اختلاف منطق المعرفة عن منطق التعلم
عندما تصنف محتويات المادة الدراسية ومعارفها، يطرح علينا مشكل المنطلق الذي سنعتمده في إجراء التصنيف، وذلك لأن منطق المعرفة مختلف في طبيعته عن منطق المتعلم. إلا أننا قليلا ما نعي أن الترتيب الذي اكتسبنا به المعارف من المصادر أو خلال تكويننا يختلف أصلا، عن المنطق الذي يمكن التلاميذ من اكتساب المعارف.
إن منطق المعرفة خاص بالتنظيم الذي تأخذه بنية المادة في مصادرها، وعند العلماء، أما منطق المتعلم فسيكولوجي يتعلق بالآليات التي يستخدما لاكتساب المعرفة ومعالجتها.
ويقدم راونتري أمثلة عن ذلك قائلا: "من الطبيعي أن نبحث عن نوع من النظام المنطقي أثناء تناولنا الموضوعات والأفكار التي سيعالجها (التلاميذ) ولكن المنطق الذي يجب أن نبحث عنه هو المنطق الذي يؤكد حدوث التعلم، وقد لا يكون هو نفس المنطق الذي يبدو منظما أو مرتبا في نظر شخص آخر يعرف المادة الدراسية. نحن نحتاج إلى منطق التلميذ لا منطق المعلم.."
ويضيف الباحث قائلا: "الواقع أن هناك دائما تضاربا بين النظام المنطقي والنظام النفسي. إن النظام النفسي المرضي يبدأ دائما من المعقد إلى البسيط، ومن الكل إلى الجزء لا من العكس وهو المنطقي، ولذا تكون معلمة الموسيقى أكثر إنتاجا إذا جعلت الطالب يعزف لحنا بسيطا في الدرس الأول، لا أن يبدأ بالميزان والنغمات، وتدريب الأصابع، وسيستفيد الطالب الذي يتعلم نظرية الطيران من معرفة أجهزة التحكم في الطائرة قبل أن يتعلم نظرية الطيران نفسها. إن الاعتبارات النفسية تطغى على الاعتبارات الزمنية حتى في الدراسات التاريخية، حيث يفضل الطلاب أن يدرسوا الظاهرة بادئين بها في وقتها الحاضر راجعين إلى الوراء....[1]
تقدم هذه الأمثلة دليلا على اختلاف منطق المادة عن منطق المتعلم، وهو اختلاف يقود إلى تأكيد فكرة أساسية وهي أن التفكير في المادة الدراسية غير منفصل عن التفكير في استراتيجية التعلم؛ أي الآليات التي يستخدمها المتعلم في معالجته لموضوع المعرفة واكتسابه. ولكي نقرب فهم الظاهرة نقدم المثال الآتي:
إذا أردنا تدريس ظاهرة التساقطات المطرية فإن التسلسل المنطقي للمعرفة العلمية يتم على المنوال الآتي:
- التبخر: تحول مياه البحار والبحيرات والأنهار إلى بخار بسبب ارتفاع درجات الحرارة
- التكاثف: تحول بخار الماء إلى حبيبات دقيقة في شكل سحب.
- كبر حجم الحبيبات يؤدي إلى سقوطها مطرا.
يمكن في هذا الصدد اختيار التسلسل الآتي:
- إثارة الفضول: لماذا يسقط الماء من السماء مطرا؟
- هل السحاب الذي في السماء عبارة عن ماء؟
- من أين يتكون السحاب؟
.....(وأسئلة أخرى)
إن اختيار أحد التسلسلين ذو أثر على الشكل الذي ستلقن به المعلومات. فإذا كان الاختيار مبنيا على منطق شرح الظاهرة علميا، فإن اكتساب التلاميذ لها سيعتمد على معرفتها عبر شروح، ثم بذكر تسلسل الظاهرة منطقيا من خلال علاقة السبب بنتيجته.
بينما يمكن اختيار المنطق المقلوب على أساس التفتح على نشاط المتعلم، وتنشيط ذهنه للملاحظة والتفكير، مما يجعله يحس بتلك اللذة التي ترسخ المعارف، وهي لذة البحث والاستقصاء والاكتشاف.
وإذا كان محتوى المادة يصنف وفق منطق استراتيجية التعلم، فإن هذا يعني أن هناك تسلسلا معينا في مسار اكتساب المحتويات. ومن هنا يطرح مشكل ثان. وهو معرفة موقع المتعلم في هرم التعلم.[2]
إذا كانت حقول المعرفة تتغير وتتنوع فإن ذلك يعني أن مداخل تنظيم المعرفة في خطة الدرس تختلف بحسب نمط المعرفة ونوعها.
وانطلاقا من التصنيف المقترح أعلاه نقدم المثال الآتي:
- إذا كان الهدف هو تعليم أحداث تنظم المعرفة، على سبيل المثال، وفق التسلسل الزمني للحدث (ولادة الأديب، طفولته، شبابه) أو وفق علاقة الأسباب بمسبباتها. (تطور الصناعة الأوربية ←بروز الحركة الاستعمارية).
-و إذا كان الهدف هو تعليم مبدأ من مبادئ اللغة أو الرياضيات، فإن النهج الاستقرائي أو الاستنباطي يشكلان اختيارين من ضمن الاختيارات الممكنة.
[1]- تحضير الدرس وتخطيط عمليات التعليم والتعلم، عبد اللطيف الفاربي، ص 95.
[2] - حمدان محمد زياد: المنهج المعاصر ص 127.