في الاختيار،وإنما في انجاز في انجاز الفرد لمشروعه الوجودي ،مادام أنه ذاتا مستقاة تفعل وتتفاعل،أما الإحساسات والقرارات التي يتخذها ،فهي ليست أسبابا آلية ومستقلة عن ذواتنا،ولا يمكن اعتبارها أشياء وإنما نابعة من مسؤوليتنا وقدرتنا وإمكانيتنا على الفعل.
2. حرية الإرادة:
إذا كانت الحرية نابعة من قدرة الفرد على الاختيار والفعل فان الهدف الأساسي لها يتجلى أساسا في تحصيل المعرفة وبلوغ الحقيقة. يميز الفارابي بين الإرادة والاختيار:فالإرادة هي استعداد يتوفر على نزوع نحو الإحساس والتخيل،في الوقت ذاته يتميز الاختيار بالتريث والتعقل،ومجرد ما يحصل الإنسان المعقولات بتمييزه بين الخير والشر،فانه يدرك السعادة الفعلية وبالتالي يبلغ الكمال.
ولا يختلف اثنان في اعتبار سارتر فيلسوف الحرية بامتياز، وكيف لا وهو الذي نصب نفسه عدوا لذودا للجبريين. لقد بذل هذا الفيلسوف قصارى جهده للهبوط بالإنسان إلى المستوى البيولوجي المحض. فالحرية هي نسيج الوجود الإنساني،كما أنها الشرط الأول للعقل "إن الإنسان حر،قدر الإنسان أن يكون حرا ، محكوم على الإنسان لأنه لم يخلق نفسه وهو مع ذلك حر لأنه متى ألقي به في العالم، فإنه يكون مسؤولا عن كل ما يفعله". هكذا يتحكم الإنسان –حسب سارتر- في ذاته وهويته وحياته، في ضوء ما يختاره لنفسه بإرادته ووفقا لإمكاناته.
أما ديكارت فيعتبر الإرادة أكمل وأعظم ما يمتلك الإنسان لأنها تمنحه القدرة على فعل الشيء أو الامتناع عن فعله،فهي التي تخرجه من وضعية اللامبالاة وتدفعه إلى الانخراط في مجال الفعل والمعرفة والاختيار الحر.
أما نيتشه، فقد رفض الأحكام الأخلاقية النابعة من التعاليم المسيحية، معتبرا أنها سيئة وأنها أكدت، تأكيدا زائفا على الحب والشفقة والتعاطف، وأطاحت ،في المقابل، بالمثل والقيم اليونانية القديمة التي اعتبرها أكثر صدقا وأكثر تناسبا مع الإنسان الأرقىsuperman" ". فهذه الأخلاق – بالمعنى الأول – مفسدة تماما للإنسان الحديث الذي يجب أن يكون "روحا حرة" ويثبت وجوده ويعتمد على نفسه ويستجيب لإرادته. فقد اعتبر بوجه عام أن الحقيقة القصوى للعالم هي الإرادة، ومثله الأعلى الأخلاقي والاجتماعي هو " الرجل الأوربي" الجيد، الموهوب بروح حرة، والذي يتحرى الحقيقة بلا ريب، ويكشف عن الخرافات والترهات .
3. الحرية والقانون:
إذا اعتبرنا أن الحرية مقترنة بالإرادة الحرة وبقدرة الفرد على التغلب على الاكراهات والحتميات ،فكيف يمكن الحد من الحرية المطلقة؟وما دور القانون في توفير الحرية وترشيد استعمالها؟
لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية والتمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة ، في المساواة مع الآخرين ، فإن له بالطبيعة الحق، ليس في المحافظة على حريته فحسب، بل أيضا في أن يقاضي الآخرين، إن هم قاموا بخرق للقانون ومعاقبتهم بما يعتقد أن جريمتهم تستحقه من عقاب. من هذا المنطلق وُجد المجتمع السياسي، حيث تنازل كل فرد عن سلطته الطبيعية وسلمها إلى المجتمع في جميع الحالات التي لا ينكر عليه فيها حق الالتجاء إلى القانون الذي يضعه المجتمع لحمايته.
لا يعول توماس هوبز كثيرا على القانون، فهو يعتقد أن كينونة الحرية في الإنسان هي الدافع الأساسي لإعمال حريته وليس القانون، مضيفا أنه إذا لم يكن الإنسان حرا بحق وحقيقة، فليس هناك موضع للإدعاء بأن هذا الإنسان يمكنه أن يحظى بالحرية فقط عندما يكون تحت نظام قانوني معين... إذ تبقى الحرية عند هوبز نصا يمتلك معنى واسعا، ولكنه مشروط بعدم وجود موانع لإحراز ما يرغب فيه الإنسان، فالإرادة أو الرغبة لوحدها لا تكفي لإطلاق معنى الحرية. وهوبز كغيره من رواد الفكر السياسي الغربي، يؤمن بأن حرية الإنسان تنتهي عند حرية الآخرين، فقد رفض الحرية الزائدة غير المقيدة، إذ أكد بأن الحرية ليست الحرية الحقيقية لأنها خارجة عن السيطرة، بالأحرى سيكون الإنسان مستعبدا من خلال سيادة حالة من الخوف المطرد المستمر. وهكذا ستتعرض المصالح الشخصية الخاصة وحتى الحياة نفسها للرعب والذعر، من قبل الآخرين أثناء إعمالهم لحرياتهم. فالحرية المطلقة تقود إلى فقدان مطلق للحرية الحقيقية.
وفي نفس الاتجاه يذهب مونتسكيو حيث يرى أن الحرية تنطوي على العديد من المعاني والدلالات ،وتقترن بأشكال مختلفة من الممارسات السياسية .فالحرية في نظره ليست هي الإرادة المطلقة ، وإنما الحق في فعل يخوله القانون دون المساس بحرية الآخرين.
غير أن أردنت Arendtربطت الحرية بالحياة اليومية وبالمجال السياسي العمومي ذلك أن اعتبار الحرية حقا يشترك فيه جميع الناس، يفترض توفر نظام سياسي وقوانين ينظمان هذه الحرية، ويحددان مجال تعايش الحريات. أما الحديث عن حرية داخلية(ذاتية)، فهو حديث ملتبس وغير واضح. إن الحرية، حسب أرندت، مجالها الحقيقي والوحيد هو المجال السياسي، لما يوفره من إمكانات الفعل والكلام، والحرية بطبعها لا تمارس بشكل فعلي وملموس، إلا عندما يحتك الفرد بالآخرين، إن على مستوى التنقل أو التعبير أو غيرها، فتلك هي إذن الحرية الحقيقية والفعلية في اعتقادها.
خاتمة:
يتضح لنا جليا من خلال ما سبق أن مفهوم الحرية مفهوم ملتبس، فكلما اعتقدنا أننا أحطنا بها، انفلت منا ، فقد تعددت النظريات من فلسفة لأخرى بل من فيلسوف لآخر فهناك من ميزها عن الإرادة الفارابي، وهناك من رأى أنها تحوي زخما كبيرا من الدلالات والمعاني مونتيسكيو ، وهناك كذلك من ربطها بالحياة اليومية ولم يعزلها عن حياتنا السياسية كما ذهبت إليه أرندت.

الواجب
تقديم
يعتبر مفهوم الواجب قطب رحى الفلسفة الأخلاقية ، إذ يشكل إحدى المقولات الأساسية التي انبنى عليها التفكير الفلسفي في الشق الأخلاقي إلى جانب قيم أخرى كالسعادة و الحرية... والحديث عن الواجب باعتباره أحد هذه القيم يدفعنا للتساؤل:ما هو الواجب ؟وما هو الأساس الذي يقوم عليه؟هل يقوم على الالتزام الداخلي المؤسس على الوازع الأخلاقي؟أم أنه يقوم على سلطة الإكراه والإلزام الخارجي بغض النظر عن مصدره وطبيعته؟وإذا كان الواجب يقوم على الالتزام الداخلي ألا يقتضي ذلك ضرورة وجود وعي أخلاقي من شأنه أن يشكل الأساس الذي يقوم عليه الواجب ـ إلى جانب أسس أخرى كالقوانين الوضعية؟وعندما نتحدث عن الواجب ،ألا يحق لنا أيضا أن نتساءل :هل الواجب هو واجب تجاه الذات أم تجاه الآخرين؟

