الضحية
اجتثني من أرض طيبة ، أرض قسا عليها الجفاف ،حتى أصبحت جدباء .وضعني في كأس كبير ، أشرب منه ودون أن أحس بالظمأ حتى أصبح دم عروقي نبيدا. كنت كلما انتفضت لأنعتق من الكأس،قلم أظافري. أحسست باليأس والضياع جاثما على أنفاسي .
مرت أربع سنين فبدأت أذبل في نظره ؛وبكل بسلطة نبس في أذني بكلمة ورماني مطلقة في جلبات الطريق ، لا أرض تنغرس فيها جذوري ولا شمس تزودني بالدفء والطمأنينة. فكرت في الرجوع إلى منبتي الأول ، لكن كلمة البيع كانت تنقر في أذني، خشيت أن أساق إلى سوق التبن لأصبح علفا للحمير ، فاستجمعت قواي ونهضت رغم ألمي الدفين، ومشيت في تلك الليلة المظلمة بضع خطوات ، في شيء من الوجوم ، وفجأة وقف بجانبي شاب وسيم يرتدي ثياب فراشة ، يرقص بكلامه المعسول ، شعرت بالبهجة والانشراح ، وغمرتني نشوة ، وبدأ القلق يراودني ؛ خفت أن يرشف ما تبقى لي من رحيق .كنت أسير بحذر ودون اتجاه ، ملكتني الأنوثة ولم أتمالك كياني . كل شيء هادئ إلا نبضات قلبي السريعة . وفجأة وجدت نفسي داخل مزهرية ، تداعبني يد تفرعت إلى أياد.
مضت ثلاث ليال و أنا على هذه الحال، فاستطعت أن أفر .فابتعدت عن المكان ، ولم أعد أقوى على السير ، توكأت على جذع شجرة ، تجلس بالقرب منها زمرة من الخلق ، مما يطلق عليهم اسم "حثالة المجتمع".أشارت إلي إحداهن بالجلوس ، وناولتني كأسا من الكحول، ترددت في أخذه برهة ، فانحنيت عليه ، عسى أن ينسيني ألم الجوع وطعنات بني البشر ... نمت مغطاة بالسماء ، وفي الصباح استيقظت على أصوات المارة . طلبت من زميلاتي قلما وورقة ، وطفقت أكتب قصتي هاته لتكون بصمة عار على أمتي ؛ ولتنشر في الصحف والمجلات ، ومشيت في طريق مظلم...