اليَسارُ...البَلاءُ العظيم

[sinti]

حزب العدالة و التنمية ضرب عصفوريين بحجر واحد،فاستطاع شقَّ صفِّ تحالُف الكُتلة الديمقراطية ما دام أن حزب الإستقلال و الإتحاد
الإشتراكي يبدوان قاب قوسين أو أدنى من الدخول في الحكومة القادمة ،بالنظَر إلى التصريحات التي سمعناها من داخل الحزبين. حزب الحركة الشعبية الذي طالما تقمَّصَ دور السدّادة التي تملَأُ الفجوات هو الآخر سيدخل ضمن التَّحالف المرتقب ليكون القشة التي قسمت ظهر البعير، بعير التحالف من أجل الديمقراطية الذي يبدو أنَّهُ خارتْ قُواه و هو يحاولُ مجاراةَ قطار العدالة و التنمية السريع.
التحالف من أجل الديمقراطية الذي أُنشِئ من أحزابٍ إدارية و أخرى صغيرة تبحثُ لها عن ملجئٍ آمن في كنف أخرى أكبر منها، جاء ليقطع الطريق على الحزب ذي المرجعية الإسلامية الذي رَجَّحت كلُّ التوقعات فوزه في الإنتخابات الأخيرة.
إنقلَب السِّحرُ على الساحر إذاً و خرج الإئتلاف الديمقراطي المزعوم من الإنتخابات بخُفَّي حُنَيْن ،مُفضِّلاً الإنزواء في ظِّلِّ المعارضة على أن يتحالف مع حزب حصد الأخضر و اليابس و لا يتقاسمُ معه أيَّ شيءٍ سوى الصراع و المُلاسنات التي كنا نُطالِعُها قبل المِحكِّ الإنتخابي لشهر نونبر الماضي و التي ستطفوا إلى السَّطح بمُجرَّد انطلاق الموسم السِّياسي المُقبل.
الأمين العام لحزب العدالة و التنمية ،طفق يدعو بعض الأحزاب إلى الدُّخول في تحالُفٍ مع حزبه ،في سبيل تشكيل حكومة ينتظرُها كلُّ المغاربة ، و بدا الأمين العام على شاشة التلفاز يطلُبُ وِدَّ زعيم حزب الكتاب بطريقة هي أقرب إلى الإسْتِجداء منها إلى الدَّعوة ،و كأن الحزب الشيوعي السابق هو من ظفر بالأغلبية الساحقة.
الحقيقة أنَّه لو كُنْت مكان السَّيد بنكيران لأدرْتُ الظهر لحزب التَقدُّم و الإشتراكية ،هذا الحزب المجهري الذي بالكاد تجاوز عدد المقاعد الَّتي حصَّلَ عليها العشرة ،لا يتقاسم مع حزب المصباح أي مبدأ و لا مرجعية ، و دخوله الحكومة لن يكون له أهمية كبرى في الأغلبية البرلمانية التي يجبُ أن تكون مريحة، إضافةً إلى سُمعة أمينه العام التي لا مُحالَ في أنَّها ستُسيئُ إلى الحكومة و تُعطي انطباعاً غير جيِّد عليها.
لا أدري كيف لحزب فشِلَ فشلا ذريعاً في الإنتخابات الأخيرة ، لا زال يحتفِظُ بقيادة ساقته إلى الهاوية، الحزب الناضج هو الذي تتخلَّى قيادتُهُ السياسية طَواعيةً عن دور القيادة ،متَحَمَّلةً المسؤولية كاملة عن النتائج التي لا ترقى لتطلعات الحزب و مُريديه الذين يبدو أنَّهم تخَلُّوا عن فكرة الثورة الشيوعية و النزعة العنترية الغيفارية واِرْتَأَوْا لأنفسم أن يكونوا قُطعانَ ماشية سهْلَةُ الإنقياد.
الحزب التَّوْأَم لحزب التقدُّم و الإشتراكية ،و هو حزب جبهة القِوى الدِّيمقرطية ،أقدم أمينه العام التَّهامي الخياري على خطوة نادرة الحدوث في أوساط أحزاب هذا البلَد -حين قدَّمَ إستقالته من زعامة الحزب قبل أن يتراجع تحت ذريعة عدم قبولها من طرف القواعد. أمرٌ يبعثُ على الضحك فعلاً ،فالحزب حصل على مقعدٍ يتيم في مجلس النواب المقبل ،ممَّا يعني أنَّهُ وصلَ إلى حالة يُطلَقُ عليها طبِّياً "المَوتُ السَّريري"،و مع ذلك الجميع مُتمسِّك بالأمين العام الذي قادهم بمعية حزبهم إلى هذا المصير .
تقديم الإستقالة ثمَّ التَّراجعُ عنها أمرٌ مُتوارَثٌ عند الطَّبقة اليسارية دون غيرها ،فالسيد التهامي الخياري ليس اليساري الوحيد الذي يسْتَغْبي الجميع بشَطَحاتٍ كهذه ، لكن يوجد من سبَقَهُ في ذلك ،كالرَّئيس اليمني عبد الله صالح الذي أعلن إستقالته سنة 2007 أمام الملأ ،قبل أن يتراجع بعد ذلك ،ليتمسَّك بالسُّلطة -هذه المرَّة -بطريقة لم تُثْنِيهِ القنابلُ الَّتي فَحَّمَتْ وجههُ و غَيَّرتْ ملامِحَهُ و لا حناجِر اليمنيين التي بُحَْتْ و هي تردِّد كلمة "إِرحل" .
زعيمٌ يساري آخر أقدم على ذات الخُطوة بل إنَّهٌ هو من اِبتدعها ،إنَّهُ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي أورث مصر كلَّ ضُرُوب القهر و الحرمان ، ثمَّ أَوْرَثَهم طبقة يسارية سامَتْهُمْ سوء العذاب فذبَّحَتْ أبنائهم واِستحْيَتْ نساءَهم و في ذلك بلاء عظيم.
عزيز موكال