المحور الأول: الواجب و الإكراه
الحديث عن مفهوم الواجب يجرنا للتساؤل عما إذا كان إلزاما أم التزاما ؟بمعنى آخر هل ما نقدمه من واجب هو صادر عن رضى وطيب خاطر؟أم لأننا أرغمنا عليه؟
يذهب كانط إلى اعتبار الواجب هو القيام بالفعل احتراما للقانون ـالقانون الذاتي الأخلاقي القائم على الخير الأسمى، والمؤسس على العقل والإرادة ـ وعلى هذا النحو يكون المرجع الأساسي الذي يجب أن ينطلق منه الجميع هو العقل لأنه كوني بالنسبة للجميع. والحكم الأخلاقي إذ يصدر عن الإرادة الخيرة الحرة ـ التي مصدرها العقل هي الأخرى ـ فهو أيضا يمكن توصيفه بالكوني.
اهتجس كانط بهاجس الكونية وهو يبني فلسفته النقدية بشكل عام. لذلك وضع قوانين تتسع رقعتها لتشمل الإنسان كمفهوم، أي الإنسان في صيغته المطلقة، مركزا على العقل والإرادة لطابعهما الكوني والمشترك. فالعقل العملي إلى جانب الإرادة هما المشرعين لمفهوم الواجب، الذي هو إكراه، من حيث هو فعل خاضع للعقل، وللحرية، لأن مصدره الإرادة.
في حين يرى هيجل أن الأطروحة الكانطية مجرد نزعة صورية تفتقر إلى التجلي والتجسد في الواقع. فالواجب مع هيجل ذو طابع مؤسساتي وغايته هي إقامة الدولة القوية التي يبتدئ بناء صرحها من الفرد الذي ينصهر في الكل، بلغة صاحب الفينومنولوجيا " يجب على الفرد الذي يؤدي واجبه أن يحقق مصلحته الشخصية أو إشباعه وأن يتحول الشأن العام إلى شأن خاص بفعل وضعيته داخل الدولة. فان دل هذا فإنما يدل على أن المصلحة الخاصة تنصهر ضمن المصلحة العامة بحيث يضمن الفرد حمايتها. "فالفرد ـ يقول هيجل ـ الخاضع للواجبات سيجد في تحقيقها حمايته لشخصه ولملكيته باعتباره مواطنا، وتقديرا لمنفعته وإشباعا لماهيته الجوهرية، واعتزازا بكونه عضوا في هذا الكل؛ وبذلك يغدو الواجب مرتبطا بالدولة لا بالذات في وجودها الخالص.
وعلى النقيض من ذلك يرى غويو أن الفعل الأخلاقي لا يجب أن يصدر عن إلزام و لا عن خوف من أي جزاء أو عقاب. إنما يكون هو فعلا تأسيسيا لمسار الحياة الذي لا ينتهي، و لغايات حددتها الطبيعة الإنسانية بوصفها فاعلية مطلقة نحو الحياة. لكن الواجب الأخلاقي من وجهة النظر الطبيعية هاته التي ليس فيها شيء غيبي، يرتد إلى القانون الطبيعي الشامل ، فمصدره هو الشعور الفياض "بأننا عشنا و أننا أدينا مهمتنا ... و سوف تستمر الحياة بعدنا، من دوننا، و لكن لعل لنا بعض الفضل في هذا الاستمرار". و المنحى نفسه يتخذه نيتشه حين يؤسس الأخلاق على مبدأ الحياة بوصفها اندفاع خلاق محض. إذ الفعل الأخلاقي عند نيتشه ما يخدم الحياة ويزيد من قوتها و ليس ما يضعف الحياة و يزيد من محدوديتها. هكذا هو الخير و الشر عند نيتشه.

المحور الثاني: الوعي الأخلاقي
يعتبر مفهوم الوعي الأخلاقي مفهوما مركزيا في الفلسفات الأخلاقية .فما هو الأساس الذي يقوم عليه هذا الوعي؟
يرى روسو أن الوعي الأخلاقي إحساس داخلي موطنه وجداننا فنحن نحسه قبل معرفته ،وهو الذي يساعدنا على التمييز بين الخير والشر ،والحسن والقبيح،وهي إحساسات طبيعية وفطرية يسعى الإنسان من خلالها إلى تفادي ما يلحق الأذى به وبالآخرين،ويميل إلى ما يعود عليه وعلى الآخرين بالنفع.الأمر الذي يقوي لديه الوعي الأخلاقي فيجعله متميز عن باقي الكائنات الحيوانية الأخرى.
أما هيجل فانع يعتبر الوعي الأخلاقي هو الربط بين الواجب والمبادئ الأخلاقية.وفي هذا الإطار يميز هيجل بين الواجب بمعناه القانوني والواجب بمعناه الأخلاقي ،فإذا كان النوع الأول من الواجب يعتبر نموذجيا،فان النوع الثاني يفتقر إلى الطابع النموذجي،وذلك لقيامه على الإرادة الذاتية.لكن ،سرعان ما سيعكس هيجل هذا الحكم ،عندما سيعتبر الواجب القانوني واجبا يفتقر إلى الاستعداد الفكري،على عكس الواجب الأخلاقي الذي يستدعي ذلك الاستعداد،ويقتضي أن يكون مطابقا للحق في ذاته.وعلى هذا النحو يصبح للواجب الأخلاقي قيمة باعتباره وعيا ذاتيا وليس إلزاما خارجيا.
وفي مقابل هذين التصورين ،يذهب نيتشه إلى رفض كل التزام أخلاقي ، سواء من الناحية المبدئية أو من ناحية ادعائنا القدرة على تعميمه على جميع الذوات.إن اعتبار الالتزام الأخلاقي أساسيا للفعل الأخلاقي ،هو في نظره هو جهل بالذات وسوء فهم لها، وخصوصا عندما تدعي تلك الذات إمكانية تعميمه على كل الذوات الأخرى. وكبديل لهذا الالتزام، يشدد نيتشه على الأنانية الذاتية، بما تعنيه من هناء وخنوع وتواضع، باعتبارها أساسا للسلوك الإنساني عوض ذلك الالتزام الأخلاقي الزائف.
المحور الثالث: الواجب و المجتمع
ماهي الصلة التي يمكن إقامتها بين الواجب والمجتمع ؟ وكيف تتحدد واجبات الفرد تجاه المجتمع والآخرين؟
يرى دوركهايم بأن المجتمع يشكل سلطة معنوية تتحكم في وجدان الأفراد، و يكون نظرتهم لمختلف أنماط السلوك داخله، و من ثمة فالمجتمع يمارس نوعا من القهر و الجبر على الأفراد إذ هو الذي يرسم لهم معالم الامتثال للواجب الأخلاقي و النظم الأخلاقية عموما، و لما كانت الحال كذلك لأن الأفراد يُسلب منهم الوعي بالفعل الأخلاقي، لأنه لم يكن نابعا من إرادة حرة و واعية و إنما عن ضمير و وعي جمعيين هما المتحكمان في سلوكيات الأفراد. و بالتالي فالمجتمع سلطة إلزامية "و التي يجب أن نخضع لها لأنها تحكمنا و تربطنا بغايات تتجاوزنا.
و من ثمة فالمجتمع يتعالى على الإرادات الفردية، و يفرض السلوكيات التي يجب أن يكون بما فيها السلوكيات الأخلاقية لأن المجتمع "قوة أخلاقية كبيرة. فيحقق الأفراد غاية المجتمع لا غاية ذواتهم و الإنصات لصوته الآمر لأن "تلك المشاعر التي تملي علينا سلوكنا بلهجة آمرة صارمة و ضميرنا الأخلاقي لم ينتج إلا عن المجتمع و لا يعبر إلا عنه.

أما ماكس فيبر فينصرف في حديثه عن الواجب الأخلاقي و الأخلاق عموما إلى القول بأن الأخلاق في مجملها تنقسم إلى نمطين اثنين: نمط أول موسوم بأخلاق الاقتناع ذات المظهر المثالي و المتعالي التي يكون فيها الفرد غير متحمل لأية مسؤولية، و إنما هي مركونة إلى المؤثرات و العوامل الخارجية التي لا يتدخل فيها الفرد، و إنما تطرح فيه بتأثير الأبعاد الدينية، بما هي صوت متعال يصدر أوامره، حيث إن " أخلاقية الاقتناع لن ترجع المسؤولية إلى الفاعل، بل إلى العالم المحيط و إلى حماقة البشر و إلى مشيئة الله الذي خلق الناس على بهذه الصورة.
و نمط ثان من الأخلاق هو ما أطلق عليه أخلاق المسؤولية، التي تصدر من الذات الفردية و تتأسس على الوعي الفردي الحر، إذ "نحن مسئولون عن النتائج التي تمكن توقعها لأفعالنا"، و لا ترجع المسؤولية إلى بعد خارجي قسري، لا علاقة لهذه الأخلاق بالقدر أو بالحظ.

لكن جون راولز صاحب نظرية العدالة في الفكر السياسي المعاصر، فيذهب الى أن الواجب الأخلاقي باعتباره نمطا من التضامن الذي يبنيه و يؤسسه الجيل السابق للجيل اللاحق، حتى يستطيع الجيل الأول أن يوفر كل إمكانيات العيش الرغيد و المريح. فكل جيل يتحمل على كاهله مسؤولية تأمين المستقبل الذي لا يجعل الجيل اللاحق في حالة من الضياع و التشتت.
و كثيرة هي المناحي التي ينبثق منها هذا الواجب الأخلاقي بما هو تضامن بين الأجيال ، و هذا التضامن هو خدمة للمجتمع عموما و تقسيم الثروات بشكل عادل.
خاتمة
انطلاقا مما سبق التطرق إليه من مواقف نجد أن الواجب الأخلاقي مفهوم يتراوح بين عدة أنظار و مواقف متباينة لا تتعارض أكثر مما تكون صورة بانورامية حوله، فمنهم من جعل من الواجب إرادة حرة و مطلقة في مقابل رأي معاكس إذ يرى النقيض، حيث جعل من الواجب الأخلاقي جزءا لا يجتزئ عن سلطة من السلط إما نفسية أو دينية أو غير ذلك...


الاعتقاد في صلاحية نظام مشروع وكفاءة ايجابية قائمة على قواعد حكم عقلانية.

يرى هوبز أن الدولة تنشأ ضمن تعاقد إرادي وميثاق حر بين سائر البشر ،حتى ينتقلوا من حالة الطبيعة –حرب الكل ضد الكل-إلى حالة المدنية.وبذلك ستكون غاية الدولة هي تحقيق الأمن والسلم في المجتمع.

أما سبينوزا فيرى أن الغاية من تأسيس الدولة هي تحقيق الحرية للأفراد والاعتراف بهم كذوات مسؤولة وعاقلة وقادرة على التفكير وبالتالي تمكين كل مواطن من الحفاظ على حقه الطبيعي في الوجود باعتباره وجودا حرا.

لكن هيجل فيرى أن مهمة الدولة هي أبعد من ذلك وأعمق وأسمى. فالفرد في رأيه يخضع للدولة وينصاع لقوانينها لأنها تجسد فعليا الإرادة العقلانية العامة، والوعي الجماعي القائم على الأخلاق الكونية، لأنها تدفع بالمرء للتخلص من أنانيته بحيث ينخرط ضمن الحياة الأخلاقية. فالدولة في نظره، هي أصدق تعبير عن سمو الفرد ورقيه إلى الكونية.فهي بذلك تشكل روح العالم.

المحور الثاني:طبيعة السلطة السياسية.
إن تباين المواقف الفلسفية حول مشروعية الدولة تتمخض منه إشكالات عدة حول طبيعة السلطة السياسية.فهل يمكن حصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم أن السلطة قدرة مشتتة في كل المجتمع؟ وهل هي متعالية عن المجال الذي تمارس فيه،أم أنها محايثة له؟

في هذا الخضم نجد دو توكفيل الذي يرى أن الصفات الجديدة التي أصبحت تتحلى بها الدولة،في ممارستها السياسية،هي تلبية متع الأفراد ورغباتهم وتحقيق حاجياتهم اليومية.لكن هذه الامتيازات يرى أنها كانت على حساب إقصائهم من الحياة السياسية ،الأمر الذي أدى إلى تقليص الحريات وتدني الوعي السياسي لديهم ،وبالتالي تحول الأفراد إلى قطيع تابع وفاقد للإرادة.

أما مونتسكيو فقد عالج في كتابه "روح القوانين" طبيعة السلط في الدولة،إذ يصادر على ضرورة الفصل بين السلط داخل الدولة،حيث ينبغي في نظره استقلال السلطة التشريعية عن التنفيذية عن القضائية والفصل بينهما.والهدف من هذا الفصل والتقسيم هو ضمان الحرية في كنف الدولة.

وفي المقابل التصور الذي يحصر السلطة في مجموعة من المؤسسات والأجهزة،سيبلور ميشيل فوكو تصورا أصيلا للسلطة.إذ يرى أنها ليست متعالية عن المجال الذي تمارس فيه،بل هي محايثة له.إنها الاسم الذي يطلق على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين تجعل مفعول السلطة يمتد كعلاقات قوة في منحى من مناحي الجسم الاجتماعي.

المحور الثالث:الدولة بين الحق والعنف.
في هذا الصدد نجد هنري لوفيفر الذي يعتبر الوضع المفارق للدولة -وطبيعة الممارسة السياسية المتأرجحة بين الوضوح تارة وبين الغموض تارة أخرى- أصبح موضوعا للمعرفة والتفكير،خصوصا في قدرة هذه الأنظمة على قيادة الأفراد والجماعات إلى المجهول والى أوضاع غير محسوبة العواقب تصل إلى مستوى الهيمنة والدمار،وهذا ما يتبين من خلال الأنظمة الديكتاتورية وأنظمة الحزب الواحد التي صادرت الحريات ومارست كل أشكال العنف.

في حين يرتئي مكيافيللي أن الممارسة السياسية هي فن حطم البشر،إذ ستحول إلى تقنية ومهارة بل إلى خصال على الأمير أن يمتلكها إن هو أراد الحفاظ على قوة الدولة وضمان استمراريتها،ومن أجل التحكم في زمام السلطة وإخضاع الشعب بقوة السيف والإكراه.

لكن سبينوزا يقف موقفا معارضا،إذ يؤكد أن مهمة الدولة لا تتمثل في تخويف الناس وترهيبهم،ولا في استعمال الدهاء السياسي والحيل لاستمالة من ينبغي استمالتهم ومنحهم الامتيازات والحوافز،ولكن مهمتها تكمن في نشر الفضيلة وجعل الناس يمارسون أعمالهم في اقتناع وطواعية.الأمر الذي لا يتأتى إلا بتوفير شروط من قبيل الحق والمساواة والحرية.

خاتمة:

يتضح لنا جليا أن الفلسفة الحديثة نزعت عن الدولة الكثير من الأقنعة والتصورات الأخلاقية ونظرت إليها كآلة لممارسة الحكم.حيث بينت أن هناك أنواع متعددة من المشروعية منها المرتبطة بالحكم المعتمد على التراث والمرتبطة بشخص ملهم أو المشروعية المؤسسية المرتبطة بالتصور التعاقدي.






الغير
مقدمة:
إن مفهوم الغير اتخذ في التمثل الشائع معنى تنحصر دلالته في الآخر المتميز عن الأنا الفردية أو الجماعية (النحن). ولعل أسباب هذا التميز إما مادية جسمية، وإما إثنية (عرقية) أو حضارية، أو فروقا اجتماعية أو طبقية . ومن هذا المنطلق، ندرك أن مفهوم الغير في الاصطلاح الشائع يتحدد بالسلب، لأنه يشير إلى ذلك الغير الذي يختلف عن الأنا ويتميز عنها، ومن ثمة يمكن أن تتخذ منه الذات مواقف، بعضها إيجابي كالتآخي، والصداقة وما إلى ذلك، وأخرى سلبية كاللامبالاة، والعداء... وهكذا، يتضح أن معنى الغير والآخر واحد في التمثل الشائع.
لكن كيف نستدل على وجود الغير باعتباره وجودا خارج الذات،بالرغم من أنه وجود مختلف عن باقي الموضوعات الأخرى التي تشكل العالم الخارجي؟

