أساتذة وجدوا فيها عطلة مدفوعة الأجر
تسلسل الإضرابات يشل التعليم في المغرب
2008-02-30
الرباط - حسن الأشرف
تزايدت وتيرة الإضرابات بشكل لافت للنظر في قطاع التعليم العمومي خلال السنة الدراسية الحالية بالمغرب، فقد كان آخر إضراب قام به معلمو وأساتذة المدرسة العمومية يومي 12 و13 فبراير 2008، وقبله إضراب آخر تم تنفيذه يومي 3 و4 يناير، وستُنظم إضرابات قادمة ما دامت تلك التي دعت إليها بعض النقابات التعليمية لم تف بالغرض ولم تحصل على حقوقها بعد، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى تأثير كثرة وتوالي الإضرابات على التلاميذ في المدرسة العمومية، وعلى المنظومة التعليمية برمتها.
لاشك أن الإضراب وسيلة مشروعة يكفلها الفصل الرابع عشر من الدستور المغربي، وهو نوع من أنواع الاحتجاج الحضاري على وضعية سلبية تحتاج إلى تغيير أو إصلاح، لكن الذي أثار التذمر عند بعض التلاميذ وخاصة لدى آباء وأولياء أمورهم هو توالي الإضرابات «الإنذارية» في مستويات التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي في المدرسة العمومية فقط، لكون المدارس التابعة للقطاع الخاص لا تخضع لسلطة هذه الإضرابات.
وصارت الإضرابات الحالية -خاصة خلال السنة الدراسية الجارية- وسيلة للمزايدات النقابية والسياسية قصد حشد الأتباع والمتعاطفين وتحقيق النقاط على الطرف الثاني، بل أضحت الأيام التي تُنفذ فيها الإضرابات بمثابة عطل استثنائية مؤدى عنها، حيث يجد فيها بعض المعلمين والأساتذة الفرصة للراحة في منازلهم أو السفر إلى أهاليهم، وهي لدى التلاميذ فرصة لا تعوض للتسكع والتنزه وقضاء أوقات ممتعة في اللعب والدردشة الإلكترونية، والأهم منه الابتعاد عن جو المدرسة، وبالتالي لا يهم هؤلاء كيف أتى الإضراب ولماذا تم تنفيذه ولا هل حقق أهدافه المسطرة، في حين يشكل الإضراب «التعليمي» عند البعض الآخر معلمين وأساتذة ومؤطرين تربويين فرصة لتحقق مضامين ملفاتهم المطلبية التي يعتبرونها من حقهم، من أجل أن يقوموا بمهامهم التعليمية في أفضل الظروف معنويا وماديا.
وكثرة الإضرابات جعلت مصطفى -معلم متقاعد وأب لأربعة أبناء يدرسون- يتخوف على سيرهم الدراسي هذه السنة بالذات، ويقول إنه كلما سمع أن إضرابا سيكون في اليوم الفلاني إلا اعتلته كآبة وحزن على ما أصاب القطاع التعليمي الراهن من اختلالات»، مذكرا بأنه خلال سنوات الثمانينيات كانت للإضرابات ثمار واضحة ومفعول جلي للأطراف كلها، لكنه في السنوات الأخيرة أصبح الإضراب دون تأثير، مما يفسر تكراره المتتابع الذي قد يفسد السنة الدراسية على أبنائنا».
وعاب رئيس لجمعية أولياء التلاميذ بإحدى المدارس الثانوية بالرباط على النقابات التي تدعو للإضرابات المتتالية هذه السنة الدراسية أنهم جعلوا المدرسة «رهينة» لغايات سياسية ضيقة ليس فيها أدنى التفاتة لمصالح التلاميذ الذين يؤدون الضريبة بفعل تراكم المواد والبرامج عليهم، الشيء الذي ينذر برسوبهم وتكرار السنة».
ويشرح محمد الصدوقي -أستاذ تعليم وباحث تربوي- في حديث لـ «العرب» دواعي كثرة الإضرابات بطبيعة المشهد النقابي المغربي الذي يمتاز بالتشتت والتفتيت (33 نقابة وهو إحصاء غير مؤكد رسميا)، وبالطبيعة التنظيمية والانتمائية لهذه النقابات، حيث تتوزع بين التابعة لحزب معين والمستقلة ومن تدعي الاستقلالية. لذلك فالتعددية الضخمة للنقابات أثرت بشكل واضح هذه السنة على أسلوب الإضرابات من حيث عدده وتوقيته وفعاليته، مضيفا أن هناك سلسلة من الإضرابات المتتالية (توقيتا وعددا) لعدة نقابات، وبشكل فردي وغالبا دون تنسيق مع النقابات الأخرى، مما أثر على فعالية الإضراب كأسلوب حضاري وديمقراطي ومسؤول لنزع الحقوق والدفاع عن مصالح العملية التعليمية، وخلق جو من التشويش والسخط والعبث وسط القطاع التعليمي (أطر تعليمية، وأسر، ومتعلمون).
بالمقابل، ارتفاع حدة ومسلسل أسلوب الاضطرابات التعليمية له كذلك مشروعيته الموضوعية في ظل تزايد حدة الاختلالات التربوية والمهنية والتنظيمية والقانونية والاجتماعية لرجال ونساء التعليم، وقد زاد هذا الوضع تأزما التصاعد الصاروخي لتكلفة العيش وتدهور ظروف الحياة الاجتماعية عامة، واعتراف الدولة رسميا بوجود مواطن الفشل في المنظومة التربوية، رغم ما بذلته الدولة من مجهودات لإصلاح الوضع التعليمي تربويا وتنظيميا وبشريا.
وتعتبر زهراء حميتي، أستاذة تعليم، أن هذه الإضرابات ضرورية لتحقيق مكاسب لفائدة أسرة التعليم بكاملها، فإذا تحققت مطالب المعلمين والأساتذة لا شك أن ذلك سيتداعى يشكل إيجابي على التلاميذ ومردوديتهم أيضا»، وتضيف المُدَرسة بأن مشكلة تراكم المواد بسبب الإضرابات لها حل بسيط يتمثل في تعويض المعلم أو الأستاذ تلك الساعات التي لم يدرسوها في أيام أخرى، أو استدراكها عبر دروس خاصة». وهو ما تؤكده أيضا صفاء، تلميذة إعدادي، بالقول إنه رغم ابتهاجها -وكثير من زميلاتها- بتنفيذ الإضرابات من طرف معلميهم وأساتذتهم لكونهم (أي التلاميذ) ينعمون براحة استثنائية من أعباء الذهاب للمدرسة وتهيئ الدروس، لكن كل تلك الدروس يتم استدراكها في حصص إضافية رغم بعض العجلة في شرحها وتبسيطها للتلاميذ».
ويتفق محمد الصدوقي مع «حميتي» بالإشارة إلى أن مصلحة الأستاذ من مصلحة التلميذ والطالب والعكس صحيح، فإذا كانت الظروف التربوية والمهنية والاجتماعية للأستاذة جيدة، ينعكس ذلك مباشرة على فعالية ومصلحة التلميذة والطالبة. وهكذا، فإن مسؤولية مصلحة التلميذ والطالب يتحملها طرفان أساسيان فيما يخص إضرابات التعليم هذه السنة: من جهة، النقابات المضربة تتحمل مسؤوليتها في العدد المتتالي للإضرابات دون التنسيق بينها وجدولة برنامج نضالي مسؤول وفعال يراعي مصلحة التلميذ. ومن جهة أخرى، الحكومة التي لم تعمل بكل الجدية والمسؤولية اللازمتين لاحتواء الاحتقان الاجتماعي والمهني الذي تعيشه الشغيلة التعليمية في الوقت المناسب.
.................................................. .
http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=5392&issueNo=59&secId=23