سئمت من كل لغات العالم. حروفها تقف بنظام وانتظام وتتصل ببعضها البعض بحروف أخرى تقف بدورها في الطابور. لكل وظيفته ولكل مكانته. الذكور في أماكنها والإناث في أماكنها, الاتصال في السطور والمعنى في السطور.
لغتنا ليست كباقي اللغات. ليس هناك طابور. الحرف مذكر والحروف مجتمعة إناث. المعنى والمغزى والتعبير بارتماء الحروف في أحضان الحروف...لغتنا إذن لغة ****ية بامتياز, في الشكل طبعا لكي لا اغضب أي أعرابي غيور. كانت لغة الأعراب, كانت حريما لشعراء القبائل؛ ثم أصبحت لغة الضاد ليس لأنها الوحيدة التي تنطقه بل لأنها لغة الضد...الركض...النقض...الضرب والعض و ....
أصبحت فيما بعد لغة القران. تم تقديسها تفاديا لتدنيسها. الكتاب المقدس ابهر بجماليتها وانسياب نغماتها ورحابة فضاءها. لكنها مع ذلك بقيت ****ية رافضة للطابور وانتظام الحروف إناثا وذكور. فجاء الشعراء فالبسوها شتى أشكال السطور والبحور, رموا الإناث في أحضان الإناث وحتى الذكور في أحضان الذكور و بعثوا مدينة لوط في سطور منتشين بكل الخمور فاضحين كل مستور يحجب وقوف امتنا في آخر الطابور أضحوكة لكل فاسق كفور. ولازالت حروفنا في أحضان حروفنا, لا ملل ولا نفور.
هذه خاطرة لا اقل ولا اكثر. لا تنم عن موقف من لغتنا الغنية الغالية. انما هي تامل في شكلها, اذ هي اللغة الوحيدة التي لا يمكن كتابة ولو كلمة واحدة بحروف منفصلة كما هو الشان في باقي اللغات.