تعرف وزارة التربية الوطنية هذه الأيام تحركات في عدد من الاتجاهات وعلى مختلف الأصعدة خاصة ما يهم تسوية عدد لا بأس به من الملفات العالقة في إطار الحوار الاجتماعي الذي دأبت الحكومة على فتحه كل ما جد جديد أو طرأ طارئ حيث يجالس المسؤولون النقابات في إطار لجان تقنية لتدارس حيثيات الحلول المقترحة من هذا الجانب أو ذاك وكيفية تفعيلها.وهذه العملية التي يستبشر لها كل العاملين في القطاع أصبحت سنة حميدة لوضع اللبنات الأساسية لسلم اجتماعي مستديم وتذويب كل ما من شأنه أن يعرقل سيرورة العمل ومردودية الموارد البشرية والتي تعتبر الأساس في كل نمو وتقدم.
وقد لاحظ المتتبعون والمهتمون بالشأن الاجتماعي، من خلال ما ينشر بالجرائد الوطنية، فحوى البلاغات الصادرة عن المركزيات النقابية والتي تبشر من خلالها الشغيلة بما توصلت إليه من الحلول والمكاسب الجديدة التي وافقت الحكومة والنقابات على أجرأتها وتمتيع العاملين بثمراتها ونتاجها..حيث أن اللجان الموضوعاتية تطرقت بالدرس والتحليل لكل الملفات المطلبية الخاصة بالفئات والهيئات التي تتكون منها الوزارة الوصية على التربية والتعليم، ولكنها وفي كل مناسبة وخلال كل حوار تقصي بامتياز من أجندتها وجداول أعمالها ملفا يتميز بخصوصية شديدة فضلا عن باقي ما يطرح على موائد المفاوضات والمشاورات وهو ملف العاملين بالتعليم الأولي من متفقدين ومنسقين تربويين.!! فكل الفئات أنصفت تقريبا ومن لم ينله الوابل ناله الطل، وأخيرا سمعنا بالمكسب الجديد لفئة مديري المؤسسات التعليمية (الزيادة في التعويضات)، وتبقى الفئة الوحيدة حسب ظننا، هي أولئك الجنود المجهولون بقطاع التعليم الأولي والذين ينتظرون دورهم يوما ما والوزارة تعرف جيدا هؤلاءالأطر وما يتحملونه من أعباء في سبيل تطوير قطاع شائك كالتعليم الأولي، والذي أصبح الآن الكل يهتف بدوره في القضاء على الهدر المدرسي وأخطاره...إنهم مؤطرون، و مكونون، و مراقبون تربويون ..!! قاموا بأعباء جسيمة (المراقبة والتأطير التربوي) منذ 40 سنة حيث بفضلهم تحقق ما تحقق بالتعليم الأولي:سهروا على تحقيق الجودة فتحققت، وانكبوا على تكوين فئات عديدة من المربين والمربيات حتى أصبحوا في مستوى رفيع باعتراف المكونين الأجانب الذين يزورونهم، أنكروا ذواتهم فلم يطالبوا قط الوزارة ولو بأدنى تعويض عن تنقلاتهم داخل مقاطعة تضم أكثر من 400 مؤسسة مترامية الأطراف بالعالمين القروي والحضري، أضافوا إلى تجاربهم ومهاراتهم في المراقبة الميدانية والتأطير التربوي ما تلقوه من تكوينات على يد مكونين دوليين ووطنيين. لقد كانوا ولا يزالون خير عون وسند للمربين والمربيات داخل مراكز الموارد وخارجها حيث يلبون نداء كل من كان في حاجة إليهم..ولا يقدر أحد أن ينكر ما تحقق في هذا الميدان بفضل هذه الطاقات الزاخرة بالعطاء وخدمة الوطن..
وبفضل هذه الاستماتة أصبح الاقتناع كاملا لدى المواطنين ناهيك عن المسؤولين أن التعليم الأولي يوفر على الدولة ميزانية ضخمة حين يتصدى للظواهر السلبية التي يعرفها قطاع التعليم ببلادنا خاصة داء الهدر المدرسي الذي ينخر كل سنة في نخاع هذا القطاع الحيوي ويشل حركته حيث يغادر أكثر من 400.000 متمدرس سنويا قاعة الدرس إلى غير رجعة ..وقد نبه الراحل الحسن الثاني إلى خطورة هذا القطاع ودوره في اكتساب النشء للعادات الصفية السليمة واكتسابه بذلك لعدد من المهارات التي تؤهله للتأقلم مع المدرسة والاندماج الكلي فيها، وذلك من خلال خطابه التاريخي يوم 9 أكتوبر 1968 والذي كان بحق بعثا جديدا لمؤسسة التعليم الأولي والعاملين فيها، فبفضله رحمه الله انتظم القطاع وتوحد وأخرج إلى الوجود وهو الذي وضع اللبنات الأساسية لتعليم أولي مساهم ومواطن في سيرورة العملية التعليمية ببلادنا، حيث أشار على المسؤولين التربويين آنذاك بضرورة تفعيل هذا القطاع الحيوي وتعيين مؤطرين تربويين من خيرة العاملين بالتعليم الابتدائي (المتفقدون التربويون)، وبعد نمو القطاع تم تعيين أطر إضافية للتكليف بمهام تأطير مراكز الموارد والواردين عليها..
ولعل تجربة الغرب خير مثال على أهمية هذا النوع من التعليم ومدى تأثيره على مستقبل التعلم لدى الطفل، إذ تولي الدول الغربية اهتماما بالغا بتعليم الطفولة الأولي وترصد له ميزانية ضخمة، كما تحفز الباحثين على الإبداع في الميدانين العلمي والعملي بما يخدم ناشئتهم. قد يقول قائل بأن التعليم الأولي ليس من أولويات الدولة لأن التعليم الأساسي هو الهدف الأسمى حاليا ولا يمكن أن تنشغل الدولة بأي قطاع تعليمي آخر على حساب التعليم الابتدائي. لكن السؤال المطروح هو ماذا حققنا خلال 50 سنة ؟ ما هي النسبة الحقيقية التي بلغناها من المتمدرسين؟ إذا هي صدقت هذه المقولة فلماذا إذن هذا الكم الهائل من المغادرين للمدرسة كل سنة..؟ ولماذا هذا الكم من الأميين ؟ هل البضاعة التي تقدم المدرسة المغربية لزبنائها وروادها انتهت مدة صلاحيتها ولم تعد قادرة على التجدد والاستمرار أو حتى الاستجابة لمتطلبات المرحلة ؟ بكل جرأة يجب أن نضع الأسئلة الحقيقية وبنفس الجرأة كذلك يجب أن نعطي الأجوبة الحقيقية!! كي نوفر على وطننا الكثير الكثير من الجهد والوقت والمال.
المخرج ظاهر وجلي (ولكن لا أحد يريد أن يأخذ به بدعوى الأولويات أو الرهانات) : ألا وهو بعثُ تعليم أولي عمومي شامل يتكفل بفلذات أكبادنا، في كل مكان، منذ الطفولة المبكرة ويعانق خطواتهم نحو الأفضل حيث التمدرس السليم والحسم النهائي لفيروس الهدر المدرسي وحيث المدرسة تصبح جزءا لا يتجزأ من هموم المواطن اليومية..وآنذاك حين تتحقق أهدافنا سوف نتنافس في التطوير و..الجودة.إن معالجة التعليم الأولي في شموليته يقتضي أيضا الاهتمام بالطاقات ماديا ومعنويا والتي عملت وتعمل جاهدة وبوسائلها الخاصة المحدودة على الرفع من مردودية هذا النوع من التعليم منذ الستينيات إلى الآن وفي صمت.. فالمعول على المسؤولين الذين عينهم صاحب الجلالة على رأس قطاع التربية والتكوين في معالجة هذا الملف الهام والدفع بهذا النوع من التعليم ببلادنا إلى الأمام ورد الاعتبار للطاقات التي تعمل على تحسين جودته ومردوديته بكل صبر وأناة..خاصة أن النقابات لم تطرح قط هذا الملف على طاولة المفاوضات والأمل معقود على الفاعلين الاجتماعيين خلال جولة 13 أكتوبر 2008 أن يوفروا لهذه الأطر حيزا تستحقه...
الفئة التي لا يفاوض عنها أحد..؟؟؟
المواضيع المتشابهه
