قضية المرأة في ظل "الربيع العربي
د. وحيد عبد المجيد
كثيرة هي الأسماء التي أُطلقت على عام 2011 عربيًا، ولكنها تدور في مجملها حول اعتباره عامًا للتغيير الذي لا يزال يفرز نتائج متباينة في عدد من البلاد العربية. وربما يكون مصطلح "تغيير" أكثر دقة من الربيع العربي، خصوصًا حين يتعلق الأمر بقضية المرأة، وأثر التحولات، التي تحدث في بلاد عربية عدة، عليها.
فالتغيير ينطوي على معنى أكثر حيادًا، مقارنة بالربيع الذي يأتي بطابعه بأجواء أفضل، تتفتح فيها الزهور، وتورق الأشجار. فلا يوجد اتفاق على أن هذه هي الحال حتى الآن في معظم البلاد العربية التي تشهد تغييرًا، خصوصًا بالنسبة لقضية المرأة التي قامت بدور معتبر في الحراك الثوري منذ أن بدأ في تونس في 17 ديسمبر 2010.
وبالرغم من تفاوت هذا الدور، الذي بلغ أقصاه في الحالتين التونسية والمصرية، وكان أقله في الحالة الليبية، فقد لقي تقديرًا عالميًا واسع النطاق. وكان حصول الناشطة اليمنية توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام، بالمشاركة مع سيدتين أخريين، هو أبرز مظاهر هذا التقدير حتى الآن.
فقد شاركت المرأةُ الرجلَ في التنظيم والخطابة والهتاف في مختلف الميادين والساحات التي خرج إليها المحتجون. كما تعرضت المرأة لكل ما أصاب المحتجين من رصاص حي ومطاطي وغاز وضرب بالعصي، بل تحمل عدد من النساء ما لا يحدث للرجال، حين انُتهكت أعراضهن خلال هجمات أمنية لفض الاعتصامات.
والحال أن المرأة لم تتأخر عن المشاركة في صنع أحداث تاريخية في عدد من البلاد العربية. وحتى عندما فرضت التقاليد في بعض هذه البلاد منع اختلاطها بالرجل خلال التظاهرات والاعتصامات، لم يقلل هذا الفصل فاعلية دورها، كما حدث في ساحة التغيير في صنعاء، حيث ظل حضورها قويًا ومؤثرًا. كما لم يمنعها وضع حاجز حديدي مغطى بقماش بألوان العلم اليمني للفصل بينها وبين الرجال في ساحة الحرية في تعز، من الانخراط في الحراك الثوري، الذي يصر البعض شبانًا وشابات على استمراره حتى الآن، رغم التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة عبر مبادرة مجلس التعاون الخليجي.
وبالرغم من هول القمع ضد الاحتجاجات الشعبية في سوريا، وتحول الجنائز إلى طقس شبه يومي، لم تتخلف المرأة عن المشاركة في غير قليل من المدن والبلدات. وكانت "جمعة الحرائر" في 13 مايو الماضي دليلًا واضحًا على أهمية دور المرأة في الحراك الثوري في سوريا، ومؤشرًا قويًا على أن حقوقها الاجتماعية لا تغني عن حق الشعب كله في اختيار مستقبله. وكان المؤشر الأول على ذلك في تونس، التي ساهمت المرأة فيها بدور بارز، منذ اليوم الأول للتظاهرات التي اندلعت تضامنًا مع الشاب محمد البوعزيزي، والذي أحرق نفسه احتجاجًا على إهدار كرامته الإنسانية، بعد حرمانه من حقه في العمل، فضلًا عن مصادرة حريته السياسية.
فالمرأة التونسية تحظى بحقوق اجتماعية تفوق نظيراتها في العالم العربي، وتأتي المرأة السورية بعدها مباشرة. لكن مشاركة هذه وتلك في الاحتجاجات الشعبية في البلدين تؤكد أن تحرير المرأة لا ينفصل عن التحرر من الاستبداد والظلم والفساد، وأن الحقوق الفردية مرتبطة بالحرية السياسية، منذ أن اكتشف عالم الاجتماع الفرنسي الكسي دي توكفيل هذه العلاقة في بداية القرن التاسع عشر.
ولذلك يمكن فهم دور المرأة التي تتمتع بحقوق اجتماعية واسعة في احتجاجات تهدف إلى نيل حريات سياسية مصادرة باعتباره تجسيدًا لوعي تلقائي بأن تلك الحقوق تبقى غير ثابتة في غياب الحريات التي تضمن حمايتها. فلا حقوق مضمونة لفئة من فئات المجتمع في غياب منظومة عامة للحريات.
وهذه قاعدة عامة, لكنها تتطلب في الحالات العربية التي تراجع فيها دور المرأة معالجة خاصة تربط حقوق المرأة بالتحرر الديمقراطي, فلا سبيل إلى تحقيق التحرر بدون تأكيد حقوق المرأة التي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الممارسة الديمقراطية، وبما ينسجم مع تقاليد المجتمع في الوقت نفسه. ولكن هذا يتوقف على إمكانات الشروع في تأسيس هذه الحقوق على قواعد متينة، عبر بناء توافق مجتمعي عليها. فأي حقوق تحصل عليها المرأة تظل هشة في غياب مثل هذا التوافق. وإذا صح أنها حصلت على مكاسب في مصر مثلًا خلال المرحلة السابقة، فقد حدث ذلك عبر قرارات فوقية وتشريعات لم يحدث حوار مجتمعي حولها. ولذلك يطالب البعض بإلغائها، وخصوصًا تلك التي يعتبرونها غير متوازنة في معالجتها لقضية حضانة الأطفال مثلًا.
غير أنه حتى إذا حدث ذلك واعتبره البعض تراجعًا عن بعض مكاسب المرأة، سيكون التقدم أكبر عندما تتراجع ثقافة الطغيان والظلم والتمييز، ويزداد حضور النساء في الحياة السياسية، ومشاركتهن في العمل العام.
نقلا عن ينابيع تربوية