إن هذه التجليات اليومية عبر الكتابات الحائطية تشير كلها إلى أساليب مختلفة للتعبير عن الوجود، وتكشف بوجه من الوجوه عن اختلالات كبيرة نفسية واجتماعية وثقافية..
الكتابة الحائطية هي بمثابة السوق الحرة للأفكار تلك التي تحول الحائط من فضاء جامد إلى صحيفة ناطقة، إنها نوع من التمرد على الواقع الاجتماعي والتربوي وعدم الرضا به، حسب الأخصائي والطبيب النفساني الدكتور أبو بكر حركات، الذي يؤكد "أن هذا النوع من التعبير عن الرأي يخص الشباب، لاسيما الذين لا تتوفر لديهم إمكانيات للتعبير عن أرائهم في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى، مما يدفعهم للجوء إلى الكتابة الحائطية". وأوضح المتحدث ذاته، أن هذه الأساليب تعرف بطريقة "رد الفعل سواء كان شعوريا أو لاشعوريا، فأضحينا نعرف كيف ينتقم التلميذ من معلّمه، والمريض من طريقة تعامله في المستشفى".
إن تبني الشباب لهذا الشكل التعبيري الذي يتمظهر عبر الكتابة والرسم على الجدران سببه هو الحاجة إلى تخليد شيء ما أو حدث ما أو إشراك الآخر في ذلك، سواء كان معلوما أو غير معلوم، الحاجة الملحة للتواصل قصد خلق حالة انفعالية أو عاطفية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو نقل معلومة تتعلق بانتصار أو تمرير خطاب سياسي أو التعبير عن رفض.
لقد اختلفت النظرة إلى الكتابات الحائطية باختلاف الرؤى والتوجهات وتوحدت كلها في اعتباره نتاج مجموعة من العوامل المتداخلة والمتضافرة التي لا ترتبط بالضرورة بعلاقات سببية، بقدر ما ترتبط بالمتغيرات الكثيرة التي باتت تتدخل في شكل عيش الإنسان اليومي، ومنها تحديث الحياة والرغبة في التعبير عن مواقف معينة في ظل غياب ثقافة الحوار ومنابر تحتضن الشباب.
أحمد الزعواني