ما بعد حرب غزة... مواجهة (حماس) القادمة - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

الصورة الرمزية ابن الاسلام
ابن الاسلام
:: تربوي ذهبي
ناصر القضايا العادلة ::
تاريخ التسجيل: 11 - 9 - 2008
المشاركات: 3,085
معدل تقييم المستوى: 500
ابن الاسلام على طريق التميزابن الاسلام على طريق التميز
ابن الاسلام غير متواجد حالياً
نشاط [ ابن الاسلام ]
قوة السمعة:500
قديم 14-01-2009, 07:49 المشاركة 1   
افتراضي ما بعد حرب غزة... مواجهة (حماس) القادمة

ما بعد حرب غزة... مواجهة (حماس) القادمة
[ 14/01/2009 - 08:18 ص ]
حمزة عمر
المصدر : المركز الفلسطيني للاعلام
حرب غزة أكبر من أن تتداعى على مواجهة واحدة تتلوها، تماماً كما هي أكبر فيما انطوت عليه من قوانين وسنن ودروس وعبر، ولن يحيط بذلك كله جهد فرد واحد ولو أودعه سفراً ضخماً، كما لن تحيط بها جهود مبعثرة ومتفرقة وغير مركزة، ولذلك فإن الحديث في مسألة ما لا يعني الحصر، ولا يعني الإغفال لغيرها حتماً، ولا يعني أنها مقدمة في ترتيب الأوليات على غيرها كذلك، وعلى قدر ما يظهر لنا من ضخامة النتائج والتجليات والتداعيات يطلب منا الجهد الذي ينسجم مع ذلك الحجم ويستنفذ طاقته ووسعه في سبيل القيام بالمهمة، ويبرأ إلى الله ودماء الأبرياء وتضحيات المجاهدين وثبات قيادة المقاومة في تأدية الواجب، وإذا كان مطلوباً منا كأنصار للمقاومة وقيادتها الممثلة بحركة حماس مضاعفة الجهد في مجالاته ومستوياته المختلفة لاستيعاب نتائج وتداعيات المعركة وتوظيفها لتحقيق مزيد من الإنجاز لصالح المقاومة ومشروعها على مستوى الأمة، فإنه مطلوب كذلك من قيادة المقاومة أن تضبط خطابها السياسي والإعلامي على موجة أخرى جديدة تنسجم مع النتائج التي آلت إليها الحرب وتوظفها –أيضاً- في مكسب ضخم جديد تراكمه على غيره من المكاسب اللاحقة لصالح المقومة وقضية شعبنا ونهضة أمتنا.

لا شك أننا جميعاً سنقف أمام مشهد الدمار الهائل، وأن ذلك سيستدعي منا استيعاب الموقف ومن ثم معالجته بمزيد من العض على الجراح ومغالبة الشعور بالوجع والمرارة، ومن ثم السعي لتأمين إعادة الأعمار وتعويض المنكوبين عن خسائرهم قدر الإمكان، ولا شك أن القيادة العسكرية للمقاومة ستنشغل على الاستفادة من التجربة الحية القاسية وستضع كل ذلك بين يدي قيادتها لتوفير ما يلزم لسد الثغرات التي بدت أثناء المعركة في الميدان أو لتعزيز قدرات المقاومة العسكرية خاصة فيما أظهرت المواجهة الحاجة إليه، وهذا سيعني بالضرورة التفكير والعمل على اجتراح الآليات الخلاقة من واقع صعب وقاس لضمان استمرار رفد المقاومة بما يلزمها خاصة وأن أية معركة حاسمة قادمة على قطاع غزة ستفوق هذه المعركة وحشية وشراسة وعنفواناً، وهذا سيعني حتماً كذلك تأجيل أية مواجهة قادمة إلى حين الاستعداد التام الذي لا تظهر فيه شائبة بالقياس على الممكن والمستطاع من جهد القيادة وظروف الواقع، كما أن القيادة ستعمل على نقل إنجاز المعركة إلى الضفة الغربية على شكل واقع تنظيمي حديدي جديد يمهد لتفعيل المقاومة على أرضها الطبيعية، وبلا شك أيضاً ستعمل على الاستفادة من نتائج المعركة سياسياً وفرض واقع جديد فيما يتعلق بإدارة القضية الفلسطينية والعلاقة بأطرافها المختلفة أو العلاقة مع الدول العربية وبعض الأطراف الدولية، من ناحية أخرى فإن حركة الشارع العربي والشعور العميق بالخذلان والمرارة وانكشاف كل الأطراف المتآمرة بجنسياتها ومواقعها المختلفة وحالة التمايز الحاد الذي صنعته المعركة لا يجوز أن يمر مرور الكرام على القيادات الجماهيرية والحزبية والنخب الوطنية في العالم العربي.

كل ذلك وأكثر منه تحديات ستواجهنا جميعاً، لكن التحدي الذي يمكن لكل محب ونصير للمقاومة أن ينشغل به –إضافة لغيره مما يستطيع كل أحد بحسب قدرته- هو التصدي لعملية تشويه إنجاز المقاومة، والعمل على تكريس مفاهيم النصر من الوجهة الإسلامية القيمية، والوجهة الواقعية بحسب سير الأنبياء والمصلحين والثوار في مغالبة المخرز حتى تحقيق النصر، وبحسب تاريخ مقاومات الشعوب حتى نالت حريتها، وبحسب واقع المعركة الغزّية الأخيرة، والتصدي لمحاولات تصوير الخراب الهائل في المباني والممتلكات والمقومات الحياتية، والعدد الكبير في الضحايا، في مقابل الأثر المادي الواقع على العدو على أنه هزيمة وفشل للمقاومة. فهذه مهمة واجبة وممكنة لكل منا.

من الممكن تقسيم الإعلام المعادي في هذه المعركة إلى قسمين: الأول هو إعلام العدو، والثاني هو الإعلام العربي الذي انخرط عن كثب في العدوان على غزة إما بتبني الرواية الصهيونية وبث إشاعتها لكنها مترجمة فقط إلى العربية وتحميل المقاومة مسؤولية العدوان على نحو يبرئ في النتيجة الاحتلال من جريمته، ويبث الرعب والقلق بهدف إسقاط معنويات المقاتلين وقيادتهم وجمهورهم العربي والإسلامي بتضخيم إنجاز العدو وتغييب إنجاز المقاومة واختلاق الأساطير عن تقدم العدو وإخفاق المقاومين، أو بتبنيها ثقافة انهزامية والترويج لها، أو بتغييب المعركة بما في ذلك شقها الإنساني المأساوي تماماً عن الحضور في مشهدها، ويمكننا هنا الحديث عن ساسة السلطة وإعلام عصابة عباس-فياض الرسمي، وبعض الإعلام الفتحاوي خاصة الإلكتروني منه، والإعلام المصري الرسمي في أشكاله المختلفة، والإعلام السعودي الليبرالي من قبيل قناة العربية، وصحيفة الشرق الأوسط، وموقع إيلاف الإلكتروني، وبعض الإعلام الخليجي الذي تجاهل المعركة ومأساتها الإنسانية وكأنها شيء لم يكن، إضافة لمجموعة من الكتاب والوجوه التي باتت معروفة للجميع وتناقل أسماؤها ومواقفها الناس على سبيل الازدراء والاستياء، بحيث يمكننا اعتبار الإعلام العربي المتآمر في هذه المعركة جزءاً من الجهد الحربي الصهيوني المباشر.

أما إعلام العدو فقد تصرف على نحو مختلف تماماً عن سلوكه في حرب تموز/2006م، بحيث أظهر قيادة العدوان الصهيوني أكثر تماسكاً عما كانت عليه في حرب تموز، وألقى غطاء كثيفاً على مجريات الحرب، خاصة في نقل صورة غير دقيقة عن مجريات الميدان ترمي إلى اختلاق انجازات وهمية لجيشه المعتدي، وإخفاء لخسائر الجيش البشرية، لأسباب نفسية حربية تتعلق بتماسك الجبهة الصهيونية الداخلية أو معنويات الجيش أو معنويات الخصم (المقاومة وجمهورها الغزّي والفلسطيني والعالمي)، ولأسباب سياسية تتعلق بقيادات الكيان وطموحاتهم الانتخابية ومستقبلهم السياسي، وإضافة لهذا التعتيم الإعلامي الشامل فإن ظروف الحرب المختلفة عن ظروف حرب تموز من حيث عمق المقاومة الاستراتيجي والتضاريس والجغرافيا والإمكانات المادية واستفادة العدو من تجربته في تموز تحول دون ظهور إنجازات مادية للمقاومة أكثر مما هي عليه حتى الآن، مع قناعتنا ببسالة المقاومة وعبقريتها في هذه المعركة التي فاجأتنا فيها أكثر مما فاجأت العدو، وهي ملحمة تستحق أن تؤلف فيها الكتب، وأن تسجلها الوثائق، وأن تروى فيها الروايات، وتنشد فيها الأشعار، وتصورها الدراما والسينما.

لقد أظهر الإعلام في هذه المعركة أهمية فائقة لا تقل عن المجهود الحربي والفعل في الميدان، بل كان جزءاً هاماً من المجهود الحربي لا يقل عن حركة المقاتل وقذيفته، بحيث يمكن اعتبارهما خطين متوازيين من حيث الأهمية، وملتحمين من حيث الدور، ويمكننا قياس ذلك بمشاعرنا وتوتراتنا التي كان يصنعها الخبر أو الصورة سواء كان مصدره المقاومة أو الخصم بنسخته العبرية أو العربية، وبلغ إدراك العدو لأهمية إعلامه إلى درجة تستحق الإعجاب والثناء بحيث لم يلتزم الإعلام فقط بالتعتيم على مجريات الميدان، بل واصطف تماماً في صناعة الصورة واختلاق الخبر والتحليل الذي يخدم المجهود الحربي ويضعف الخصم معنوياً، كما انتقلت المعركة الإعلامية إلى محاولات متكررة لاختراق بث قناة الأقصى من بعد ***ها وتعطيل بعض المواقع الإلكترونية المناصرة للمقاومة.

بعد انتهاء المعركة عسكرياً، لن يكون العدو مستعداً للتراجع عن روايته المكذوبة، وسيعمل على تشويه النتيجة، وسرقة النصر من المقاومين الذين ثبتوا ببسالة وعنفوان، لأن أي إنجاز على هذا الصعيد سيهز المجتمع الصهيوني وجودياً، ويفقده الثقة اليقينية بقدرة جيشه على تحقيق الانتصارات الحاسمة، ويحرج قياداته السياسية، وسيعزز ثقافة المقاومة ومكانتها الشعبية والسياسية في العالم العربي على حساب ثقافة ومكانة الانهزاميين والمتصهينين، إضافة لما يمكن أن تصنعه صورة المقاومة المنتصرة من وقائع سياسية في المشهد الفلسطيني والعالم العربي عموماً.

ونفس هذا الدور هو ما سيقوم به الإعلام العربي الذي انخرط في المجهود الحربي الصهيوني ضد المقاومة في غزة، وستكون دوافعه نفس دوافع الصهاينة لأن جزءاً من هذا الإعلام مأجور تماماً وأداة لأجندات أمريكية وصهيونية على نحو ارتباطي مباشر، وستكون بعض الدوافع مرضية من قبيل الحسد والبغض ويمكننا هنا الحديث عن قطاعات من حركة فتح وعصابة عباس، ومن قبيل رفض الاعتراف بالخطأ وصحة رؤية المقاومة وأنصارها، وهنا لا بد من التأكيد على أن هذا القسم من الإعلام المعادي مسرف في الفجور في الخصومة والدناءة والخسة ولا يتورع عن الخوض في أي محرم، والكذب ولو كان مدركاً لانفضاحه، ومصادمة حس الجمهور وثقافته ببرود ووقاحة، فإذا كان إعلام العدو ومن خلفه الإعلام الغربي يخدم قضيته المباشرة، فإن هذا الإعلام لا يخدم إلا عدو أمته مما يجعل هذه وحدها كافية لنعته بما سبق من أوصاف.

وهذا سيعني جهداً مقابلاً من المقاومة رسمياً، ومن جمهورها، أما المقاومة فإن خطابها السياسي والإعلامي لا ينبغي أن يداري المقولات الانهازمية والتي ستجعل المأساة المادية والبشرية عنواناً لهزيمة المقاومة، مغفلة صمود المقاومة وبسالتها، وفشل العدو في تحقيق أهدافه، وطبيعة المعركة التي لا يطلب فيها من المقاومة شيء أكثر من الصمود والاستمرار، بحيث لا يصح في معركة من هذا النوع مطالبة المقاومة إحداث نفس القدر من الإثخان في العدو، أو تحرير مزيد من الأرض، فالمقابلة في الإثخان يلزمها مقابلة في الإمكانات، وتحرير الأرض نتيجة لتراكم الفعل ال****ي واستمرار المقاومة والثبات على الحقوق والإصرار على المبادئ والتمسك بالثوابت وليس نتيجة معركة عسكرية واحدة تخوضها المقاومة مع العدو، وإنما ينبغي أن يكون رد قيادة المقاومة قوياً وخطابها حاسماً وقاطعاً وباتاً في هذه المسألة دون لبس أو اهتزاز، وفي هذا المجال يجب أن تكون قيادة المقاومة مبادرة في تسجيل انجازها وتقديمه للجمهور المناصر والمعادي بالتركيز على جوانب النصر والإنجاز وإظهار جوانب الفشل في أهداف العدو، والتركيز على صمود المقاومة في مواجهة آلة حرب ضخمة في عددها ونوعها وشديدة البطش والدمار، والتركيز على أن ما يحصل من دمار وضحايا هو الثمن الذي دفعته كل الشعوب التي طلبت الحرية والتدليل على ذلك أيضاً بسير الأنبياء وكلام الله تعالى، وفضح من تآمر على المقاومة بأشكال التآمر المختلفة فإن قيادة المقاومة اليوم هي القيادة التعبوية والتوجيهية الحقيقية للجماهير العربية والمسلمة كلها، ولا يصح أبداً أن يكون الخطاب الإعلامي والسياسي مهدراً لإنجاز المقاومين في الميدان في تحريك الشارع العربي وإنجاز الانهزاميين والمتصهينين والحكام المتواطئين في زرع الغصة والمرارة في هذا الشارع، مع تفهمنا واحترامنا طبعاً للمصالح التي ستقدرها قيادة المقاومة في خطابها بما يخدم علاقاتها وحراكها السياسي.

أما الجمهور فهو المطالب أكثر بالجهد والعمل والتحرك والصراحة والوضوح، فإذا كان مساهماً في المعركة إعلامياً وجماهيرياً وتعبوياً ومادياً مع المقاومين الذين يصنعون أسطورة النصر بدمهم، فإن الجهد في هذا المجال بعد انتهاء العدوان هو جهده وحده، فالمقاوم يملك بندقيته وروحه ودمه، والجمهور في خدمة المقاوم أثناء المعركة وبعدها، والدور الآن الذي مهده لنا المقاوم بدمه، وبدأناه أثناء المعركة، علينا المضي به ما بقينا أحياء، لأن المعركة بمفهومها الشامل ليست جولة واحدة في قطاع غزة، والآن هي فرصتنا جميعاً لفضح المنافقين، وتكريس المفهوم الرباني لمعاني ال**** والصمود والثبات والنصر.

إن الله تعالى فضح ثقافة الهزيمة، وجيوب الخيانة في كل حين وآن، في الرخاء، وأثناء الاستعداد للحرب، وأثناء المعركة، وبعدها، وسجل الله تعالى كل ما يتصل بالانهزاميين والخونة ففضح نفوسهم، وأهدافهم، ومنطقهم، ولغتهم، وطريقتهم في التعامل مع القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فلم يكن ثمة مناسبة واحدة للحديث عنهم، فطالما وجدت الظاهرة وجدت أهداف لها ومخططات وأضرار فوجب فضحها في كل حين وآن، ولذا بث الله فضائحهم في سور شتى، وبسط لهم مساحات واسعة من كتابه الكريم، وخصهم بسورة خاصة، وكشفهم بالاسم والشخص للنبي، وأسر النبي بأسمائهم لحذيفة كمستودع للمعلومة الدقيقة بحيث يمكن استفادة القيادة منها حين الحاجة، لكن القرآن لم يعن بالأسماء بقدر ما عني بالتسجيل الدقيق لكل ما يتصل بظاهرة الانهزامية في الأمة، فالأشخاص يختلفون وتبقى الظاهرة، وكم كان عجيباً وأنا أتابع الحرب وأستحضر آيات الله في المنافقين وكأنها تتنزل الآن، وكأني أقرؤها للمرة الأولى، إنه تفسير الواقع للآية القرآنية، فسبحان الله!