المحور الأول: وجود الغير.
لقد كان ديكارت أول فيلسوف حاول إقامة مفارقة بين الأنا الفردية الواعية وبين الغير ؛ حيث أراد ديكارت لنفسه أن يعيش عزلة إبستيمية، رافضا كل استعانة بالغير في أثناء عملية الشك. فرفض الموروث من المعارف، واعتمد على إمكاناته الذاتية، لأنه يريد أن يصل إلى ذلك اليقين العقلي الذي يتصف بالبداهة والوضوح والتميز... فوجود الغير في إدراك الحقيقة ليس وجودا ضروريا، ومن ثمة يمكن أن نقول : إن تجربة الشك التي عاشها ديكارت تمت من خلال إقصاء الغير... والاعتراف بالغير لا يأتي إلا من خلال قوة الحكم العقلي حيث يكون وجود الغير وجودا استدلاليا.
وقد تجاوز هيجل هذا الشعور السلبي بوجود الغير، لأنه رأى أن الذات حينما تنغمس في الحياة لا يكون وعيها وعيا للذات، وإنما نظرة إلى الذات باعتبارها عضوية. فوعي الذات لنفسها ـ في اعتقاد هيجل ـ يكون من خلال اعتراف الغير بها. وهذه عملية مزدوجة يقوم بها الغير كما تقوم بها الذات. واعتراف أحد الطرفين بالآخر لابد أن ينتزع. هكذا تدخل الأنا في صراع حتى الموت مع الغير، وتستمر العلاقة بينهما في إطار جدلية العبد والسيد. هكذا يكون وجود الغير بالنسبة إلى الذات وجودا ضروريا.
أما سارتر فيرى الغير ما هو إلا أنا آخر،أي كأنا مماثل لأناي،إلا أنه مستقل عنه.لكن وجود الغير هو كذلك نفي لأناي،من حيث هو مركز للعالم.ويترتب على وجود الغير هذا نتائج هامة وحاسمة لا على مستوى أناي فحسب،بل على مستوى علاقتي مع العالم الخارجي.
إن ما سبق يظهر التناقض الحاصل بين التمثلين الديكارتي والهيجلي ؛ ففي الوقت الذي يقصي فيه ديكارت وجود الغير، يعتبره هيجل وجودا ضروريا. وهذا يتولد عنه السؤال التالي : هل معرفة الغير ممكنة ؟ وكيف تتم معرفته؟
المحور الثاني: معرفة الغير .
إن معرفة الغير تمثل بحق علاقة " إبستيمية " بين طرفين، أحدهما يمثل الأنا العارفة والآخر يمثل موضوع المعرفة. الشيء الذي يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي : هل نعرف الغير بوصفه ذاتا أم موضوعا ؟ بمعنى آخر،هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟
يطرح سارتر العلاقة المعرفية بين الأنا والغير في إطار فينومينولوجي (ظاهراتي) فالغير في اعتقاده هو ذلك الذي ليس هو أنا، ولست أنا هو ". وفي حالة وجود علاقة عدمية بين الأنا والغير، فإنه لا يمكنه " أن يؤثر في كينونتي بكينونته "، وفي هذه الحالة ستكون معرفة الغير غير ممكنة. لكن بمجرد الدخول في علاقة معرفية مع الغير معناه تحويله إلى موضوع (أي تشييئه) : أي أننا ننظر إليه كشيء خارج عن دواتنا ونسلب منه جميع معاني الوعي والحرية والإرادة والمسؤولية. وهذه العلاقة متبادلة بين الأنا والغير : فحين أدخل في مجال إدراك الآخر، فإن نظرته إلي تقيدني وتحد من حريتي وتلقائيتي، لأنني أنظر إلى نفسي نظرة الآخر إلي ؛ إن نظرة الغير إلي تشيئني، كما تشيئه نظرتي إليه. هكذا تبدو كينونة الغير متعالية عن مجال إدراكنا ما دامت معرفتنا للغير معرفة انطباعية حسية.
لكن ميرلوبونتي، له موقف آخر إذ يرى أن نظرة الغير لا تحولني إلى موضوع، كما لا تحوله نظرتي إلى موضوع " ؛ إلا في حالة واحدة وهي أن ينغلق كل واحد في ذاته وتأملاته الفردية. مع العلم أن هذا الحاجز يمكن تكسيره بالتواصل، فبمجرد أن تدخل الذات في التواصل مع الغير حتى تكف ذات الغير عن التعالي عن الأنا، ويزول بذلك العائق الذي يعطي للغير صورة عالم يستعصي بلوغه.

أما دولوز فيرى أن الغير ليس هو ذلك الموضوع المرئي، وليس ذلك الشخص الآخر. إن الغير بنية الحقل الإدراكي، كما أنه نظام من التفاعلات بين الأفراد كأغيار. فحين تدرك الذات شيئا ما، فإنها لا تستطيع أن تحيط به في كليته إلا من خلال الآخرين ؛ فالغير هو الذي يتمم إدراكي للأشياء، وهو الذي " يجسد [مثلا] إمكانية عالم مفزع عندما لا أكون بعد مفزوعا، وعلى العكس إمكانية عالم مطمئن عندما أكون قد أفزعت حقيقة ". إن الغير إذن بنية مطلقة تتجلى في الممكن الإدراكي وهي تعبير عن عالم ممكن، ومعرفة الغير يجب أن تكون معرفة بنيوية.
لا يمكن اختزال العلاقة مع الغير في علاقة إبستيمية /أو معرفية/ من أي نوع. إن العلاقة مع الغير يمكن أن تكون علاقة أكسيولوجية قيمية تحكمها ضوابط أخلاقية كالأنانية، والغيرية، والظلم، والتسامح ...الخ. وهذا ما يضطرنا إلى الوقوف عند نموذجين للعلاقة مع الغير هما : الصداقة والغرابة.
المحور الثالث:العلاقة مع الغير.
هل العلاقة مع الغير هي علاقة تكامل أم تنافرظ
تتنوع العلاقة مع الغير وتختلف، فهي إما أن تكون علاقة اختلاف وعداوة أو علاقة صراع...وعلى أساس هذه العلاقة الشائكة مع الغير، يمكن أن تتفرع أنواع أخرى من العلاقات، مثل علاقة الإقصاء وعلاقة القبول وعلاقة التسامح والتعاطف و..و..و...
وفي هذا السياق يرى كانط أن علاقة الصداقة هي أسمى وأنبل العلاقات الإنسانية،لأنها قائمة على الاحترام المتبادل.وأساسها الإرادة الأخلاقية الخيرة.فالصداقة باعتبارها واجبا أخلاقيا، تشترط وجود المساواة وعلاقة التكافؤ، وهي أيضا نقطة تماس بين الحب والاحترام.وهذا ما يمنح الإنسان توازنه وعدم الإفراط سواء في الاحترام أو الحب.

أما أفلاطـون فيعتبر أن علاقة الصداقة تنبثق من الحالة الوجودية الوسط التي تطبعوجود الإنسان، وهي حالة وسط بين الكمال المطلق والنقص المطلق تدفع الإنسان إلىالبحث الدائم عما يكمله في علاقته مع الآخرين... فالكمال الأقصى يجعل الإنسان فيحالة اكتفاء ذاتي لا يحتاج فيها إلى الغير، وفي حالة النقص المطلق تنعدم لديهالرغبة في طلب الكمال والخير. من هنا تقوم الصداقة كعلاقة محبة متبادلة يبحث فيهاالأنا عما يكمله في الغير، يتصف فيها كل طرف بقدر كاف من الخير أو الكمال يدفعه إلى طلب كمال أسمى، وبقدر من النقص الذي لا يحول دون طلب الكمال .
لكن أرسطـو يرى أن الصداقة كتجربة معيشية وواقعية لا تقوم على الحب بمعناه الأفلاطوني فقط, بل توجد ثلاثة أنواع من الصداقة تختلف من حيث طبيعتها وقيمتها. فالنمطان الأولان(المنفعة/المتعة) متغيران نسبيان يوجدان بوجود المنفعة والمتعة ويزولان بزوالهما , ومن ثم فهما لا يستحقان اسم الصداقة إلا مجازا. والنمط الثالث(الفضيلة) يمثلالصداقة الحقة لأنه يقوم على قيمة الخير والجمال لذاته أولا ثم للأصدقاء ثانيا. وفيإطار صداقة الفضيلة تتحقق المنفعة والمتعة ليس كغايتين بل كنتيجتين. غير أن هذاالنمط من الصداقة نادر الوجود. ولو أمكن قيامه بين الناس جميعا لما احتاجوا إلىالعدالة والقوانين .

غير أن هيجل يؤسس للعلاقة بين الذات والغير،انطلاقا من الجدل القائم على ثنائية العبد والسيد.فكل وعي في نظره يدخل حتما في علاقة معينة مع وعي آخر،يبحث من خلالها عن الاعتراف بسيادة وعيه.إلا أن هذا الاعتراف عندما يتم،بعد انتهاء الصراع بين النوعين يفقد معناه لأنه صادر عن وعي العبد.الأمر الذي يستدعي وعي السيد إلى البحث عن صراع جديد واعتراف جديد.

خلا صـة تركيبيـة:
إن التفكير في مفهوم الغيريكشف عن إشكالية فلسفية متعددة الأبعاد نظرا لطبيعة العلاقة المركبة بين الأناوالغير .
فعلى المستوى الوجودي يتحدد وجود الغير كضرورة لوجود الأنا حسـبالتصـور الجدلـي (هيجل) في مقابل التصور الذاتي الذي يتم فيه استغناء الأنا عن وجودالغير (ديكارت).
وعلى المستوى المعرفي تفتح علاقة الأنا بالغير على عدة زوايامن النظـر انعكسـت فـي الخطابات التي تتحدد فيها هذه العلاقة كعلاقة تشييئية(سارتر) أو كعلاقة مشاركة وجدانية (ميرلو بونتي) تجعلان معرفة الغير تطرح معضلات لاحل لها... وذلك في مقابل تصورات أخرى تسعى إلى تجاوز هذه الصعوبات من خلال إضفاءطابع كلي (شيلر) أو بنيوي (دولوز) على الغير .
وعلى مستوى العلاقة الأخلاقيةالوجدانية، يلاحظ أن التواصل مع الغير قد يتخذ أشكالا مختلفة كما يتجلى ذلك فيسيادة نظرة الهيمنة والإقصاء قديما في مقابل النظرة الفلسفية المعاصرة التي تحاولتأسيس هذه العلاقة على الحوار والاختلاف أو التكامل والمغايرة .





