الانتخابات والامية والمجتمع المدني
لقد استطاعت البشرية وبعد تاريخ من النضال المشترك أن تأسس لنفسها مبادئ وقواعد تحصن بها حقوق الأفراد داخل المجتمعات وكانت الديمقراطية التي تظل هدفا ووسيلة في الآن ذاته لتحقيق رفاهية البشر وطمأنينته احد هذه الانجازات التي صارت على طرف كل لسان وصارت معايير ترسيخها ومركزنها في ملف الانشغالات اليومية للمواطن احد الانشغالات التي تلازم المدافعين عنها وتعد الانتخابات احد المشاهد التي تجسد أو التي ينبغي أن تجسد معنى الديمقراطية لكن هل يكفي أن نقول أن عملية الانتخابات هي مشهد من مشاهد الديمقراطية والية من آلياتها وبارومترا لقياس الوفاء بها من طرف الدول والحكومات دون أن نمعن النظر إلى أولئك الدين يمارسون هذه العملية ومنطلقات ممارساتهم لها ودوافعهم في ترجيح كفة مرشح دون آخر ؟ وهل هو فعلا مخلص لروح العملية الانتخابية كما هو متعارف عليها ؟وهل نحن محتاجين لعمل ما لكي نحسن أداءنا للعملية الانتخابية أو بشكل مختصر هل نحن متمكنين من الفهم الدقيق لمعنى الانتخابات كمنتخبين مفترضين ؟
طرقنا لهذا الموضوع يأتي على خلفية استعدادنا جميعا للاستحقاقات الانتخابية الجماعية ليونيو القادم وما يطرح من نقاشات حول المعايير التي يعتمدها عموم المواطنين في اختيار مرشحيهم ومدى استحضارهم للب مفهوم الانتخاب فإذا كانت الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية وقوة البرنامج وتميزه هي الأعمدة التي ينبغي أن ترتكز عليها خيارات المواطنين- الموجهين إلى صناديق الاقتراع - لمنتخبيهم فان ذلك يبقى نظريا فقط على اعتبار أن قسما عظيما من المنتخبين ينجاوز 50 في المائة لا يستحضر هذه الاعتبارات هذا الغياب يستغله عدد من المرشحين لظفر بتمتليتهم وهو ما يجعل أيضا محاسبة المرشحين أمر غير ذي جدوى على اعتبار أن الاختيار لم يكن يرتكز على ركائز صحيحة تستحضر الوفاء من عدمه وإنما ترتكز بالأساس وللأسف الشديد على أمور بعيدة كل البعد عن ما ينشده المدافعين عن هذه العملية كشكل ديمقراطي لاختيار ممثلي الشعب فالقرابة والصداقة والنفوذ واللون والعرق هي مرتكزات الاختيار أما البرامج والجدية والكفاءة والمسؤولية فلا يعيره احد أي اهتمام وهذا الأمر هو إفراز لطبيعة للوضع السوسي ثقافي للمصوت او المنتخب فمعظم المتوجهين لصناديق الاقتراع هم أميين لا يفهمون في العملية الانتخابية سوى صعود أشخاص ونزول آخرين مما يخل بالمعنى الحقيقي للانتخابات فالأمية إذن التي لازالت تعشعش في أوساط النساء والشباب سواء في شكلها الأبجدي أو السياسي بحجم اقل هما اللذان يجعلن تكرار التجارب الفاشلة مستمرة حتى الآن .
إن العملية الانتخابية لا ترتبط بمواسيم الانتخابات التي تحددها وزارة الداخلية كما يفهم البعض وإنما هي سيرورة تبتدىء قبل يوم الاقتراع ولا تنتهي إلا بعد الاستعداد لاستحقاق ثاني لتبدىء من جديد وتكون فيها محاسبة الشخص وتقييم مدى وفائه لبرنامجه ووعوده المطروحة أثناء عملية الدعاية ومن المفروض ايضا أن يسبق هذا التقييم النهائي الذي سيكون على أرضيته تجديد الثقة فيه مرة ثانية او معاقبنه باسقاطها عنه ومنحها لآخر مؤهل لها أن يسبقها تقييمات مرحلية على طول الانتداب أن هذا التحدي المتمثل في الإخلاص لجوهر العملية الانتخابية المبني على القواعد العقلانية الصحيحة يطرح أسئلة كبرى حول دور المجتمع المدني المغربي في تصحيح رؤية الناخبين وفهمهم للعملية الانتخابية وذلك من منطلق انه احد الاطراف المهتمة بالشأن العام والذي يدخل في صلبه تغيير العقليات والسلوكات التي تنتج نفس الصور القاتمة ومنها هذه القضية على اعتبار أن أي قصور في فهم العملية الانتخابية سيؤثر سلبا على العملية التنموية في ما بعد مرحلة اختيار المرشح وهو موضوع -دور المجتمع المدني في تصحيح فهم الانتخابات .