الإنسان الضحية...اعترف بذلك.

[الجواد المغربي]

بقلم الأستاذ المروكي

------الإنسان الضحية------

كنتَ من كنت أيها الإنسان فإنك ضحية: ضحية مجتمع، ضحية إعلام، ضحية أبيك وأمك وأسرتك وجيرانك، وضحية البيئة التي ترعرعت فيها وترعرع فيها أجدادك...إنسانيتك أيها الإنسان تقتضي ذلك.

*****

قد لا تكون ضحية لمنهج قوي تمتلكه أو فكر مستقيم يوجهك، فهذا وارد لكنه قليل أو منعدم.

*****

أنت مسير؛ خصوصا في زمننا هذا. فالقوى المحيطة بك؛ وما أكثرها؛ أقوى من قواك، بل إنك نتيجة مباشرة وغير مباشرة لمجتمعك وبيئتك والمحيط المحيط بك؛ والذي لا تستطيع أن تتخلص منه ومن قيوده.

*****

تجد في زمننا الملتزم بشريعة الإسلام مضايقا محاصرا، وقد تضطره القوة الخارجية إلى التنازل عن بعض مبادئه المستقاة من شريعته. ومن أشر السلط المواجهة للإنسان هواه؛ وهو من السلط الداخلية المضمرة المستترة التي تَبنى عليها القوى الخارجية خططها[1].

*****

الإنسان مطالب بال**** للوصول إلى الحقيقة؛ يجاهد السلط الداخلية والخارجية بما أوتي من قوى ظاهرة وباطنة. إنه **** صعب يحتاج إلى مراس وقوة ووحدة وتماسك...

******

وهل الإنسان عاقل؟

الإنسان عاقل لأنه يربط المحيط الخارجي بالبيئة الداخلية. إذن العقل يستهلك ثقافة المحيط. يدمجها وفقا لبنياته ووفقا للضوابط الخارجية المتوافرة في ساحة المجتمع المحلي والدولي. أما الإنسان المستقل فلا أتصور وجوده. وقد يزعم كثير منهم الاستقلال؛ فإذا تأملته عرفته ليس مستقلا، بل وهْمٌ ما يراه وانغلاقٌ.

******

قد تحكمون عليَّ من خلال مقالي هذا بأني مادي إلى النخاع؛ لأني صبغت العقل بالصبغة المادية وجعلت منه علبة تحتوي الثقافة والموروث والعادات والتقاليد والأحداث والمستجدات. ولا يضرني ذلك مادمت أبحث عن الحقيقة مزيلا للنقاب عن جوهر العقل البشري؛ المستهلك للثقافة بامتياز.

*****

إذا عدت إلى نفسك وجدتك خليطا مندمجا وغير مندمج من مكونات الثقافة والعادات والموروث والأحداث والمستجدات. أعرف أنك نسخة جديدة لكنها غير مستقلة. فلتعترف بذلك.

******

عقلك لا ينتج إلا بقدر ما يستهلك، بقدر ما تزوده به، وطبيعة المادة المقدمة لآلة العقل هي المحددة لنوع وطبيعة المنتج. وآلة العقل هذه إذا أنت أجلت فيها النظر وأطلت فيها بالفكر وجدتها تنتج حسب طبيعة وخصائص الآلة؛ فالآلة العقلية تؤدي وظيفتها حسب الإيديولوجية التي تنتمي إليها.

*******

مسألة التغيير من حالة المفعول به / الضحية إلى حالة الفاعل/ حالة الحرية والإرادة واردة لكنها فعل جماعي يحتاج إلى قوة داخلية وخارجية. إنها ثورة جماعية متكاملة مندمجة أساسها فعل وجداني وقبول قلبي. فيمكن للقلب القويِّ أن ينتج الحرية وينعتق من العادات والتقاليد والسلوكات الموروثة وأشكال التصحر الفكري

إذا عاد إلى ذاته عودة صريحة، يستحضر فيها أنموذجا من الأنموذجات القوية.

*******

وهل الإنسان ملامٌ أم مرفوع عنه الملام لأنه ضحية تربية ومنهج قديم ورثه عبر الثقافة التي ارتضع لبانها وهو في المهد صبي؟
سَيُلاَم المرء إذا أخطأ أو أفسد أو تعدى الحدود لاعتبارات:
- لأنه إنسان مكلف بالإصلاح،
- لأنه ملزم باتباع شرع، يهديه إلى سواء السبيل إن ضل عنه،
- لأن خلايا الخير والفطرة السوية سرعان ما تنطق بالحق- هذه الخلايا مبثوثة في كل إنسان وتومض في أوقات ترشده إلى سواء السبيل.

*****

لا أظن عاقلا يقول أو يدعي:
- أن قتل النفس بغير حق فعل جميل.
- أن السرقة فعل خير.
- أن الحروب سلوك مطلوب.
- أن الغيبة والنميمة سلوكان مطلوبان.
- أن الجشع والطمع... أفعال خيِّرة...

******

فهذه أمور أخلاقية كبيرة تعتقدها جل العقول السوية، وقد يحدث اختلاف في الأمور الجزئية الدقيقة، ويرجع في ذلك الاختلاف إلى اختلاف زوايا النظر يمكن أن تقاس إلى أصولها وترد لجذورها؛ والاختلاف قائم رغم ذلك.

******

ولا أنفي وقوع بعض العناد والنكران من أطراف غلبت أنانيتها المرضية على خيرها المبثوث قديما في خلاياها. وطبيعة هذا النكران والعناد إنما هو ظاهري غير باطني؛ ومعنى ذلك أن الناكر لا ينكر لحجج قائمة في ذهنه؛ ينطق بها لسانه؛ بل للجج وعناد وأنانية وحب في التجاهل. يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.

*****

لا أعتقد أن قولي إن الإنسان ضحية تربية ينفي أنه كائن متطور متحول متجدد. فهو دائم التجدد والتحول وفقا لنظام ونسق ذاتي ينبني على عناصر التركيبة السابقة؛ نحو تجدد يتناغم مع المادة الأولية القديمة المركزة فيه وفي أجداده.

******

يمكنُ للإنسانِ أن يتميَّز عن النمط الثقافي السائد في مجتمع. يمكنُه أن ينفرد عن غيره. ولكن انفراده في الأخير، إذا تأملته لن تجده انفراداً وتميزا كلياً، بل حالة قابلة للتفسير في ظل الثقافة الموروثة. إن الثقافة تسكننا على نحو عجيب لا ندركه، فنزعم أننا متميزون ومنفردون.

******

قل لمن يدعي الانفراد والتميز:
إن انفرادك جزء من ثقافتك الموروثة. عقلك الذي يوهمك بالتميز مليء عن آخره بالثقافة؛ التي استهلكتها وهو يعلم أو لا يعلم، يشعر أو لا يشعر.

******

دعني أوضح لكم نقطة أظنها غير واضحة وهي مسألة الانفراد المزعوم:
فمكونات الثقافة تصنع قوالب تفرغ فيها الأفكار والمواقف والاتجاهات، يظنها من بنات فكره ووجدانه، فإذا هي من نتاج المجتمع الذي ترعرع فيه الفرد.

******

ومن الأمثلة التي أقدمها شاهدا على أن التميز مزعومٌ ووهمٌ لا يستند إلى حجج:
- ثيابك التي ترتدي على ظهرك،
- لغتك التي تتكلم بها وتتواصل بها مع أبناء جلدتك؛
- الإعلام الذي تشاهده ويسكنك على نحو عجيب؛ لا تدركه؛
- المحيطون بك القريبون والبعيدون والجيران ونحوهم...
- السياسيون والاقتصاديون والمثقفون ورجال الأعمال... وكل صناع الثقافة.

******

اعترف، فإنك ضحية الثقافة التي تنتمي إليها وعقلك ينتج بقدر ما تستهلك. فالعقل لا يتعدى أن يكون آلة من الآلات تدخل إليها المادة الأولية ليركب منها منتوجات، فلا تنتظر أن تقدم لك الآلة خلاف ما أدخلت إليها؛ فهذا غير معقول وغير متصور. فلا تعتقد أن يستطيع امرؤٌ التكلم بلغة لم يدرس حروفها وقواعدها وبنيتها، فإن طالبته بذلك فإنك تطالبه بالمستحيل.





[1] مخططون يستهدفونك بخططهم ومشاريعهم الاقتصادية والفكرية وغيرها...

[أبو عبدالرحمن 79]

[khalid salhi]