الشخص
مقدمة

يعتبر الشخص حاصل جمع السمات المميزة للفرد الذي ما هو إلا كيان سوسيو-سيكولوجي متشابه مع الآخرين.ورغم تعدد وتنوع بل وتعارض الحالاتالنفسية التي يمر منها الشخص طيلة حياته إلا أن كل واحد منا يحيل باستمرار إلى نفسه بضمير "أنا" بوصفه هوية تظل مطابقة لذاتها على الدوام. غير أن هذه الهوية التي تبدو بديهية تطرح مع ذلك أسئلة عديدة.
هل تقوم هوية الشخص على الوحدة والتطابق أم على التعدد والتغير؟
المحور الأول: الشخص والهوية.
يبدو واضحا أن تحديد هوية الشخص استنادا على المظهر الخارجي للشخص أو حتى على مجموع مميزاته سواء المتعلقة بالجنس والعمر والعمل ...ضربا من ضروب المستحيل لكون كل هذه الاعتبارات متغيرة وبالتالي غير قارة وثابة.

ولهذا السبب كانت ضرورة مقاربة هذه الهوية من خلال ما هو قار وثابت في الشخص باعتباره نظاما.
حسب لاشوليي المحدد الرئيسي للشخص هو هويته،أي تطابقه مع ذاته وبالتالي تميزه عن غيره. أما وحدته النفسية عبر جل مراحل حياته فهي الضامن لهذه الهوية،لأنهما ليستا نتاجا تلقائيا،بقدر ما أنهما نتاج لآليات ربط وهي آليات نفسية تقوم بمهمة السهر على وحدة الشخص وتطابقه.أولها وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية في مواقفها وردود فعلها تجاه الآخرين.وعلى هذا النحو يرى لاشوليي أن كل من وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية هي ضمان هويتها إلى جانب الذاكرة التي اعتبرها آلية ضرورية لربط حاضر الشخص بماضيه القريب أو البعيد.
أما ديكارت فيذهب إلى تأكيد أهمية الفكر في بناء الشخصية وفهم حقيقتها، فالفكر صفة تخص الذات الإنسانية وهي وحدها لصيقة بها. والتفكير هو الشرط الضروري للوجود .
إذن أساس هوية الشخص هو التفكير الذي يعتبر مناسبة لحضور الذات أمام نفسها وإدراكها إدراكا مباشرا لكل ما يصدر عنها من أفعال والتي تبقى رغم تعددها واحدة وثابتة .
لكن جون لوك يعطي تعريفا للشخص باعتباره ذلك الكائن المفكر والعاقل القادر على التعقل والتأمل حيثما كان وأنى كان ومهما تغيرت الظروف، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمر دون حدوث أي تغير في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هو هو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكرأفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر .
إن مفهوم الشخص حسب جون لوك يتخذ عنده بعدا أخلاقيا /قانونيا، فالشخص الذي يتحدث عنه لوك هو ذاك الكائن المفكر الذي يعقل ذاته وأفعاله مهما تغيرت الظروف وتوالت الأزمان، وبالتالي يكون عن طريق الوعي مسؤولا مسؤولية قانونية عن كل ما يصدر عنه من أفعال. من هنا فأساس هوية الشخص حسب جون لوك هو الشعور الذي يجعل الإنسان يدرك ذاته ويبني معرفته بذاته على نحو دائم فيصبح الشخص إثرها هو هو رغم ما يلحقه من تغير . والذاكرة التي هي امتداد للشعور عبر.

المحور الثاني:الشخص بوصفه قيمة.
لا يختلف اثنان عن أن الإنسان كائن مميز بين كل الكائنات الأخرى ،فهو الكائن الأكثر جدلا كما جاء في القرآن الكريم(ولقد صرفنا في هذا الكتاب من كل شيء وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) وميزته تكمن في مدى بعده القيمي الذي حظي به. لكن أين تكمن قيمته؟هل تكمن في كونه غاية أم أنه لا يعدو يكون مجرد وسيلة؟
في هذا الصدد يختزل مونييه تصوره للشخص ككيان يتميز بالإرادة والوعي والتجاوز بخلاف الأشياء الخارجية أو الموضوعات التي هي كائنات متطابقة كليا مع ذاتها.وهو يكتسب باستمرار سمات شخصيته ويغنيها عبر عملية التشخصن.فالشخص ليس معطى نهائيا ناجزا بل هو عملية اكتساب ومراكمة مستمرة لسماته الخاصة.
يذهب كانط إلى تأكيد أهمية الشخص كذات لعقل أخلاقي عملي، يعامل الآخرين لا كوسائل يحقق من ورائها أغراضه الخاصة، وإنما كغايات بذاتها. فالإنسان يتميز داخل نظام الطبيعة عن باقي الكائنات الأخرى بامتلاكه لملكة الفهم، وقد استطاع أن يرسم لذاته غايات وأهدافا مشروطة بنداء الواجب الأخلاقي .فيمكنه أن يتخذ من الأشياء وسائل يستخدمها لتحقيق أغراضه لكن ليس من حقه أن يعامل الأشخاص كوسائل ذاتية نفعية، لأن الإنسان أوالذات البشرية هي غاية في ذاتها وليست وسيلة لتحقيق أغراض الآخرين، وهذا ما يمنحه قيمة داخلية مطلقة ويكسبه احتراما لذاته ويمتلك بذلك كرامته الإنسانية .
أما هيجل فيكشف عن القيمة الأخلاقية للشخص التي لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل حياة المجموع، فكل شخص حسب هيجل وانطلاقا من المكانة التي يحتله اداخل الجماعة التي ينتمي إليها عليه الالتزام بواجباته والقيام بدوره والمهام التي أسندت له ... إنها دعوة للانفتاح على الواقع والآخرين من خلال علاقة جدلية أساسها التأثير والتأثر ومعيارها يكمن في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عن كل شخص امتثالا للواجب الأخلاقي .
فالشخص يكتسب قيمته الأخلاقية حسب هيجل عندما يعي ذاته وحريته وينفتح على الواقع الذي ينتمي إليه بالدخول مع الجماعة في علاقة تعاون متبادلة امتثالا للواجب.

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية.
إذا كانت قيمة الشخص تكمن في بعده العملي الأخلاقي أكثر من أي شيء آخر، فهل يعتبر الشخص كيانا حرا مستقلا عن أي إلزام أو إكراه، أم أنه خاضع لضرورات وحتميات لا سبيل لديه للانفلات من رقابتها؟
يرى ديدرو أن الشخص لا يملك الحرية،وأن هذه الأخيرة لا معنى لها لأن الموجه الفعلي لأعمالنا هي الأسباب الفيزيائية الخارجة عن ذواتنا التي ترغمنا للضرورة وليست الحرية.وعلى هذا النحو تكون أفعالنا نتاجا لعاداتنا الأمر الذي يجعلنا نخلط بين الإرادة والحرية.فليست الحرية ما يميز بين الناس،بل إن ما يميز بينهم هو الإحسان أو الإساءة،وهما طبعان لا يمكن تغييرهما لدى الإنسان.
ويذهب سبينوزا إلى اعتبار أن ما يميز الشخص عن باقي الكائنات الأخرى،هو سعيه للحفاظ على بقائه واستمراره،وهو سعي يتأسس على الإرادة الحرة.وليست الحرية هنا بمعنى الجواز،بل إنها تقترن بالفضيلة والكمال،وليس بالعجز أو الضعف،وفق ما تقتضيه قوانين الطبيعة الإنسانية من قدرة على استخدام العقل للتمييز بين الخير والشر،وتفضيل الأول على الثاني.
أما سارتر فينطلق من تقرير أن ماهية الإنسان لا تتحدد قبل وجوده، بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع بنفسه ما يشاء، فالإنسان في نظره مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل ينفتح على العالم وعلى الآخرين .فان ذل هذا فإنما يذل عن مدى قدرته على موضعة ذاته في المستقبل.
فماهية الإنسان لاتتحدد حسب سارتر إلا من خلال وجوده وحياته وأفعاله واختياراته وعلاقاته، يوجد أولا ويلاقي ذاته وهو غير حامل لأية صفات أو ماهية قبلية. إنه شخص حر ومسؤول عن أفعاله واختياراته، فهو حر حرية مطلقة غير مقيدة بموانع وإكراهات .

خاتمة:
وكتخريج عام يلاحظ أن التصورات الحديثة ركزت على اعتبار الشخص ذاتا مستقلة،ومتميزة،ينظر إليها كغاية في ذاتها وكحرية،وليس كبضاعة أو وسيلة وذلك في مقابل التصورات التشييئية للشخص التي كانت انعكاسا لمخلفات الرأسمالية الامبريالية .