ما فعله كثير من الكتاب، والمثقفين، والإعلاميين، والجماهير من فضح للخونة والانهزاميين أثناء المعركة هو عين الحكمة، وتطبيق للمنهج الرباني حينما كان يكشف عنهم أثناء المعركة ومن ذلك ما أنزله الله تعالى على نبيه أثناء معركة تبوك من قوله جل وعلا: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ * الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ*)، وقصة ذلك أن رجلاً قال في غزوة تبوك في مجلس، ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء (يقصد فقهاء الصحابة) أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن، قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تنكبه الحجارة، وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ ).

وهذا هو الدور الذي ينبغي الاستمرار به بعد المعركة لثلاثة أسباب:
1. لا يكتمل انتصار المقاومة، ولا يوظف انجازها في الميدان لتحقيق الإنجاز الأكبر في ميدان السياسة وثقافة المفاهيم والتصورات وتوجيه الجماهير، إلا بتعرية المنافقين، والرد على مزاعمهم، بل وسبقهم بالاحتفاء بالمقاومة وإنجازها، قبل أن يبدؤوا حملتهم التثبيطية.

2. إن الانهزاميين والمتصهينين ظاهرة موجودة في الأمة، لم تبدأ مع حرب غزة، ولن تنتهي بانتهاء الحرب، والمؤمن أجدر بهذا الجلد، فهو لهم بالمرصاد في كل حين، كما هو القرآن.

3. من منهج الله تعالى فضح الانهزاميين والمنافقين والخونة بعد كل معركة، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يهدم مسجدهم الضرار بعد تبوك، وهذا القرآن بعد أحد يفضح المنافقين ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *)، وها هي آيات الله بعد أحد والأحزاب وغيرها تسجل سنن الله التي فسرها واقع المعركة، وتبين حال المؤمنين والمنافقين أثناءها، ورعاية الله تعالى لدينه وأهله، والمفاهيم الإيمانية للصراع بين الحق والباطل.

إنه دورنا جميعاً إذن، وهو دور من شقين يشكلان موضوعاً واحداً، الشق الأول إبراز إنجاز المقاومة في الميدان، والاستفادة من ذلك في تعزيز المفهوم الإيماني للصراع لتعبئة الجماهير بمعاني الثبات والصمود ومعية الله تعالى، والشق الثاني فضح الانهزاميين والخونة ويأتي الشق الأول أيضاً في سياق الرد على شبه الانهزاميين، وإن كان لا بد منه ابتداء وحتى قبل أن نسمع همساً لمنافق.

لا شك أن كثيرين سيتحدثون عن المقاومة وإنجازها، وطبيعة المقاومات وظروفها، وعن الانهزاميين والمتآمرين، وهذا ما يفعله الكثيرون أيضاً الآن، لكنها دعوة لتكثيف الجهد، ومأسسته، وتنويعه، بين المقال، والبحث، والدراسة، والكتاب، والرواية، والقصة، والقصيدة، والنشرة، والمجلة، والموقع الإلكتروني، وخطبة الجمعة، والمحاضرة، والندوة، والمؤتمر، والمهرجان، والبرنامج التلفزيوني، والفيلم الوثائقي، والنقاش الشعبي، والثنائي، بل وتوسيع الطموح ليشمل التفكير في عمل درامي ملحمي وفيلم سينمائي قوي، وينبغي أن تستمر حملة التضامن طوال الوقت بلا توقف، كل بحسبه وفي موقعه وبما يملك من قدرة وإمكانية، فمن صرخ وهتف وشتم الحكام العرب وتمنى الوصول لفلسطين ليجاهد وعبر عن حنقه وشعوره بالعجز والمرارة يمكنه أن يفعل قليلاً أو كثيراً مما ذكرناه، خاصة وأن الميدان ميدانه (ميدان الجمهور) وليس ميدان المقاتل، إنه إكمال لفعل المقاتل، وتوظيف لدمه وتضحيته، فالمقاتل له دوره المحدد ولبقية الأمة أدوارها الكثيرة، فليس منا من هو عاجز أبداً.

إن مشكلة جماهير الأمة، وكثير من النخب الطليعية فيها أنها تفطن إلى دورها والمطلوب منها في الأزمات فقط، وتنتبه إلى قلة حيلتها حيث الحرج وضيق الوقت، والناس لا تصرخ متسائلة عما يمكنها فعله إلا على مشاهد حرق جثث أطفال الأمة في مواقع الحرب والاستضعاف، بينما الوقت كله واسع قبل أية مواجهة وهو ميدان مفتوح للعمل والفعل لتكون الجماهير وطلائعها وقياداتها ونخبها جاهزة حينما يحتاجها المقاتل، وحينما يبدأ العدو في حرق جثث أطفال فلسطين، وحينما يبدأ المنافقون في استفزاز مشاعر جماهير الأمة، وحينما يمارس الحكام على نحو مكشوف خيانتهم بإصرار وعناد وإخلاص.

يمكن القول أن هذا المقال وهو يتحدث عن دورنا بعد المعركة، يستشرف قرب نهاية المعركة، وإنجازاً للمقاومة في صمودها، وعلى أية حال فإن الحروب كثيراً ما تخرج عن طورها، وتتمرد على السيطرة، وتحمل في ذاتها القابلية للتطور والانقلاب على الحالة الراهنة وخذلان كل التوقعات، فمهما كان الشكل الميداني لنتيجة المعركة فإن كل ما قيل أعلاه لن يغير فيه الشكل الميداني شيئاً، فإن الانتصار الحقيقي الثبات على المواقف واستمرار المقاومة وإفشال المخططات التصفوية، وكل ذلك غصة مؤلمة للعدو وأتباعه من الخونة والانهزاميين.









آخر مواضيعي

0 أداة أمن لجهازك ضد المتلصصين
0 اكتشاف يغني عن البلوتوث
0 متلازمة المرفق.. اعتلال طبي بسبب الاستخدام المتواصل للجوال
0 هندسة التأثير
0 مقالات في تنظيم الوقت ، فن التواصل...
0 مقالات في فن التواصل
0 مقالات في تربية الأطفال
0 مقالات في النجاح
0 مقالات في الابداع
0 لنتعلم القراءة


نورالدين شكردة
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية نورالدين شكردة

تاريخ التسجيل: 1 - 9 - 2008
السكن: فاس
المشاركات: 2,702

نورالدين شكردة غير متواجد حالياً

نشاط [ نورالدين شكردة ]
معدل تقييم المستوى: 466
افتراضي
قديم 14-01-2009, 09:10 المشاركة 2   

ولا أفتر عن شكرك وتحيتك أخي ابن الاسلام جعل الله أجر عملك وتجندك هنا لنصرة القضية في ميزان حسناتك...
شكرا علىالاختيار المميز و المقال المتميز..


alwane18
:: دفاتري ذهبي ::


تاريخ التسجيل: 10 - 9 - 2008
المشاركات: 840

alwane18 غير متواجد حالياً

نشاط [ alwane18 ]
معدل تقييم المستوى: 275
افتراضي
قديم 14-01-2009, 10:03 المشاركة 3   

اللهم انصر المجاهدين و ثبت اقدامهم
و اكسر شوكة الاعداء و ابتليهم
و انتقم للشهداء و الجرحى و الجوعى المظلومين
يا رحمان انك عزيز ذو انتقام

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مواجهة, القادمة, بعد, حماس, حرب, غزة

« جمال مبارك: قنابل إسرائيل لن ترهبنا؟ متفق معك أيها البطل | اسرائيل تستخدم غزة كحقل لتجريب سلاح امريكي جديد اسمه دي اي ام اي »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التعليم في امريكا في المرحلة القادمة سهاد56 دفتر المواضيع التربوية العامة 7 11-06-2009 12:52
حصري...جديد السنة الدراسية القادمة 2009/9010 الصديق عزيز دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهني 34 03-05-2009 20:59
علاقة الحوار الاجتماعي بالانتخابات القادمة حمي حرتاف دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهني 3 05-11-2008 15:01
طلب لكل الدفاتريين في شأن المشاركات القادمة hamed alghazali الأرشيف 2 30-10-2008 18:21


الساعة الآن 15:09


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة