"هيا بنا نؤمن ساعة، فإن القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً".. كلمات قالها عبد الله بن رواحة لأبى الدرداء رضي الله عنهما، وتشابهت مع ما قاله معاذ بن جبل لصاحبه وهو يذكره: "اجلس بنا نؤمن ساعة".
وما أحرانا ـ والعلم رحم بين أهله ـ أن نردد نفس الكلمة على مسامعنا وعلى الدنيا من حولنا.. "اجلسوا بنا نؤمن ساعة"... ساعة نراجع فيها ديننا، ونؤدي بها حق ربنا وحق النفس والناس، ساعة لا تحتمل التأخير، فقد جرت منا الدنيا مجرى الدم من العروق، ووصل حبها إلى شغاف قلوبنا، فمنا من باع دينه بدنيا لا بقاء لها ولا وفاء, ومنا من باع دينه بدنيا غيره، ووقع الانفصال المريب بين الدنيا والآخرة والأرض والسماء.
فإذا رأيت من صرعه عشق العاجلة، وأماته حب الفانية، أو قال لك قائل، عظني أو ذكرني أو انصحني فقل له: (هيا بنا نؤمن ساعة)، وقل لنفسك: )وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى( "طه:84", وبادر وسارع بها، هذا شأنك مع من يغرق أو يجود بأنفاسه الأخيرة، تحاول إسعافه وترسل له طوق النجاة لإنقاذه، وحياة القلوب والأرواح آكد وأهم. كان البعض يقول: "عجباً لمن يبكى على من مات جسده ولا يبكى على من مات قلبه وهو أشد".
فاصنع كما صنع صاحب يس، وهوالذي سماه الله رجلا وما أقلهم - أتى من أقصى المدينة يسعى قال: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) "يس:20-21", فلما أخذوه وعاجلوه بالقتل نصحهم ميتاً كما نصحهم حياً، قاليَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) "يس:26-27".
فما الذي يمنعك من أن تذكر بآية بينة, أو سنة هادية أو قصة هادفة, وقد تكون هذه الساعة هي ساعة قيامتك, أو ساعة رحيل وانتقال من تذكر فتلقى ربك على عمل صالح وتكون بذلك قد بلغت الرسالة, وأديت الأمانة, ونصحت لإخوانك وأمتك, وأعذرت نفسك بين يدي ربك بالبلاغ وعساها توافق ساعة إجابة, والدال على خير كفاعله, ولأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم، وحسبك أن تقوم مقام الدعوة وتستن بسنن الأنبياء و المرسلين)أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ( "الأنعام:90", فاحذر من إضاعة الحقوق, ولا تبخل بهذه الساعة, فإن الله أحق أن يطاع فلا يعصى, وأن يذكر فلا ينسى, وأن يشكر فلا يكفر, وأنت ممن يحب أن يطاع الله في الأرض, وأن يكثر عدد المطيعين