وكتخريج عام يلاحظ أن التصورات الحديثة ركزت على اعتبار الشخص ذاتا مستقلة،ومتميزة،ينظر إليها كغاية في ذاتها وكحرية،وليس كبضاعة أو وسيلة وذلك في مقابل التصورات التشييئية للشخص التي كانت انعكاسا لمخلفات الرأسمالية الامبريالية .
منهجية الكتابة في مادةالفلسفة
إن منهجية الكتابة في مادة الفلسفة تتجسد عمليا في مجموع الخطوات العامة التي تهيكل الموضوع، وتشكل العمود الفقري لوحدته وتماسكه. وبما أن الأسئلة تتنوع في السنة النهائية إلى أشكال ثلاثة :
  • النص الموضوع
  • القولة-السؤال
  • السؤال المفتوح
فسنحاول فيما يلي إعطاء تصور عام حول كل طريقة على حدة :
* منهجية مقاربة النص
يجب اعتبار النص المادة التي سينصب عليها التفكير، لذا تجب قراءته قراءة متأنية للتمكن من وضعه (النص) في سياق موضوعات المقرر؛ وبالتالي اكتشاف أطروحة المؤلف وموقعتها داخل الإشكاليات المثارة حول قضية أو إشكاية أو مفهوم... ويجدر بنا أن نشير، في هذا المقام، إلى أن منهجية المقاربة يحددها السؤال المذيل للنص، علما بأن النصوص عادة ما تطرح في السنة النهائية للتحليل والمناقشة بالنسبة لجميع الشعب. وعليه، نرى أن منهجية مقاربة النص لا تخرج من حيث الشكل على أية كتابة إنشائية (مقدمة ـ عرض ـ خاتمة)، إلا أن لمقاربة النص الفلسفي خصوصيات تحددها طبيعة مادة الفلسفة نفسها. وسنعمل في التالي على بسط هذه منهجية هذه المقاربة على ضوء تلك الخصوصيات.
1) طبيعة المقدمة :
إن المقدمة تعتبر مدخلا للموضوع، لذا يجب أن تخلو من كل إجابة صريحة عن المطلوب، حيث يفترض ألا توحي بمضامين العرض، لأنها بهذا الشكل تمنع من استكشاف ما هو آت، وخصوصا لأن المقدمة ستكتسي شكل إجابة متسرعة.
كما أن المقدمة تعبير صريح عن قدرات وكفايات عقلية، يمكن حصرها في الفهم (الأمر يتعلق هنا بفهم النص وفهم السؤال)، وبناء الإشكالية. وعليه، يجب أن تشتمل (=المقدمة) على ثلاث لحظات أساسية يتم فيها الانتقال من العام إلى الخاص : أي من لحظة تقديم عام هدفه محاصرة الإشكالية ( cerner la problématique ) التي يتموقع داخل النص، تليها لحظة التأطير الإشكالي للنص، وبالتالي موقعته (=النص) داخل الإطار الإشكالي الذي يتحدد داخله، ثم الانتهاء بلحظة ثالثة تتمثل في طرح الإشكالية من خلال تساؤلات يمكن اعتبارها تلميحا للخطوات التوجيهية التي ستقود العرض.
علما بأن طرح الإشكالية ليس مجرد صيغة تساؤلية، وإنما هو طرح للتساؤلات الضرورية والمناسبة، والتي يمكن اعتبار الكتابة اللاحقة إجابة عنها. هكذا يمكن الاقتصار (أحيانا) على تساؤلين أساسيين : تساؤل تحليلي(يوجه التحليل)، وتساؤل نقدي تقويمي (يوجه المناقشة)، علما بأن هناك أسئلة أخرى يمكن اعتبارها ضمنية نهتدي بها داخل فترات من العرض، حفاظا على الطابع الإشكالي للمقدمة.
إن المقدمة – إذن - ليست استباقا للتحليل، ذلك ما يحتم الحفاظ على طابعها الإشكالي، ومن خلال ذلك الحفاظ على خصوصية مرحلة التحليل التي يفترض أن تكون لحظة تأمل في النص، من أجل الوقوف على الطرح المعروض داخله وإبراز خصوصياته ومكوناته.
2) طبيعة العرض :
يمكن اعتبار العرض إجابة مباشرة على الإشكالية، ومن ثمة فإن العرض يتضمن لحظتين كتابيتين أساسيتين، هما لحظتا التحليل والمناقشة.
2-1 لحظة التحليل :
إن هذه المرحلة من المقاربة عبارة عن قراءة للنص من الداخل لاستكشاف مضامينه وخباياه، وبالتالي تفكيك بنيته المنطقية وتماسكه الداخليين، كأننا نحاول أن نتأمل عقلية المؤلف لفهم الأسباب التي جعلته يتبنى الطرح الذي تبناه، ويفكر بالطريقة التي فكر بها. ومن ثمة، لابد من توجيه التحليل بالأسئلة الضمنية التالية: ماذا يصنع المؤلف في هذا النص، أو ماذا يقول؟ كيف توصل إلى ذلك؟ ما هي الحجاج التي وظفها للتوصل إلى ما توصل إليه؟
فالسؤال الضمني الأول يحتم إبراز الموقف النهائي للمؤلف من الإشكالية التي عالجه و/أو إبراز طبيعة أهمية الإشكالية التي أثارها... والسؤال الضمني الثاني يدفع إلى التدرج الفكري مع المؤلف، والسير معه في أهم اللحظات الفكرية التي وجهت تفكيره. أما السؤال الضمني الأخير هو سؤال يستهدف الوقوف عند البنية الحجاجية التي تبناها المؤلف، وبالتالي الوقوف عند الحجاج الضمنية والصريحة التي وظفها لدعم أطروحته، وتحديد خصوصيتها، وطبيعتها...
فالتحليل – إذن - هو لحظة تأمل في المضامين الفكرية للنص وهو في الآن ذاته لحظة الكشف عن المنطق الذي من خلاله بنى المؤلف تصوره.
2ـ2 لحظة المناقشة :
إن المناقشة لحظة فكرية تمكن من توظيف المكتسب المعرفي، بشكل يتلاءم مع الموضوع وبطريقة مناسبة...
يجب التأكيد، في هذا المقام، على أن المعلومات المكتسبة تؤدي دورا وظيفيا ومن ثم يجب تفادي السرد والإستظهار... وبعبارة أخرى، علينا أن نستغل المعلومات الضرورية بالشكل المناسب، بحيث يصبح مضمون النص هو الذي يتحكم في المعارف وليس العكس. هكذا سنتمكن من اعتبار المناقشة شكلا من أشكال القراءة النقدية لأطروحة النص، التي تكتسي غالبا صورة نقد داخلي و/أو خارجي تتم فيه مقارنة التصور الذي يتبناه النص بأطروحات تؤيده وأخرى تعارضه، وذلك من خلال توظيف سجالي نحرص من خلاله على أن نبرز مواطن التأييد أو المعارضة.
3) طبيعة الخاتمة :
يجب أن تكون الخاتمة استنتاجا تركيبا مستلهما من العرض، أي استنتاجا يمكن من إبداء رأي شخصي من موقف المؤلف مبرر(إن اقتضى الحال) دون إسهاب أو تطويل. فمن الأهداف الأساسية التي يتوخاها تعلم الفلسفة تعلم النقد والإيمان بالاختلاف.
منهجية مقاربة السؤال المفتوح
  • إن التوجيهات الصادرة في هذا الشأن، ا تؤكد على تصور منهجي مضبوط لمقاربة السؤال المفتوح، وهذا أمر يفسح المجال لكثير من التضاربات والتأويلات. ونعتقد أن طريقة السؤال المفتوح هي - بالعكس - من الطرق، الأكثر استعمالا لتقييم التلاميذ مقارنة مع طريقة القولة-السؤال. حيث أن الملاحظة الموضوعية تبين أن المواضيع المقترحة – في فرنسا نموذجا – تكاد تنحصر في نوعين : السؤال المفتوح ومقاربة النص. وحتى تكون منهجية مقاربة السؤال المفتوح، في المتناول سنصحب الخطوات النظرية بنموذج، الهدف منه الاقتراب من الكيفية التي يمكن من خلالها فهم الجانب النظري. من أجل ذلك، نقترح السؤال التالي : " هل يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية ؟ "
يمكن أن نلاحظ أن هذا السؤال قابل لكي نجيب عليه بالنفي أو الإيجاب أو برأي ثالث يتأرجح بينهما...إلخ. صحيح أن الفلسفة تفكير نقدي، إلا أنها، في ذات الوقت، تفكير عقلي منطقي ينبني على المساءلة، والفهم، والتفكير، قبل إصدار الأحكام. وحتى لا يظهر موضوعنا في صورة الأحكام القبلية والجاهزة ؛ لا بد من أن يكتسي صيغة إنشاء، أي بناء فكري متدرج ينطلق من الفهم إلى النقد، مستثمرين الأطروحات الفكرية والفلسفية التي نعرفها.
لنتفحص السؤال المطروح أولا :
يلاحظ ، أننا إذا أزلنا الطابع الاستفهامي للسؤال ( هل] يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية [؟ )، نحصل على العبارة التالية : " يمكن اعتبار الشخصية حتمية اجتماعية ". الأمر الذي يستدعي منا، أولا، توضيح ما معنى أن تكون الشخصية حتمية اجتماعية؟ ! قبل أن ننطلق في مناقشة " هل يمكن اعتبارها حتمية اجتماعية ؟ ". ونعتقد أن تسجيل هذه الملاحظة الأولية سيساعدنا على تمثل الخطوات المنهجية اللاحقة.
1) طبيعة المقدمة
لا يجب، أبدا، أن ننسى أن هدف المقدمة في الفلسفة، هو أن نحول الموضوع، المطروح علينا، إلى قضية إشكالية. وعليه، لابد أن يتحول السؤال ذاته، إلى إشكالية. وذلك بتأطيره، أولا، داخل الموضوعة العامة، ثم داخل الإشكالية الخاصة. كما هو الشأن بالنسبة للنص، أو القولة. لكي تنتهي مقدمتنا، بالتساؤلات الضرورية، المستلهمة من السؤال المطروح علينا ذاته. وحتى يكون كلامنا إجرائيا نعود إلى " سؤالنا ".
للتأطير الإشكالي، للسؤال المقترح، يمكن أن يتخذ تقديمنا العام، صيغا متنوعة. كأن نستغل – مثلا - التنوع الدلالي لمفهوم الشخصية، أو نستغل طبيعة الفلسفة وما تتسم به من خصوصية في دراستها للقضايا المتميزة بطابعها الإشكالي، لنخلص بعد ذلك إلى التأطير الإشكالي للسؤال، بإظهار أن هذا السؤال يحتم علينا مقاربة مفهوم الشخصية خصوصا من حيث إشكالية الشخصية وأنظمة بنائها. لننتهي إلى طرح الإشكالية من خلال صيغة تساؤلية كالآتي : ما معنى أن تكون الشخصية حتمية اجتماعية؟ وإلى أي حد يمكن اعتبارها (أي الشخصية) منتوجا حتميا لمعطيات اجتماعية موضوعية ؟ فلا يجب أن ننسى أن المهم في بناء الإشكالية، ليس هو وضع التساؤلات لذاتها، ولا عددها ؛ وإنما التعبير عن التساؤلات التي سنجيب عنها، والتي لن تؤدي الإجابة عنها إلى الخروج عن الموضوع.
2) طبيعة العرض
ينقسم العرض إلى مرحلتين، وبالتالي لحظتين فكريتين متكاملتين :
مرحلة فهم القضية المطروحة علينا لتقييمها، ويجب في ذلك أن نستغل مكتسبنا المعرفي والأطروحات التي درست. حيث يجب أن تنم كتابتنا عن تأطير فكري للقضية التي سنناقشها. ومن أجل ذلك، يجب أن تبتعد كتابتنا عن العموميات و"الكلام المبتذل" الذي يمكن أن نجده عند "أي كان". إلا أنه، في ذات الوقت يجب أن نتحاشى الطابع السردي، الذي لا ينم إلا عن الحفظ والاستظهار. فنعمل، بالتالي، عن الاستثمار الوظيفي الجيد للمدروس (في الفصل أو خارجه).
وبالنسبة " لسؤالنا " يتعلق الأمر هنا بإظهار تميز الخطاب السوسيوثقافي في التأكيد على الحتمية الاجتماعية للشخصية وأهمية التنشئة الاجتماعية في بنائها (توظيف نماذج من الأطروحات السوسيوثقافية)، مع الحرص على إبراز اقتراب بعض التصورات السيكولوجية من هذا التمثل. حيث، أن المدرسة السلوكية – مثلا – تنفي دور الاستعدادات الفطرية، والمؤهلات الفردية، في بناء الشخصية. كما تتميز المدرسة اللاشعورية، بتنويع مكونات الشخصية، إلى جانب فطري (الهو) وآخر ثقافي (الأنا والأنا الأعلى) والتأكيد على توجيه الجانب الثقافي للفطري. مما يؤكد التفاف العلوم الإنسانية (باستثناء المدرسة الشعورية) حول حتمية الشخصية. ويمكن الإشارة إلى وجود أطروحات فلسفية – قريبة من العلوم الإنسانية - تؤكد على الحتمية الاجتماعية للإنسان (الماركسية مثلا).
ليتم بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة البحث عن الأطروحات النقيض، وبالتالي، الاستغلال الوظيفي الجيد للأطروحات، التي ترى رأيا مناقضا لما تم طرحه سابقا بعيدا - كذلك - عن الحشو والسرد والاستظهار...
ويتعلق الأمر بالنسبة " لسؤالنا " بالأطروحات الفكرية التي تتمثل الشخصية، وبالتالي الإنسان، بعيدا عن الإكاراهات الاجتماعية المباشرة، أو النفسية، الناجمة عن تلك الإكراهات. ويتعلق الأمر - في هذا الصدد - بالخطاب الفلسفي الذي يربط الشخصية بالوعي (كانط وديكارت مثلا)، والخطاب الفلسفي، الذي ينفي عن الإنسان، كل ثبات، فيرى الشخصية في تجدد أصيل، وفي ديمومة (برغسون). أو يرى أن ليس للإنسان ماهية ثابتة، لأن "الإنسان يوجد أولا، ثم يحدد ماهيته بعد ذلك" معبرا عن إرادته وحريته (سارتر).
3) طبيعة الخاتمة
ما ننفك، نؤكد على أن الخاتمة، لابد أن تتوزع إلى استنتاج، ورأي شخصي. فالاستنتاج يجب أن يكون دائما مستلهما من العرض فيعتبر، بالتالي، حصيلة، وملاحظة موضوعية للتنوع الفكري الذي يشوب النظرة إلى القضايا ذات الطبيعة الفلسفية. الأمر الذي يعطي لنا، كذلك، الفرصة لندلي بدلونا في الأمر، ونعطي رأيا في الموضوع. إلا أن هذا الرأي، لابد أن يكون مبررا باقتضاب، فنوظف - من أجل ذلك - ما نعرفه من أطروحات. وفي كل الأحوال يجب أن نتحاشى الآراء الفضفاضة من قبيل "الأجدر أن نتبنى ما ذهب إليه الخطاب الفلسفي." أو "وفي هذا الموضوع يستحسن أن نتفق مع الخطاب السوسيوثقافي." ...إلخ، لأن هذا، كما يلاحظ، كلام يحتاج إلى بعض التوضيح.
منهجية مقاربة القولة

