تذكر أنك تلقيت الأمر كمزحة. كنت قد سمعت الليلة السابقة بالخبر بالمقهى، لكنك لم تتصور أن تكون سوسن منهن ولا أن تصاب أنت بالذات. وحدهم أصدقاؤك واجهوك بالحقيقة دون قناع. أصدقاؤك الذين طالما سخرت من عفتهم. الآن تدفع ثمن انطلاقك مع سوسن. كانت الجامعة مقلوبة رأسا على عقب، وصدى الحدث يلعلع في جرائد الصباح "ست طالبات من الحي الجامعي ألقي القبض عليهن يمارسن الدعارة واكتشف أنهن مصابات بالسيدا". انهارت الأرض تحت قدميك وأنت تلقى خبر القبض على سوسن من أصدقاءك. فهذا يعني شيئا واحدا أنت مصاب بالمرض الخبيث فلا مرة أخذت احتياطاتك معها . كالمسعور أخذت تنطح جدران الغرفة المشتركة في الحي الجامعي حتى أوقفك أصدقاءك لئلا تؤذي نفسك أكثر، وعالجوا جرح رأسك. شخص آخر كان سيبتعد عنك كالوباء لمرأى الدماء.
بعد أن هدؤوا روعك، وتجاوزت نوبة الجنون التي أصابتك،إقترحوا عليك عمل تحليل دم لتتأكد بشكل قاطع. كانت التحاليل بالمقابل في ذلك الوقت، وكانت منحتك الطلابية ، بالكاد ، تكفي معيشتك ومصاريف الدراسة لكن أصدقاءك ، وبسخاء ليس جديدا عنهم ، ساهموا معك لجمع مبلغ التحليل. بل ورافقوك في اليوم التالي إلى المركز مخافة أن تنتابك نوبة جنون أخرى وتعجل بنهايتك. وفي مركز مكافحة داء السيدا ضربوا لك موعدا بعد ثلاثة أيام لتسليم نتيجة التحليل. ثلاثة أيام عشتها فوق نيران مستعرة، لم يغمض لك فيها جفن والموت على لسانك كل ثانية، كل لحظة. استرجعت ذاكرتك كل ما سمعته عن الوباء الفتاك. كل الحكايات الرهيبة التي لم تؤثر فيك ساعتها، صارت الآن مطارق تدق في رأسك وخناجر تمزق صدرك. كل ما قرأته في الجرائد عن معاناة المرضى المنبوذين وسط مجتمع لا يرحم، مجتمع يعاملهم كجيفة لا تستحق أدنى شفقة أو رحمة ولا يجب بأي حال الإقتراب منها، مجتمع جاهل متخلف قشرته عصرية، ولبابته تقليدية. سيطردك أبواك من المنزل. سيتنكران لك، ويعتبرانك زانيا وعاقا. في المستشفى ستعامل كمجرم، كحشرة وضيعة. ستسغلك الجمعيات كغيرك من المرضى لتلقي أموال الدعم والتبرعات، ثم يرمون لك فتات الفتات. سترهقك كثرة الأدوية، ومصاريفها المرتفعة. لن تقبل في الجامعة. ولن تحترم سرية مرضك. سيبتعد عنك الطلبة كالوباء. وفي الأخير ستجد أن الإنتحار أرحم لك من حياة كتلك الحياة.
حين وصل تفكيرك لتلك النقطة في الليلة الأخيرة قبل موعد النتيجة كنت قد عزمت على إنهاء حياتك بطريقة ما. فقط ليلة واحدة. وفي الصباح ذهبت باكرا متسللا ، وقد قررت أن ترمي بنفسك في السكة القريبة بعد زيارة المركز مباشرة. حين ناولتك الممرضة المظروف الأصفر، أخبرتك انه عليك أن تذهب به لخبير نفسي في المكتب المجاور مهمته أن يقلل من وقع صدمة تلقيك النتيجة. تذكر أنك انتزعت المظروف من بين يديها بعنف ومزقته بلهفة، قرأت الورقة وصرخت :
- لست .... مريضا ... بالسيدا
ترددت صيحاتك وأنت تخرج من المركز جاريا غير مصدق، لم تشعر بالوقت وأنت تدخل على أصدقاءك والفرح يتفجر فيك، لتجدهم يعرفون الخبر قبلك. وصارحوك بأن سوسن لم تكن ضمن الفتيات الذين تم القبض عليهن لكنهم أرادوا تنبيهك فحسب بأن هذا كان من الممكن أن يحصل لك. وقتها تمنيت لو تشبعهم ضربا ، لو تسبهم سبابا فظيعا. لكنك لم تفعل. ففرحك بحياتك في تلك اللحظة. كان أقوى.