الوزير الوفا قد يحتاج إلى شرطي نص بوكماخ
استنهض القانون الملزم للآباء بتوجيه الأطفال إلى المدرسة الذي لا حاجة إلى تطبيقه
"سنعمل على تطبيق القانون الملزم للآباء بتوجيه الأطفال للمدرسة، انطلاقا من الدخول المدرسي المقبل، وسنتعامل مع الأمر بصرامة".
عندما أعلن محمد الوفا، وزير التربية الوطنية، عن هذا القرار، في حديث نشرته الزميلة "لومتان الصحراء والمغرب العربي"، تبادر إلى الأذهان أننا أمام وضعية متأزمة، وأن أعدادا هائلة من الأطفال لا يلتحقون بالمدرسة، رغم بلوغهم سن التمدرس، لكن الوفا، في الحديث نفسه، طالعنا بنسب تبدد هذه الاعتقادات، إذ قال إن هذه النسبة بمؤسسات التعليم الابتدائي، بلغت 97 في المائة على الصعيد الوطني، ومائة في المائة في الوسط القروي، وبتبدد تلك المخاوف عبر استحضار هذه النسب العالية، حتى في الوسط القروي، يصبح التساؤل عن أسباب إقدام وزير التربية الوطنية على التذكير بهذا القانون، مشروعا.
في العقود السالفة، كانت نسبة التمدرس في الوسطين الحضري والقروي متدنية جدا، وكانت الفتيات أكثر المبعدين عن صفوف الدراسة، بالمقارنة مع أترابهن الذكور، إذ ظلت نسبة التمدرس في أوساطهم مرتفعة، خصوصا في العالم القروي. وتبين الإحصائيات أن هذه النسبة، في الوسطين الحضري والقروي، لم تكن تتجاوز 26.7 في المائة سنة 1971، لتنتقل إلى نسبة 41.7 في المائة، سنة 1982.
ولم يأت بلوغ نسبة 97 في المائة اليوم، على الصعيد الوطني، ومائة في المائة في الوسط القروي، التي تحدث عنها الوزير الوفا، بتطبيق القانون الملزم للآباء بتوجيه أبنائهم للمدرسة، رغم أن المغرب أحدث، بعد حصوله على الاستقلال بسبع سنوات، ظهير 13 نونبر 1963، الذي ينص على إجبارية التعليم بالنسبة إلى الأطفال الذين تتأرجح أعمارهم بين 7 و13 سنة، بل تحققت هذه النسبة بإحداث مجموعة من الإصلاحات، التي شملت المنظومة التعليمية، مثل المخطط الخماسي 1960- 1964، وإصلاح 1980، والمخطط الخماسي 1992 -1998، والميثاق الوطني للتربية والتعليم، والمخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم... ولم يساهم القانون في جعل نسبة التمدرس في العالم القروي تصل اليوم إلى مائة في المائة، بل إن تقريب المدارس من المداشر والقرى، وبناء الطرقات ودور الطلبة والطالبات، إلى جانب عدد من الإجراءات، هي التي رفعت من نسبة التمدرس في المغرب.
الوزير الوفا قال، في الحديث نفسه، إن "القانون موجود لكنه ظل في طي النسيان"، ولعل الأجيال التي هي اليوم تمثل فئة الآباء والأجداد، لم تنس نص كتاب القراءة "إقرأ"، الذي كان أحمد بوكماخ مؤلفه، وأكيد أن هؤلاء يتذكرون هذا النص القائل "دق الجرس وفتح الباب، فإذا بصوت وقور يقول، صباح الخير يا سيدتي، أليس عندكم طفل قد بلغ سن المدرسة ومع ذلك مايزال لم يلتحق بها، هل والده موجود فأكلمه.
لا يا سيدي الشرطي"، كان الطارق شرطيا، يطرق الأبواب بحثا عن الآباء المخالفين للقانون، لكن زيارات هذا الشرطي انحصرت في نص بوكماخ، ولحسن حظ المغاربة ولم تتجاوزه إلى زيارات حقيقية للبيوت، وإلا ما كانت الإصلاحات لتحدث في المنظومة التربوية، واكتفي برجال الشرطة ليرغموا الآباء على الانصياع للقانون حتى ولو كانت المدارس منعدمة في القرى والبوادي أو شبه ذلك، أو كان عددها ضعيفا في المدن الكبرى، كما كان عليه الأمر قبل عقود من الزمن.