من الطرق التي تم اختيارها - إذن - لمساءلة المترشحين، لاجتياز امتحان الباكلوريا في مادة الفلسفة، طريقة القولة-السؤال. وفي هذا الإطار، وجب التنبيه إلى بعض الصعوبات، التي يمكن أن نجدها في مقاربة القولة، والتي يمكن أن نحصر أهمها فيما يلي :
  • تعودنا على طريقة مقاربة النص طيلة الدورة الأولى، مما يؤدي إلى تعميم هذه المقاربة على القولة lacitation.
  • حجم القولة (الصغير) الذي لا يساعدنا كثيراعلى إدراك مضمون القولة بسرعة.
  • فهم السؤال المذيل للقولة، وبالتالي موقعته بشكل من الأشكال داخل المكتسب المعرفي السابق.
ولتخطي هذه الصعوبات، وغيرها، لابد أن ندرك، أولا وقبل أي شيء، أن السؤال المذيل للقولة سؤال يتألف من مطلبين : مطلب يفترض فيه، أن يدفع بنا نحو الكشف عن الأطروحة المتضمنة في القولة، وبالتالي استخراجها. ثم مطلب يدفع بنا نحو مناقشة القولة، وبالتالي تقييم الأطروحة المفترض أن تتضمنها القولة. وسنحاول، فيما يلي، تقديم تصور نظري حول الخطوات المنهجية المتوقعة من مقاربة القولة.
1. طبيعة المقدمة
إن من خصوصيات الفلسفة، أنها لاتدرس إلا القضايا ذات الطبيعة الإشكالية. ومن ثمة، لا بد أن نعمل - في مستوى المقدمة - على تحويل القولة إلى قضية إشكالية. وذلك ما يجعل طريقة التقديم، في مقاربة القولة، قريبة من طريقة التقديم في مقاربة النص. ويستحسن، في صياغة الإشكالية، أن تتنوع الأسئلة إلى نوعين أسئلة ذات طبيعة ماهوية، وأسئلة ذات طبيعة نقدية تقويمية. بما أن المطلوب منا، أولا، هو استخراج أطروحة القولة، فالسؤال الماهوي، يتيح إمكانية التعمق في القولة و"الغوص" داخلها، بدل أن نحوم حولها. أما الأسئلة ذات الطبيعة النقدية، فهي توفر مناسبة للابتعاد النسبي عن القولة، وبالتالي إبراز قيمتها الفلسفية والفكرية على ضوء معطيات قبلية، وبالتالي أطروحات اكتسبناها سابقا.
2. طبيعة العرض
يتنوع العرض إلى لحظتين فكريتين مسترسلتين : لحظة القراءة ولحظة التقييم (أو النقد).
1.2 لحظة القراءة :
وهي لحظة مكاشفة القولة، وبالتالي اللحظة الفكرية التي يجب أن نلزم فيها القولة على التفتق للبوح بأطروحتها أو الخطاب الذي تحمله، أو التصور الذي تعرضه .. أو هذه الأمور كلها مجتمعة. وهذه القراءة تتنوع بدورها إلى قراءتين : سنصطلح على تسميتهما تباعا بالمقاربة المفاهيمية، و المقاربة الفكرية. ثم تليهما مباشرة لحظة الاعلان عن الأطروحة المتضمنة في القولة.
1.1.2 المقاربة المفاهيمية :
وهي لحظة وقوف عند المفاهيم الأساسية، للقولة التي يمكن اعتبارها مفاتيح ضرورية للكشف عن أطروحة القولة. إلا أنه يجب الحرص على أن تبتعد القراءة في المفاهيم، عن الشرح اللغوي والخطاب العمومي المبتذل، وأن تحاول الرقي إلى مستوى التنظير الفلسفي. خصوصا وأن المفترض، أنه يتم التعود على هذه المقاربة، أثناء توظيف النصوص داخل الفصل. علاوة على أن هذه مقاربة، يجب أن نتعود عليها في السنة الثانية أدب، على اعتبار أن أحد الأسئلة المذيلة لنصوص الاختبار، قد يحتم علينا ذلك. (بدل شرح "عبارة"، يمكن أن يطلب من تلاميذ السنة الثانية شرح مفهوم أو مفاهيم من النص...)
2.1.2 المقاربة الفكرية :
وهي اللحظة الفكرية، التي يجب أن نحول فيها القولة، إلى "مقولات" فكرية وبالتالي "أطر" نستطيع أن نوسعها فكريا وفلسفيا، حتى نجعلها تأخذ طابع الخصوصية. وبذلك نحول خطاب القولة "المقضب" إلى خطاب رحب، باعتباره، يحمل في مكنوناته أبعادا فكرية، وفلسفية، لايستطيع أن يكتشفها إلا من كلف نفسه عناء التأمل، والتفكر، والتدبر.
بعد ذلك، نستطيع الكشف عن أطروحة القولة، في صورة استنتاج، يظهر أن هذه اللحظة كانت ثمرة للمجهود الفكري الذي قمنا به أثناء القراءة السابقة.
2.2 لحظة التقييم
بما أننا - الآن - نعرف الأطروحة التي كانت القولة تخفيها في طياتها ؛ فإن ما يتوجب القيام به مباشرة - بعد ذلك - هو الانفتاح على المكتسب المعرفي السابق، وبالتالي البحث عن الأطروحات التي تسير في توجه القولة. ونحن نعتبر أن هذه المرحلة ليست تقييما، أو نقدا مطلقا، لأن في ذلك نوع من الإتمام للمرحلة السابقة. فالأطروحات التي سنأتي بها كنماذج، لا تأتي لتزكي طرح القولة فحسب، وإنما لتزكي كذلك القراءة التي قمنا بها، وتبين لماذا حددنا أطروحة القولة في موقف دون آخر، أو لماذا تندرج في خطاب فكري معين دون الخطابات الأخرى ...إلخ
لتأتي بعد ذلك لحظة التقييم الحاسم، والتي تتجلى في البحث عن النقيض، واالمعارض (l'antithèse ) في المكتسب المعرفي، واستثماره، بشكل يظهر بأن الموقف الذي تتبناه القولة ليس بالموقف النهائي.
3) طبيعة الخاتمة
كثيرا ما يتم الاستخفاف بالخاتمة ونحن نعتبرها لحظة حاسمة من لحظات الموضوع . فهي لحظة تفكر فيما سبق ولحظة تعبير عن الذات. لذا نعتبر الخاتمةاستنتاجا منبثقا من اللحظات الفكرية السابقة، وبالتالي تعبير عن رأينا الشخصي من موقف القولة. رأي ينطلق من الحق الأسمى (الذي لا يتناقض مع روح الفلسفة) الذي نملكه، في أن نكون مع، أو ضد، أي خطاب أو تصور إلا أن ذلك لايجب أن يكون بطرقة جزافية مفتعلة ولا بطريقة مسهبة.
منهجية مقاربة القولة في جدول
الخطوات العامة
المراحل المنهجية
أهم المهارات العقلية
المقدمة
تقديم عام
تأطير إشكالي للقولة
طرح الإشكالية:
تساؤل يدفع نحو اكتشاف الأطروحة المتضمنة في القولة
تساؤل يدفع نحو تقييم أطروحة القولة
الــفهم
طرح الإشكالية
العرض
مرحلتان فكريتان أساسيتان :
1) قراءة القولة
أ) المقاربة المفاهيمية
وتتلخص في الوقوف عند أهم المفاهيم
الموجودة في القولة.
ب) المقاربة الفكرية
وتتلخص في الوقوف عند المضمون
الفكري للقولة
ج) لحظة استنتاج الأطروحة

