إن الحمد لله، نحمده ونشكره، نستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له؛ ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير؛ ونشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبد ورسوله وصفيه، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق ****ه، قدوة الأولين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه أجمعين، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
أما بعد،
أحبتي في الله، لقاءنا اليوم يذكرنا بالدار الآخرة، يذكرنا بحديث سيدنا عمر ابن الخطاب، (رضي الله عنه): حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، يوقظنا من غفلتنا وجهلنا..والله نسأل أن يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، إنه رءوف رحيم.
سيأتي يوم يخيم السكون على كل شيء..صمت رهيب وهدوء عجيب، ليس هناك سوى موتى وقبور..انتهى الزمان، وفات الأوان، صيحة واحدة عالية رهيبة..تشق الصمت، يدوي صوتها في الفضاء، توقظ الموتى..تبعثر القبور..تنشق الأرض..يخرج منها البشر..حفاة عراة..عليهم غبار قبورهم..يسرعون يلبون النداء؛ لاشك أنه يوم القيامة..ينظر الناس حولهم في دهشة وحيرة..هل هذه هي الأرض التي عشنا عليها؟؟ الجبال دكت وصارت سرابا..الأنهار جفت..والبحار اشتعلت نارا..الأرض غير الأرض.. السماء غير السماء..كم لبثنا؟ يوم أو بعض يوم؟ لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث، هذا يوم البعث..لا مفر، كل نفس رهينة بما كسبت، اليوم تجزون ما كنتم تعملون في الأيام الخالية...
الكل صامت، الكل مشغول بنفسه، لا يفكر إلا في محنته..الآن اكتمل العدد من الإنس والجن والوحوش، كل بارز للواحد القهار، الكل واقف على أرض المحشر...
وفجأة يا إخواني، تتعلق العيون بالسماء، إنها تنشق في صوت رهيب، يزيد الرعب رعبا والفزع فزعا والخوف خوفا..ينزل من السماء ملائكة..يقفون مصطفين في خشوع..يفزع الناس فيسألونهم: أفيكم ربنا؟ فترتجف الملائكة: سبحان ربنا..ليس بيننا ولكنه آت..ويتوالى نزول الملائكة حتى ينزل حملة العرش العظيم ينطلق منهم صوت التسبيح عاليا في صمت الخلائق..وجاء ربك والملائكة صفا صفا، وجيء يومئذ بجهنم، يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى، يقول يا ليثني قدمت لحياتي، فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد.
فمنذ أن خلقنا الله سبحانه وتعالى وهو ينظر إلى أفعالنا ويسمع ما نعلن وما نسر، لكن اليوم الصحف منشورة، كل يأخذ كتابه إما بيمينه فيقول: هاؤموا اقرءوا كتابيه، إني ظننت أني ملاق حسابيه.. وإما بشماله فيقول: يا ليثني لم أوت كتابيه، ولم أقرأ حسابيه.. فيتمنى قائلا: يا ليثني كنت ترابا..
وقوف طويل، لا أكل ولا شراب، الكل لا يدري أين مصيره: جنة أو نار..ومن هول الموقف وطول الانتظار هناك من يطلب الرحمة ولو بالذهاب إلى النار..أين المفر..أين الملجأ..نعم، أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، شاب نشأ في طاعة الله، رجل قلبه معلق بالمساجد، إمام عدل، رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، هؤلاء يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه وتعالى؛ أخي في الله، هل أنت من هؤلاء؟ اسأل نفسك؟...
وبعد حين، أشرقت الأرض بنور ربها..ينادي فلان بن فلان..إنه اسمك أنت، ستفزع من مكانك..يأتي عليك الملائكة يمسكون بك من كتفيك يمشون بك في وسط الخلائق وكلهم ينظرون إليك..صوت جهنم في الآذان زفيرها يكاد يميز من الغيظ، ويذهبون بك لتقف بين يدي الملك لتسأل...
وفي الأخير، فريق في الجحيم، وفريق في النعيم. أصحاب الجحيم كانون يحبون الصراط العقيم السقيم، وأصحاب النعيم كانوا يحبون الصراط المستقيم…
[وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد. لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد. وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد. ألقيا في جهنم كل كفار عنيد. مناع للخير مُعتد مُريب. الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد. قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد. قال لا تختصموا لديّ وقد قدمت إليكم بالوعيد. ما يبدل القول لديّ وما أنا بظلام للعبيد]. (ق: آ: 12-29).
ولله در القائل:
مثل وقوفك يوم العرض عُريانـــا *** مستوحشا قلق الأحشاء حيرانـــــــا
والنار تلهب من غيظ ومن حنــق *** على العصاة ورب العرش غضبانا
اقرأ كتابك يا عبد على مهـــــــل *** فهل ترى فيه حرفا غير ما كانــــــا
فلما قرأت ولم تنكر قراءتـــــــه *** إقرار من عرف الأشياء عرفانــــــا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتـــي *** وامضوا بعبد عصى للنار عطشانــا
المشركون غدا في النار يلتهبوا *** والمؤمنون بدار الخلد سكانـــــــــــا
أحبتي في الله، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا بين يدي المولى عز وجل يوم لا ينفع الندم...
روى الإمام أحمد والترميذي بسند صحيح أن سيدنا عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه)، قال:{أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر يوم لا تخفى منكم خافية فإنما يخاف الحساب يوم القيامة من حاسب نفسه في الدنيا}. فحاسبوا أنفسكم واعلموا بأن النفس أمارة بالسوء...
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا سامع كل نجوى..يا عظيم الإحسان.. يا دائم المعروف اغفر ذنوبنا.. استر عيوبنا.. فرج كربنا..واكشف همومنا.. اللهم نجنا من النار، اللهم أدخلنا في رحمتك...
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، سبحان الله العظيم وبحمده، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، لا إله إلا الله محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم تسليما.