مالكة..............محمد محضار - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

الصورة الرمزية mahdar
mahdar
:: دفاتري ذهبي ::
تاريخ التسجيل: 27 - 12 - 2007
السكن: خريبكة
المشاركات: 2,140
معدل تقييم المستوى: 420
mahdar يحمل عنوان التميزmahdar يحمل عنوان التميزmahdar يحمل عنوان التميزmahdar يحمل عنوان التميزmahdar يحمل عنوان التميزmahdar يحمل عنوان التميز
mahdar غير متواجد حالياً
نشاط [ mahdar ]
قوة السمعة:420
قديم 21-08-2011, 14:32 المشاركة 1   
افتراضي مالكة..............محمد محضار

مالكة..............محمد محضار
كانت شمس الظهيرة ترسل أشعتها الملتهبة، والنسوة مجتمعات في "العين" وقد انصرفن إلى تصبين بعض البطانيات والأثواب الوسخة، وهن يرددن أهازيج محلية، وعلى بعد خطى انتصبت قبلة الولي الصالح سيدي محمد بلبصير(1) بلونها الأبيض، وقد حط على سقفها سرب من الحمام انساب هديله يملأ رحابة المكان، وتحت ظل كرمة مديدة العروش افترش بواب الضريح نصف حصير مهترئ ويمم وجهه نحو باب القبة، وقد زاغت عيناه المعمشتان، وسكنت يداه النافرتا العروق وبدا في جلبابه الأسود كصخرة جامدة.
عند ناصية الطريق الزراعي لاحت مالكة بثوبها الوردي الوسخ، وصندلها القديم الذي زار إسكافي الدوار أكثر من مرة، وقد بدا وجهها الصغير المدور غارقا في سبحات الوجوم، كانت قدماها الصغيرتان ترسمان خطى متخاذلة وعيناها الذابلتان تستحمان في موج الحزن وهي تتقدم في إتجاه الضريح وحين مرت بالقرب من البواب ألقت إليه بتحية خافتة، رد عليها بإبتسامة، وما عتمت أن دلفت داخلة إلى قبة – الولي بعد أن تركت صندلها عند عتبة الباب، اقتربت من التابوت المكسو بالثوب الأخضر ثم جلست وأدخلت رأسها الصغير ذي الجدائل المعصوقة إلى الخلف، تحت ثوب التابوت ولثمت خشبه ثم استندت إليه وأجهشت باكية.
تناثرت الكلمات من فمها مرتعشة وهي تتوسل "للولي" !! وتترجاه تخفيف عذابهاو آلامها، فقد شقت بما فيه الكفاية وشربت كؤوس اللظى حتى الثمالة، ولم تعد قادرة على المزيد من ظلم الحياة. قبل لحظة من حضورها إلى الضريح كانت قد انتهت من أشغال البيت الشاقة، نظفت الزربية من روث البهائم، وقدمت العلف للبقرة، والحب للدجاج ثم غسلت أواني المطبخ، وبيضت بلاط غرف الدار الثلاث، نفضت الغبار عن الأثاث وطوت "البطانيات" والملاءات وأخيرا أكلت ما جادت عليها به زوجة أبيها من فضلات، وبعد حين من الآن عليها أن تذهب إلى دار الشيخ لتساعد زوجته كالمعتاد فتلك رغبة والدها وزوجته وهي لا تملك سوى السمع والطاعة.
اجتاح حواسها صمت رهيب وانتابتها رعشة خوف، راحت تكبر داخلها حتى استحالت إلى بحر هائج مضطرب وتدفقت ينابيع الماضي بين تعاريج ذاكرتها تبعث الحياة في كيان ذكرياتها الدفينة.
أين هي اليوم...من الأمس؟؟ !! فقبل سبع سنوات من يوم الناس هذا كانت تنعم بدفء وحنان أمها، وكانت الحياة ذات نكهة ولذة... وكان للنهار حلاوة، ولليل طراوة، وكان للفجر أنسام، وللسحر شذى، كانت يومها لغة الحياة هي السعادة وكان والدها على العكس منه اليوم أبا حقيقيا يغمرها بنبع حبه الصافي.
لكن سرعان ما هبت عواصف الأيام على دنياها الجميلة، ولم تبق وتذر منها إلا الهشيم، وإذا بالسماء حولها خرساء مظلمة والأرض ناتئة متعرجة لا تستقيم تحت قدميها. كان ذلك ذات مساء شتوي حين عادت إلى البيت من مدرستها، وجدته مقلوبا رأسا على عقب. "مصيبة وقعت ما في ذلك شك" هذا ما أوحاه لها منظر النسوة والرجال المتواجدين بكثرة في باحة البيت وقد علت وجوههم طبقة سميكة من الحزن "أمك يا بنيتي.. أمك المسكينة داهمها جمل ولد المكي وهي تحلب البقرة أمام البيت، كان الملعون هائجا و"كشاكش" الغضب تتدفق من شدقيه، ولولا أن أدركها بعض الرجال لفتك بها، لقد نقلوها في سيارة الشيخ إلى المدينة.." بهذه الكلمات قابلتها جدتها لوالدها وعيناها تطفران بالدموع.
انطلقت داخلها صرخة ألم، وتساقطت الهواجس العملاقة على رأسها الصغير، لم تعد تدرك ما يدور حولها.. ضباب كثيف يغشى عينيها، وحزن عميق يحطم كيانها. لما عاد والدها صحبة الشيخ وولد المكي في ساعة متأخرة قال:"إنهم لم يفعلوا شيئا من أجلها.. قالوا لنا اذهبوا.. الطبيب لن يحضر إلا صباح الغد، يبدو أن حالتها خطيرة جدا".
في اليوم التالي ترجت والدها أن يصطحبها معه لرؤية أمها فوافق بعد طول جدل وحين دخلت إلى الغرفة حيث ترقد هذه الأخيرة اعترتها رعشة شديدة وفرت الدموع غزيرة من عينيها.
بعد شهر من الحادث عادت أمها إلى البيت عاجزة لا تقوى على الحركة، فقد أصيبت بكسر في العمود الفقري، حكم عليها بموجبه بالعجز الأبدي، وانقضى ردح من الزمن، فإذا بسلوك والدها يتغير كلية فهو غاضب باستمرار يلعن ويسب ويشتم لأقل سبب.. ويغيب عن البيت بكثرة حتى ذات يوم قال:"أنا لم أعد قادرا على هذه "العيشة" سأتزوج لابد أن أتزوج". وردت عليه جدتها غاضبة: "لن تفعل هذا وأنا على قيد الحياة.. لن تدخل الضرة على ابنة أخي"، أما أمها المرمية في ركن منبوذ من البيت فلم تقل شيئا، كانت تعلم أنها لم تعد تصلح واستبدالها أصبح ضروريا، ولم تجد أمامها إلا السماء ترجوها أن تمن عليها بالرحيل إلى العالم الآخر حتى ترتاح وتريح وكان لها ما أرادت ففي ليلة صامتة مظلمة أسلمت الروح وانتهت مسيرة عذابها. لم يكد تراب قبرها يجف حتى توقف قلب الجدة العجوز عن الخفقان ولحقت بها إلى حيث "سيذهب الجميع"، وخلا الجو لوالدها فتزوج أرملة العسولي فقيه الدوار الذي قضى منذ سنة، لم تكد هذه الأخيرة تضع قدميها في البيت حتى كشرت عن أنيابها وكشفت عن ميولها العدوانية وروحها الاستبدادية، وسرعان ما احتوت الأب، فصار أرجوزا بين يديها تحركه كما تريد وما عتمت أن التفتت إلى مالكة فصبت جام حقدها عليها، وكانت البداية بحرمانها من الدراسة وبعدها إثقال كاهلها بأشغال البيت الشاقة ثم إرغامها على العمل بدار الشيخ بعد الزوال من كل يوم، كانت زوجة أبيها ساحرة آثمة فقد رأتها أكثر من مرة تطمر التمائم والتعاويذ في الوسادة التي ينام عليها والدها وتضع المحاليل الغربية في أكله وشربه، ولم تكن تستطيع إزاء ذلك إلا الصمت فهذا قدرها وقدر والدها.
تابت مالكة إلى نفسها حين دقت الساعة المعلقة في منتصف جدار الضريح معلنة الثانية بعد الزوال، فموعد ذهابها إلى دار الشيخ قد حان وعليها أن تستحث الخطى حتى لا تعنفها زوجته.









[SIGPIC][/SIGPIC]rs5 mahdar rs5
آخر مواضيعي

0 شمس الحب .........محمد محضار
0 خريبكة 1 المدينة الحلم
0 غربان الجزيرة محمد محضار
0 يوم ظننت أنك حبيبتي محمد محضار
0 حبل الكدب محمد محضار
0 شهوة الفرح .............محمد محضار
0 لحظات حرجة................محمد محضار
0 زمن التفاصيل...............محمد محضار
0 سيد الأكوان............محمد محضار
0 فاقد الشيء....................محمد محضار

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مالكة..............محمد, مالكةمحمد, ميضار

« عشق ممنوع......هي.... | السور الذي يعبر المدينة »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صباح الصمت.............محمد محضار mahdar النثر والخواطر 5 08-11-2011 08:49
ق ص ج: العصفور الحزين.................محمد محضار mahdar القصص والروايات 1 06-07-2011 14:56
ليل حزين..................محمد محضار mahdar القصص والروايات 1 26-06-2011 17:12
مرض الرحيل ....................محمد محضار mahdar القصص والروايات 0 24-06-2011 19:32
حكايات .الطفولة...........محمد محضار mahdar النثر والخواطر 2 17-06-2011 11:31


الساعة الآن 03:37


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة