خيرا فعلت وزارة التربية الوطنية
منذ الاعلان عن نتائج الترقية بالاختيار لسنة 2006 وشغيلة التعليم الابتدائي ما تزال تحلل معطياتها وتدلي بارائها فيها وتعلق عليها. فتعددت وجهات النظر وتباينت ردود الافعال بين: فئة متفائلة ببداية عهد جديد من الشفافية والوضوح والمصداقية والموضوعية في الاشتغال داخل منطومة التقويم التربوي وببدء انجلاء السرية والكولسة وانقضاء المحسوبية والفردانية والمزاجية في تدبير وتسيير الشان المدرسي.
وبين اخرى مستاءة ومندهشة من نقاطهم الادارية التي حصلوا عليها والتي كانت كارثية وغيرعا دلة وغيرمتوازنة وغير منصفة وغير محفزة.و مثال مؤسسة بنيابة ورزازات الذي هوصورة ناطقة بلسان اللامعقول في بلاد الحق والقانون ونموذج حي نفهم من خلاله بعض العقليات التدبيرية التي تعنى بالشان المدرسي . بحيث تم بهذه المؤسسة اقصاء جماعي مدبر ومنسق لكل المترشحين للترقية بالاختيار.لا بسبب رداءة اداءاتهم المهنية اولضعف كفااتهم التربوية بل بسبب تدني درجة انصياعهم وامتثالهم لتعليمات رؤسائهم حتى في صور الشطط والسلبية و لرفضهم عصبية هؤلاء ومزاجيتهم ثم لانعدام التواصل الايجابي بينهم في حل مشاكلهم العالقة والمتراكمة. فادى بهم هذا الى تضررهم كلية من جراء التنقيط التعسفي لجميع مسؤوليهم مديرا ومفتشا ونائبا اقليميا .ومما لاشك فيه ان مثل هذه الظواهر السلبية كالانتقام الجماعي من اساتذة نفس المؤسسة جراء صراعات خارجة عن حجرات الدروس ليحمل الجميع على الاحباط والتشكيك في مسا لة تحديث منظومتنا التعليمية واصلاحها الكلي سواء فيما يرتبط بجودةالتدبير الاداري اونجاعة منظومة التقويم والتكوين اوتفتح البنيات السلوكية والعقلية والفكرية للفاعلين التربويين على مقاس النفعية والايجابية والحافزية .او حتى فيما يتعلق با لعلاقات البينية وانماط التواصل ومسالة الجودة وغيرها من مكونات الفعل التربوي.
ولعل اللغط الصاخب اوالهياج الجماهيري المتاجج اوالانفعال الشديد المنبعث من نفوس هؤلاء لتعبير صادق عن احساسات ارادية وغير ارادية رافضة للوضع التعليمي الراهن في علاقته بميكانيزمات التدبير والتقويم التربويين. ولا تفوت الفرصة للاشارة هنا الى فئة من طراز اخر– وهي قليلة و ربما غريبة الاطوار- اذ تتحرى حسب زعمها – بين قوسين - ( الموضوعية والمنطق والاحتكام الى العقل) فتلتزم التريث والحذر واضفاء الشرعية على المجريات. اذ تبرئ القائمين على التقويم والتنقيط باعتبارهم ما لكين للسلطة التقديرية وللصلاحية في استصدار الاحكام التقويمية فنراها تصرح بذلك علنا في قالب تحليلي ممنهج يمكن ان تنخدع به الافئدة .
و لا غرابة في ان تطفوا على السطح اوجه الاختلاف والتنافر في الاراء بحكم تضارب المصالح وتقاطع الافكار وتعدد المرجعيات والتوجهات فنخلص من تمة الى اتجاهين في الراي: الاول يضفي الموضوعية و الشرعية على النتائج ويعطي الحق للمسؤولين التربويين بخصوص النقاط السلبية التي منحوها للاساتذة كتقويم لاعمالهم باعتبار هؤلاء الاداريين ادرى الناس بشعاب مؤسساتهم.
والثاني يلقي اللوم على الادارة التربوية و يطعن في نزاهة اشتغالها و يرفض منظومة التقويم التربوي الحالية التي تعتمل في الفعل التربوي . لكن بين هذا وذاك الكل يتفق على وجود مفارقات بين ما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين كتوجيهات رسمية وتوصيات تهم مجالات التدبير الاداري التشاركي والتقويم التربوي المرن والمحفز و بين واقع المما رسة الميدانية .كما ان جل المهتمين والعاملين بالحقل التعليمي يقرون بوجود سلبيات في الممارسة البيداغوجية والتدبيرية. وهذه السلبيات ما تزال تعيق العمل الجاد و تقف في وجة أي اصلاح حقيقي في جسد التعليم وتهدم الجودة وتضعف الحا فزية والتشجيع على العطاء وبذل الجهد. كما ان من شانها ان تقضي على الانشطة الموازية والابداعية والداعمة داخل المؤسسة التعليمية.
وخلاصة القول فمهما تعددت الاراء وشحت نتائج الترقية وتضرر المتضررون فنشر النقاط الادارية علنا امام مراى العا مة والخاصة لهو بادرة حميدة وسابقة في تاريخ التعليم ببلادنا.اذ بهذا كشف الحجاب عن النوايا المستترة وسقط القناع عن الوجوه المتنكرة في حلة النزاهة والجدية الزائفة وسلطت الاضواء على مكامن العتمة في مسيرة الاصلاح وخلخلت بنية العمل واعيد الترتيب في الامور.وسواء تعمدت الوزارة هذا ام لا فالاهم هو انها فرصة لاستخلاص العبر ولاعطاء الدروس ولمحاسبة الذوات وللوقوف على مكا من الخلل والضعف في مسلسل التغييراوالتحديث الذي يطال منظومتنا التعليمية.
ومن بين العيوب التي شابت الترقية بالاختيار لسنة2006 حسب بعض المحللين لنتائجها:
1- لوحظ تفاوت كبير وصريح في نسبة النجاح وعدد الناجحين من اكاديمية الى اخرى ومن نيابة الى اخرى في نفس الاكاديمية .اذ نجد نسبا مرتفعة في بعض الاكاديميات و دون ذلك في اكاديميات اخرى.
كانما معايير التقويم تختلف من جهة الى اخرى او اننا نشتغل على تعدد المنظومات التربوية او تم اعتماد معيار الجهوية والجغرافيا حتى في تحديد وتوزيع نسب النجاح او ان هذا يعزى الى الفرق في التكوين او في اختلاف درجات المن والعطف ... لعلها تخمينات محيرة تستوجب البحث الجاد عن عناصر الصواب.
-2 الامر الثاني والمحير هو عدم تطابق نقط التفتيش الممنوحة في الترقية مع المحصل عليها رسميا في تقارير التفتيش .بل هناك من زيد في نقطة تفتيشه الاخيرة ومن انتقص منها الى درجة النصف و بدون اي مبرراوسابق انذار.
وكان نقطة التفتيش والزيارات الميدانية لم تعد لها اية صلاحية ولا قيمة ثابتة .ثم كيف تسرب التعديل الى نقط التفتيش الاخيرة سواء با لسلب اوبالايجاب وفي بعض حالات توافد مفتش جديد على مؤسسة ما وعدم تعرفه الى بعض الاساتذة المتضررين او في وقت تعيين استاذ متضرر بالمؤسسة ومصادفة هذا تعبئة بطاقة الترقية؟(ولانقول هنا انه وجب الرجوع الى ملفه التربوي اوالى اخر التقارير فاننا مازلنا نتحدث عن الموضوعية و...).
-3 وجود بعض حالات التنسيق السلبي وغيرالنزيه بين المديرين والمفتشين والنواب والتبعية المفرطة حسب تراتبية السلط في اتخاذ القرارات خلاف الاستقلالية والاحتكام الى الضمير في التقويم. ( مثال المؤسسة المذكورة بورزازات حيث يمكن افتراض وجوداتفاق على نفس عتبة التقويم بمقياس:" من ليس معي فهو ضدي او من اغضبني فهو منبوذ ").
اما الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من افشاء سرية التنقيط على موقع الوزارة نذكر:
1- ان الاوان للعمل في دائرة الوضوح والموضوعية والمصداقية والنزاهة والاستحقاق ...وترك الزبونية والمحسوبية والارتجال...جانبا
2- سقوط التهم قليلا ونسبيا عن الاجهزة المركزية والنقابية ولجان الانتقاء.....في عدم نزاهة مكون التقويم والترقية فيما مضى....في حين ان الخلل قد يبدا ممن تتبادل معه تحية الصباح والمساء.
3- ان الاوان ان يستشعر الجميع بالمسؤولية المنوطة به .اذ على هياة التاطير والمراقبة ان تقوم وتتبع اعمال الاساتذة عن كتب وبعيدا عن الذاتية او أية حسابات اخرى ومثل هذا النهج يفرض نفسه على المدير فلا تعطى اية ميزة ولا يصدر أي حكم الا على اسس موضوعية. كما على الاستاذ الذي لم ترضيه نقاطه و لا الاحكام الصادرة في حقه ان يجد لها تبريرات وتفسيرات مقنعة وملموسة وواقعية وثابة لدى كل الاطراف وان يفعل الانسب لتجميل صورته المهنية.
4-البعض يعتقد ان الاصلاح يخص فقط البرامج والمناهج والطرائق والوسائط الديداكتيكية والبنيات والتجهيزات الاساسية والاجور وتدبيرزمن التعلمات ومنظومة الضبط اوالتشريعات وعناصر مادية اخرى تفعل في الحياة المدرسية. اكيد ان هذا هام جدا لكن تمة جوانب اخرى يجب الرقي بها كالعقليات والعلاقات البينية وانماط التفكيرومنظومة التقويم والتكوين واللاتركيز اوالاستقلالية في اتخاذ القرار... وبالخصوص التدبير الاداري باعتباره محركا اساسي للحياةالمدرسية.وللاسف الشديد غالبا ما نجد هذاالمحرك مصابا بالصدا واحيانا اخرى يكون حتى من قبيل الفحش ان نتحدث في بعض المؤسسات التعليمية عن تدبير وتسيير مدرسي نفعي و علمي و ناجع وقويم وعن انشطة تقويمية وتتبعية لاعمال المدرسين مبنية على اسس موضوعية وعلمية. ليس لانه تدبير فرداني عقيم او متجاوز اوغير نابع من تكوين محكم او منتزع من سياقات مختلفة او يسري داخل حياة مدرسية ذات بنبات تحتية هشة وليس لانه يعبر عن مرحلة حضارية لم نلتحق بها بعد- ولو اننا دخلنا تاريخيا في الالفية الثالثة وفي زمن الميثاق- ولكن لانه لاوجود للتدبير المدرسي والتسيير التربوي والاداري لمؤسساتنا التعليمية الحالية با لمفهوم الحداثي للكلمة.ومن ثم لايمكن ان نتحدث عن موضوعية ونزاهة وعلمية التنقيط كاضافات في ظل غياب الموضوع.
وخلاصة القول فالامور تسير ربما نحو الافضل فقط يجب الا نفرط في العدمية وان نحسن الظن دائما بالامور والا نرى في بياضها السواد .
ولعل هذه المساهمة المتواضعة قامت فقط بكشف بعض الحقائق وبتعرية جزء من العيوب والبقع السوداء في نسيج التعليم قصد تنظيفها وبالتالي تصحيح الممارسة والمعرفة التربويتين.وذلك عبر تفكيك الجاهز وتحريك الساكن ومساءلة الكائن. فبدون ثقافة التساؤل والنقد لايمكن ان نشيد وعيا تربويا قويا ولن يتسنى لنا الدفع بعجلة التحديث والتطوير الى الامام.
خيرا فعلت وزارة التربية الوطنية
المواضيع المتشابهه