2) تقييم (مناقشة) الأطروحة
أ) لحظة الانفتاح على الأطروحات التي
تسير في توجه القولة.
ب) لحظة مقابلة الأطروحة بالأطروحات
النقيض
القدرة على القراءة
القدرة على الـتأويل
القدرة على الشرح الفلسفي
المقارنة
المقابلة
التقييم
السجال
الــنقد
الخاتمة
استنتاج ورأي شخصي
الاسنتاج
الــنقد










آخر مواضيعي

0 ارجوا المساعدة
0 للتلاميد الباكلوريا
0 ىىىى
0 ارجوكم ادخلوووووووووووووووووووووو
0 منهجية المقارنة في مادة الاجتماعيات
0 ارجوكم اطلب مساعدة
0 philosophie 2 bac
0 للتلاميد الباكلورياالمغربية
0 منهجية كتابة نص فلسفي
0 اللص و الكلاب ضروري الدخول


zatona
:: عضو موقوف ::

تاريخ التسجيل: 3 - 5 - 2009
المشاركات: 2

zatona غير متواجد حالياً

نشاط [ zatona ]
معدل تقييم المستوى: 0
افتراضي
قديم 10-05-2009, 17:15 المشاركة 2   

Merci beucoup mon frere ca ces minyione


miyamari
:: دفاتري جديد ::

تاريخ التسجيل: 2 - 5 - 2009
المشاركات: 5

miyamari غير متواجد حالياً

نشاط [ miyamari ]
معدل تقييم المستوى: 0
افتراضي
قديم 12-05-2009, 11:16 المشاركة 3   

جزاك الله الف خير شكرا


super-prince
:: دفاتري جديد ::
الصورة الرمزية super-prince

تاريخ التسجيل: 16 - 4 - 2009
المشاركات: 45

super-prince غير متواجد حالياً

نشاط [ super-prince ]
معدل تقييم المستوى: 0
افتراضي
قديم 12-05-2009, 16:36 المشاركة 4   

جزاك الله الف خير شكرا اخي


abouyasser
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية abouyasser

تاريخ التسجيل: 12 - 8 - 2007
السكن: مراكش
المشاركات: 423

abouyasser غير متواجد حالياً

نشاط [ abouyasser ]
معدل تقييم المستوى: 247
افتراضي
قديم 13-05-2009, 12:18 المشاركة 5   

بارك الله فيك اخي الكريم

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
bac, philosophie

« 6 أيام و عقلي لا زال مشتتا | أطروحات فلسفية مركزة ل2 باك »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
La philosophie au 20ème siècle-Jean Lacoste Soussi كتب إلكترونية 2 06-07-2009 13:11
Eléments de philosophie-Alain Soussi كتب إلكترونية 0 04-07-2009 18:05
Les principes de la philosophie:Spinoza arkoun كتب إلكترونية 4 03-07-2009 12:14
Une belle leçon de philosophie abouwalid 1 مواضيع بالفرنسية 4 12-05-2009 17:41


الساعة الآن 15:27


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة