خلفت السنوات التي أعقبت الاستقلال المزيد من التهميش والإقصاء لمنطقة الريف التي أدرجها الاستعمار ضمن مناطق المغرب غير النافع، حيث إن كثيرا من السياسات الرسمية في المنطقة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي اثتبتت عجزها أو أعطت نتائج محدودة لم ترق لحجم انتظارات وآمال الساكنة .
فمنذ الثمانينات إلى التسعينات برمجت الدولة عددا من مخططات "الإنعاش"التنموي، واستفادت من مساعدات مالية مهمة من الاتحاد الاوروبي بغية تأهيل المنطقة اقتصاديا واجتماعيا، كما تم لهذه الغاية إحداث وكالة خاصة لإنعاش وتنمية الأقاليم الشمالية.
في السنوات القليلة الماضية بدا أن المجتمع المدني العامل في مجال التنمية المحلية اكثر تحمسا واندفاعا لخدمة قضايا التنمية بالمنطقة باشهار كثير من الأهداف الرامية بالخصوص إلى الاستجابة للحاجات ذات الاولوية للساكنة خاصة في مجال البنية التحتية الأساسية كالمدارس والمراكز الصحية ..الخ كما توسعت اهتمامات الجمعيات لتشمل الأبعاد البيئية والتربية غير النظامية وتأهيل المرأة، فضلا عن برامج وأنشطة لمحاربة الفقر و إنشاء وتدعيم التعاونيات الفلاحية ...الخ
إن هذا التطور الكمي من جهة، وكثافة الأهداف المعبر عنها، و ميادين التدخل من جهة أخرى، مسألة تثير الكثير من الإشكالات الذاتية والموضوعية المتعلقة بتقييم نجاحات الجمعيات العاملة في مجال التنمية المحلية بالريف
- ارتهان التمويل بالخارج :
يتسم التمويل الذاتي أو الداخلي لمختلف أنشطة أو برامج الجمعيات بالضعف الواضح، وهو عموما عبارة إما عن انخراطات أو مساهمات الأعضاء أو هبات المحسنين (ضعيفة أو غير منتظمة)،أو مساهمات السكان ( أعمال الربط بالإنارة العمومية أو المياه الصالحة للشرب أو شبكة التطهير ، أو تهيئة المسالك والطرق...). في حين لاترقى مساهمات مؤسسات الدولة أو الجماعات المحلية إلى المستوى المطلوب وفي أحيان عديدة تكون منعدمة أو رمزية ( تقديم عقار، تجهيزات مستعملة، إعانات مالية متواضعة...) . بينما يشكل التمويل الخارجي المورد الاول و الاساسي و تقوم الجمعيات بابرام عقود شراكة مع جهات مانحة متعددة قد تكون منضمات غير حكومية أو مؤسسات رسمية تتعهد بتوفير الأرصدة أو تقديم الإعانات المالية.
إن نوعية هذا التمويل بقدر ما هو عنصر إيجابي في العملية التنموية المحلية فانه في ذات الوقت من العناصر التي ترهن عمل الجمعيات سواء من حيث استقلاليتها وإمكانية استمرارها بعد انتهاء هذه التمويلات .
- ضعف القدرات اللوجستيكية والبشرية :
تشتكي أغلب الجمعيات بالريف من انعدام مقرات لاحتضان أنشطتها وعدم قدرتها على توضيف عمال دائمين، كما لا تتوفر وسائل للتنقل للاشراف وتتبع المشاريع المنجزة،فضلا عن وسائل التواصل الاخرى( الهاتف، الفاكس، اجهزة الحاسوب ...) .
- ثقافة جمعوية هشة :
الجمعيات العاملة في مجال التنمية المحلية بالريف كغيرها من الجمعيات الأخرى تتأثر بنفس الشروط ونفس محيط الاشتغال، وان كانت في الواقع الاكثر حاجة لتكريس الأسس العامة للعمل الجمعوي، وديمقراطية وشفافية اكثر في تدبيرها و علاقة القائمين عليها فيما بينهم أو في علاقتهم بشركائهم ... كما ان عوامل اخرى من قبيل تحكم الاعتبارات السياسية و الانتخابية في عمل الجمعيات من السمات المميزة لـ"الثقافة الجمعوية" بالريف، اذ يتم التمهيد لكثير من الحملات الانتخابية السابقة لاوانها بتأسيس جمعيات تابعة او التحكم فيها بتوجيه انشطتها أو مشاريعها وفقا لرغبات شخصية أو انتخابية ضيقة ... كما يعد ضعف التكوين وكفاءة الاعضاء من العوامل التي تقلص الى كبير من القدرة على انجاز المهام و التمتع بالاستقلالية . الواقع أن الانخراط في الفعل الجمعوي الموجه لخدمة قضايا التنمية المحلية تواجهه قوى مضادة تعاكس ارادة التنمية، فرغم التحولات الادارية والاجتماعية والتعديلات التي طرأت على القانون المنظم لعمل الجمعيات، فان الجمعيات التنموية عليها من جهة مواجهة العراقيل الادارية و الاكراهات القانونية، ومن جهة أخرى تغيير عقليات المجتمع وصعوبات اشراكه في عملية التنمية .