تثيرني ظاهرة غريبة في مجتمعنا و مستشرية بشكل رهيب. ..إنها ظاهرة " انتقاد الآخر "وهذا الآخر قد يكون هو الجار أو الأبناء أو الزملاء في العمل أو المسؤول. أو حتى الظروف..
ما أن تشرع في الحديث مع أحد الأشخاص حول أمر ما أو مشكل من مشاكل الحياة اليومية كالتلوث على سبيل المثال أو تراجع المستوى التعليمي أو ارتفاع عدد حوادث السير..أو غيره من المواضيع المرتبطة بحياة الفرد حتى تنطلق الانتقادات والمؤاخذات في اتجاه الآخرين ..
فالآخر دائما هو المفرط وهو المخطيء..هو الذي لم يحسن العمل ..
فالأستاذ يتذرع بكون التلاميذ لم يدرسوا في المستويات السابقة ويظل البعض من رجال و نساء التعليم يردد هذه اللازمة طول السنة دون أن يكلف نفسه عناء بذل مجهود لصالح هؤلاء التلاميذ..
أما مشكلة تدني المستوى التعليمي فالأسرة تحمل المسؤولية للمدرسة و المدرسة تلقي بها في اتجاه الدولة وتتهم الآباء بالتقصير في تتبع عمل الأبناء داخل البيت..
و الدولة بدورها تقذفها نحو الجميع باستثناء كبار المسؤولين الذين لم نسمع يوما أحدا منهم تحمل مسؤولية فشل سياسته.
و هكذا في شتى مجالات الحياة لا أحد يقول : " نعم أنا المخطيء و كان علي فعل كذا و كذا.."
بل حتى إذا حدث و أن تخلفنا عن موعد السفر فإننا نلقي باللائمة على القطار ونقول " هرب علي القطار" و في المقابل نجد الفرنسيين مثلا يقولون : J'ai raté le train " متحملين بذلك كامل المسؤولية عن التأخير..
و المضحك هو أنه عند انهزامنا في مقابلة رياضية نلبس التهمة للملعب أو الطقس أو الحكم..
وهذا السلوك متجذر حتى في أطفالنا ..فأنت حين تعاتب تلميذا عن تأخره يقول لك : "مشى علي الوقت " و إذا أساء الخط يرجع السبب إلى كون القلم رديء الجودة ..
أعتقد أنه عند قراءتنا لواقع معين قصد تمحيصه و البحث عن مواطن الخلل فيه لا يجب أن نلقي بالمسؤولية دائما على الآخرين ونقوم بتبرئة أنفسنا بل الأجدر في رأيي أن نطرح سؤالين أساسيين هما :
أولا : ما ذا كان بإمكاني أنا - وبغض النظر عن الآخرين - أن أفعله لتفادي هذه النتيجة السلبية .؟
ثانيا : ما الذي بإمكاني فعله الآن للحصول على نتيجة إيجابية أو على الأقل للمساهمة في تحسين الوضع؟
ومن المؤكد أنه حينما ننتقل من النقد السلبي إلى المساهمة الإيجابية فإن كثيرا من أحوالننا ستتحسن.