بعض الوسائل المعينة على الاستيقاظ لصلاة الفجرعبد الرحمن بن صالح السديسالحمد لله الحليم الكريم رب العرش العظيم ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وسلم تسليما أما بعد :ففيأيام الصيف هذه يشهد كثير من المساجد انحسارا شديدا ، وفي أعداد المصلينفي صلاة الفجر ؛ لقصر الليل ، ووقوع كثير من الناس في السهر المفرط ...حتىإن كثيرا من الأخيار بلوا بهذا ، ومنهم بعض الأئمة والمؤذنين ، وهؤلاءأمرهم أعظم ؛ لتعلق الأمانة بهم ، وتأثير تقصيرهم على جماعة المسجد .وفضل صلاة الفجر ، والجماعة كبير ، والتفريط فيها خطير ، ولو لم يرد سوى هذين الحديثين لكفى وهما :عنعثمان رضي الله عنه عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من صلىالعشاء في جماعة ، فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة ،فكأنما صلى الليل كله » . رواه مسلم .وحديثأبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أثقل صلاةعلى المنافقين صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيها لأتوهماولو حبوا ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ،ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار » . متفق عليه .وأضع بين يدي هذه الوسائل هذه القصص ، والمواقف لبعض السلف والعلماء = لنرى كيف كانت عنايتهم بالفرائض ، واهتمامهم بها :الأولى :في مصنف عبد الرزاق 1/526 :عنمعمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله قالت : «دخل عليَّ بيتي عمر بن الخطاب ، فوجد عندي رجلين نائمين ، فقال : وما شأنهذين ما شهدا معي الصلاة ؟قلت : يا أمير المؤمنين صليا مع الناس وكان ذلك في رمضان فلم يزالا يصليانحتى أصبحا ، وصليا الصبح ، وناما ، فقال عمر: لأن أصلي الصبح في جماعة أحبإلي من أن أصلي ليلة حتى أصبح » .الثانية :مصنف عبد الرزاق 1/527 :عنعبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : « كان إذا شهد العشاءالآخرة مع الناس صلى ركعات ثم نام ، وإذا لم يشهدها في جماعة أحيا ليله ،قال أخبرني بعض أهل معمر: أنه كان يفعله ، فحدثت به معمرا قال: كان أيوبيفعله » .الثالثة :قال أبو نعيم في حلية الأولياء 9/12 :حدثناأحمد بن إ**** ، ثنا عبدالرحمن بن محمد ، ثنا عبدالرحمن بن عمر ، حدثنييحيى بن عبدالرحمن بن مهدي: أن أباه قام ليلة وكان يُحيي الليل كله ، فلماطلع الفجر رمى بنفسه على الفراش ، فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ،فقال : هذا مما جنى عليّ هذا الفراش ، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض وجلده شيئا شهرين ، فقرح فخذاه جميعا .الرابعة :قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 10/320 :أخبرنامحمد بن أحمد بن رزق قال: سمعت أبا القاسم علي بن الحسن بن زكريا القطيعيالشاعر قال: سمعت أبا القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي يقول: سمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول: لم تكن تكاد تفوتني صلاة العتمةفي جماعة ، فنزل بي ضيف فشغلت به ، فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة ،فإذا الناس قد صلوا ، فقلت في نفسي : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهقال : « صلاة الجميع تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة» ، وروي « خمسةوعشرين درجة » ،وروي « سبعا وعشرين » فانقلبت إلى منزلي فصليت العتمة سبعا وعشرين مرة ،ثم رقدت ، فرأيتني مع قوم راكبي أفراس ، وأنا راكب فرسا كأفراسهم ، ونحننتجارى ، وأفراسهم تسبق فرسي ، فجعلت أضربه لألحقهم ، فالتفت إلي آخرهم ،فقال: لا تجهد فرسك فلست بلاحقنا !قال فقلت: ولم ذاك ؟ قال: لأنا صليناالعتمة في جماعة .الخامسة :قال أبو نعيم في حلية الأولياء 6/183 :حدثناإبراهيم بن عبدالملك ثنا محمد بن إ**** ثنا قتيبة بن سعيد ثنا مروان بنسالم القري ثنا مسعدة بن اليسع بن قيس الباهلي عن سليمان بن أبي محمد ثناغالب القطان أن أناسا أتوه في قسمة ميراث لهم ، فقسمه معهم يومهم أجمع ،حتى إذا أمسى آوى إلى فراشه ، وقد لغب ، فاتكأ على مسجد له ، فغلبته عينه، فأتاه المؤذن يثوب ، قالت له المرأة: ألا ترى المؤذن يرحمك الله يثوبعلى رأسك ؟ !قال:ويحك ذريني فإنك جاهلة بما لقيت اليوم ، قال: فثوب مرارا ، والمرأة كل ذلكتبعثه ويقول لها ذلك ذريني حتى انتصف الليل ، فقام فصلى ، فلم يذكر كم صلى الإمام، ولا عرفه ، فأعاد المكتوبة أربعا وعشرين مرة ، ثم أخذ مضجعه ، فرأى فيمايرى النائم أنه ينطلق من منزله إلى كربجة (1) ، فوجد في الطريق أربعدنانير ، ومعه كيس فيه ثلاثة أبواب فطرح الدنانير في باب من تلك الأبواب ،قال : فلبثتغير كثير فإذا الدنانير ينشدها من يذكر الدنانير الأربعة رحمك الله مرارا، قال: فجعلت أتغامس عنه ، ثم دعوته بعد ذلك ، فقلت : يا صاحب الدنانيرهذه دنانيرك ، فذهبت لأفتح الكيس لأعطيه الدنانير فإذا الكيس قد تخرقوذهبت الدنانير !فقلت: يا صاحب الدنانير إن دنانيرك قد ذهبت فخذ شراءها ، فضبط بناحية ثوبي ،وقال: لا أقبل إلا دنانيري بأعيانها ، فاستيقظت ، وهو آخذ بناحية ثوبي ،فغدوت على ابن سيرين فقصصت عليه ، فقال : أما إنك نمت عن صلاة العشاء الآخرة ، فاستغفر الله ، ولا تعد لمثلها .قالسليمان ، وأخبرني غالب القطان قال : ثم ابتليت بمثلها ، فاتكأت على ذلكالمسجد فإذن المؤذن ، وثوب كل ذلك تبعثني المرأة الصلاة يرحمك الله فنمتإلى الحين الذي نمت فيه المرة الأولى ، فقمت فصليت نحو ما صليت المرةالأولى ، ثم أخذت مضجعي ، فرأيت أني وأصحابا لي على بغال شهب هماليج ،وأناس قدامنا على الإبل نيام في المحامل على فرش وطئة تحدوا بهم الحداة ،وهم على رسلهم ، وأنا وأصحابي مجتهدون على أن نلحقهم حتى بلغ جهدنا ،فنادينا : يا معاشر الحداة مالنا على البغال الهماليج ، وأنتم على الإبلعلى رسلكم ، ونحن نجتهد فلا ندرككم ؟ !فأجابتناالحداة : إنا قوم صلينا في جمع صلاة العشاء الآخرة ، وأنتم صليتم فرادىفلن تلحقونا ، قال فغدوت على محمد بن سيرين ، فحدثته ، فقال: هو كما رأيته ...حدثناعبدالله ابن محمد بن جعفر ثنا عبدالله بن محمد بن عمران حدثني عمي أيوب بنعمران قال حدثت عن غالب القطان قال : فاتتني صلاة العشاء في جماعة ، فصليتخمسا وعشرين مرة أبتغي به الفضل ، ثم نمت فرأيت في منامي كأني على فرسجواد أركض ، وهؤلاء في المحامل لا ألحقهم ، فقيل : إنهم صلوا في جماعةوصليت وحدك .اه[ وللخبر روايات أخر تجدها في ترجمته من الحلية .]السادسة :في كتاب «جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز» ص79 :فييوم من الأيام كان سماحة الشيخ على موعد بعد صلاة الفجر ، فلم يصل فيالمسجد ، وذهبنا بعد الصلاة إلى منزل سماحته ، وانتظرناه ، وقلقنا عليه ،فخرج علينا ، وسألنا عن الوقت ، فأخبرناه بأن الجماعة قد صلوا .وكانرحمه الله متعبا في الليل ، ولم ينم إلا في ساعة متأخرة ، وبعد أن قامللتهجد اضطجع فأخذه النوم ، ولم يكن حوله أحد يوقظه ، أو يضبط له ساعةالمنبه ، وبعد أن علم أن الناس قد صلوا صلى ، وقال للأخوين الزميلين الشيخعبد الرحمن العتيق ، والأخ حمد بن محمد الناصر : هذه أول مرة تفوتني صلاةالفجر !قلت:رحمهم الله ، هكذا كانوا في الاجتهاد في العبادة ، ومحاسبة النفس عند أدنىخلل ، فزكت نفوسهم ، وعلت هممهم ، وبقي ذكرهم لمن بعدهم ..فياليت شعري : من تفوته الصلاة هذه الأيام هل يحس بشيء من ذلك ؟ !من طلبة العلم ، والصالحين من يتخلف عن صلاة الفجر مرارا ، وتكرارا ، مع أنه لم يحيي الليل ، ولا عشره ، بل ولا عشر عشره !ثم لا يتألم ؟ و لا يحزن ؟ وكأن شيئا لم يكن ؟ !بل إنك ترى بعضهم قد أصبحت عنده عادة مستمرة يغيب مرة ، ويحضر مرات ، وإن حضر فمن آخر الناس حتى أصبح محل استغراب ، وريبة من العوام !وهذاجانب آخر من جوانب هذه المشكلة ، فهذا الفاضل عندهم لا يوثق بكلامه ، ولاعلمه ، ولا نصحه من هؤلاء العامة ، وقد حدثت أن رجلا من العامة كان يعالجأبناءه على صلاة الفجر ، فأغلظ على أحدهم مرة في إيقاظه ، فقال الولد : [بالعامي] ( لا تشغلني رح انصح المطوع أول ! ) وكان إمامهم كثير التخلف عن صلاة الفجر[size=21] .