الخطبةالأولى
أما بعد :
إن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة ومما زين به صورتهأن خلق له شعراً لحكم ومنافع عظيمة منها ما يدركه العقل ومنها ما لا يدركه ، ورتبعليه أحكاماً شرعية منها الواجب ومنها المستحب ومنها المباح ومنها المكروه ومنهاالحرام. وفي هذه الخطبة إشارة إلى بعض أحكامه:
فمنها أنه يسن حلق شعر الصبي فيسابع يوم لولادته ويتصدق بوزنه فضة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه. رواه أهل السننوقال الترمذي: حسن صحيح.
ومنها : مشروعية قص الشارب وتخفيفه وإنهاكه دون حلق : فلا يترك الشارب حتى ينزل على الشفة. ويخفف منه بحيث لا يُترك حتى يكثر قال صلىالله عليه وسلم: عشر من الفطرة وذكر منها قص الشارب وقال : (جزوا الشوارب) وقال: (احفوا الشوارب) فتطويل الشوارب وتركها دون قص أو تخفيف مخالفة من المسلم للهديالمشروع الذي ينبغي أن يكون عليه.
ومنها تحريم حلق اللحية فحلقها حرام لأنالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها وإرخائها وتوفيرها في روايات متعددة قالالنووي رحمه الله (حصل خمس روايات : أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا، ومعناهاكلها : تركها على حالها . هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه) اهـ
فحلقها حرام لما فيه من المخالفة لهذه النصوص الصريحة الآمرة بإعفائها و كذايحرم التخفيف منها أو تحسينها كما يقال .
ومنها مشروعية نتف الإبط فنتفه منالفطرة التي رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولو أزاله بغير النتف فلا حرج عليهوقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قص الشارب ونتف الإبط وقص الأظافر وحلق العانةوهو الشعر الخشن الذي ينبت حول الفرج وأمر ألا تترك فوق أربعين ليلة
ومنها : كراهة القزع الذي هو حلق بعض شعر الرأس وترك بعضه فالإسلام دين عدل يكره الظلم حتىفي مثل هذه الصورة وإذا كان القزع بقصد التشبه بالمشركين صار حراما.
ومنها : تحريم النمص وهو نتف شعر الحاجب ومثل ذلك حلقه أو قصه فإن النمص من الكبائر لأنالنبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعلته وأفتت اللجنة الدائمة بتحريم التشقير الذيهو صبغ الحواجب حتى تظهر المرأة كأنها نامصة أما إذا كان في الحاجب تشويه فأزالتالمرأة أو الرجل هذا العيب فلا حرج في هذه الحال إنما المحرم ما كان بقصد التزينوالتجميل والزيادة في الحسن.
وأما شعر البدن فالظاهر أنه لا حرج على المرأة فيإزالته لما فيه من المصلحة في العشرة الزوجية، ولأنه من المسكوت عنه وما سكت عنهفهو عفو تخفيفاً من الله ورحمة.
ومنها : كراهية نتف الشيب من شعر الرأس وأمانتفه من الوجه أو اللحية فهذا حرام لأنه داخل في النمص.
ومنها : مشروعية صبغالشيب بغير السواد لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن اليهود والنصارى لايصبغونفخالفوهم ))متفق عليه
وأما صبغه بالسواد فقد ثبت النهي عنه كما في حديث جابربن عبد الله قال: أُتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً فقالرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد )) رواه مسلم .
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( يكون قوم في آخر الزمانيخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لايريحون رائحة الجنة)) أخرجه أحمد وصححه الحاكموعبد الحق الأشبيلي وقال ابن مفلح إسناده جيد وقال الحافظ ابن حجر إسناده قوي وصححهابن حبان ، ومن المعاصرين صححه : أحمد شاكر وابن باز والألباني ومقبل بن هاديرحمهم الله.
وأما صبغ المرأة شعرها بغير الأسود فالأصل الجواز ولكن يحرم علىالمرأة التشبه بالكافرات في صبغه أو هيئة مِشطته لأن التشبه بغير المسلمين حرام فيالشريعة الإسلامية قال صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم )) . باركالله لي ولكم في القرآن العظيم ... الخ
الخطبة الثانية:
أما بعد :
ومنالأحكام المتعلقة بالشعر الذي في البدن مشروعية إكرام المسلم لشعره وذلك بدهنهوترجيله أي تمشيطه لا يتركه شعثاً فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يدهن غبا ويكتحلوترا ومعنى يدهن غبا أي يوم بعد يوم والمقصود ألا يتركه يتشعث
وكذلك لا ينبغيأن تكون همة الشاب مصروفة إلى شعره فيقضي في إصلاحه الوقت الكثير وينفق عليه المالالوفير فهذه من الآفات التي يبتلى بها كثير من الشباب.
وأما توفير شعر الرأسبقصد التشبه بالموضات الوافدة من بلاد الكفار فهو أيضا حرام وكذلك العناية بهبقصد التوصل إلى بعض المحرمات فهذا كله ينقله من الإباحة إلى التحريم لأن الأموربمقاصدها
وعلى الشاب أن لا يسلك مسالك المعروفين بالفسوق والفجور لأن التشبهبهم في الظاهر يورثه محبتهم والقرب منهم حتى يتشبه بهم في سلوكهم وانحرافهم والعياذبالله
وهكذا أيضا توفير الشعر بقصد التشبه بخوارج العصر أيضا هذا قصد سيء لايقر عليه من فعله لاسيما من الشباب.
ومنها: أن الأفضل للمرأة أن تبقي شعرهادون قص لأنه جمال وزينة لها ولهذا يحرم عليها حلقه لغير ضرورة طبية أما قصه علىصورة تشبه فيها صورة الرجل فهذا حرام بل كبيرة.
وكذلك قصه على صورة تشبه فيهاالكافرات فهذا حرام أيضا ومما ينبغي أن تنتهي عنه المرأة بذل المال الكثير من أجلتزيين الشعر وتصفيفه وصبغه فهذا من الإسراف وإضاعة المال نعم تتزين المرأة لزوجهاولكن لا يصل بها ذلك إلى إضاعة المال الكثير والوقت الكثير وربما تعرضت في هذهالأوقات إلى تصويرها وتوصل السفهاء إليها لا سيما فيما يعرف بالمشاغل وما جرى منالحوادث في هذا الباب يقتضي أخذ الحيطة والحذر.
ومنها : أن بعض النساء تصبغشعرها بمادة عازلة للماء يكوّن طبقة على الشعر تمنع وصول الماء إليه وتمكث الشهورالطويلة قبل أن تزول فهذه المادة محرمة إذا ثبت منعها وصول الماء إلى الشعر لأنالطهارة الواجبة لا تتم معها.
ومنها أنه لا يجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر آخرومن فعلت ذلك استحقت اللعنة الواردة في الأحاديث الصحيحة والعياذ بالله لكن لو كانتالمرأة لا شعر لها أصلاً فلا بأس أن تلبس شعراً صناعياً لإنه والحالة هذه من بابإزالة العيوب.
أسأل الله لي ولكم الفقه في الدين وحسن الاقتداء بخاتمالنبيين