هل تصلح اللغة العربية لأن تكون أداة العلم والتكنولوجيا؟
إن اللغة العربية صالحة لأن تكون وعاء حاملا للعلوم والتكنولوجيا، والدليل على ذلك أنها بفخامة ألفاظها ونصاعة بيانها وجزالة كلماتها وصرامة تركيبها كانت لغة العلم والفنون والآداب في العصر العباسي يقبل عليها الأجانب لتعلمها ومدارستها والبحث من خلالها، كما كانت اللغة المفضلة لكثير من الشعوب والأجناس كفارس والأندلس ودول الغرب الإسلامي. ولقد انتقلت كثير من المؤلفات والمصنفات إلى أوربا باللغة العربية، و تم نقل محتوياتها وتمثل مضامينها عن طريق الترجمة كما فعل كثير من العلماء والمستشرقين الغربيين مع ابن رشد وابن سينا والزوهري والخوارزمي وابن النفيس….
وقد قلنا سابقا: إن اللغة مرتبطة بمستوى الفكر، لأن الفكر هو الذي يصنع اللغة في نفس الوقت تصنعه اللغة كما قال جون دو لاكروا Lacroix، كما أن الفكر جسد اللغة واللغة هي ثوب الفكر كما ينص على ذلك موريس ميرلوبونتي Maurice Merleau-Ponty . فإذا كانت الأمة متقدمة على صعيد العلوم والتكنولوجيا والفنون والآداب ، حتما ستتقدم اللغة بدورها مادامت هي حاملة للفكر وأداة للتواصل والتبليغ ، والدليل على ذلك أيضا اللغة اليابانية التي أصبحت لغة متقدمة إلى جانب عملتها الثمينة بفضل تقدم صناعتها ذات التقنية العالية وسيطرتها على معظم أسواق العالم حتى أصبحت منتجاتها تهدد الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الغربية حتى في عقر دارها. وهنا أستشهد بقصيدة حافظ إبراهيم الشاعر المصري المعروف في حديثه عن اللغة العربية التي تعبر خير تعبير عما نحن بصدده الآن في هذا المقام:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي وناديت قومـــي فاحتسبت حياتـي رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجــــزع لقول عـــداتي ولدت ولما لم أجد لعـرائــــسي رجالا وأكــفــــاء وأدت بنـــــــاتي وسعت كتاب الله لفظا وغايـــــة وما ضقــــت عن آي به وعــظات فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيــق أسمـــاء لمختـــــرعات
وهكذا يتبين لنا أن اللغة العربية ليست ضيقة ولا عاجزة عن المواكبة لنتائج العلم، بل هي صالحة للتدريس العلمي والتقني بسبب اتساع طاقتها الاستيعابية المعجمية بالمقارنة مع اللغات الأجنبية. ومن المزايا الإيجابية للغة العربية أنها تستفيد من ظاهرة الإعراب والتوليد والاشتقاق بكل أنواعه و من ظاهرة التعريب والتعجيم، وكل هذا يساعدها على الانفتاح والاستفادة من كل لغات العالم. ويزيدها شرفا أن الله حمل القرآن المكتوب بالبيان العربي ولغته الرائعة كثيرا من الحقائق العلمية كالتي تتعلق بالأجنة والفلك والطبيعة… فكيف يعقل اليوم القول بأن لغتنا العربية غير صالحة أو غير قادرة على استيعاب المستجدات الاقتصادية ومسايرة النظريات العلمية والتقنية والتعبير عنها فهما وتفسيرا وتطبيقا؟!.
ويلاحظ أن ثمة شعوبا تعتز كثيرا بلغتها الوطنية والقومية، ولا تريد أن تفرط فيها أو تبتعد عنها قيد أنملة، فجعلتها لغة التدريس والتخاطب والتداول اليومي في كل الأمكنة والمنابر والمؤسسات، تدرس بها العلوم والتقنيات ، تتعامل بها المقاولات والشركات ولو كانت هذه اللغات غير عملية على مستوى الكتابة والتواصل الخارجي كاللغة الصينية واليابانية واللغة العبرية بالنسبة لإسرائيل التي اندثرت فتم إحياؤها من جديد. ولا ننسى كذلك أن سهولة العربية ومرونتها أنسب للإبداع العلمي من اللغات الأخرى، خاصة إذا اجتهدنا في إيجاد حلول مناسبة لقضية الترميز والمصطلحات والمفاهيم العلمية والتقنية والمنطقية ودعمناها بالبحث العلمي والإنتاج الصناعي والعسكري والإبداع الفني والأدبي والثقافي.