الحصول على الموضوع لا يكفي بطبيعة الحال لكتابة قصة، لأن الموضوع مجرد بذرة يتفرع منها الهيكل العام للقصة، وإذا تركت البذرة بلا رعاية ولا عناية وتعهد فلن تغدو شيئا آخر أكثر من مجرد بذرة.. ورعاية بذرة القصة القصيرة وتعهدها يحتاج إلى خصب فكري وإلى قوة الخيال لتصور الأشياء والمواقف، كما ينبغي أن تكون على قدر كبير من الخبرة والتجارب والقدرة إلى النفاذ إلى حقائق الأشياء بقدر المستطاع.
فبالنسبة للقاص المبتدئ ما ينبغي أن يحرص عليه دائما هو تنمية الملاحظة والقدرة على التقاط الموضوعات من كل شئ حوله، بل ومن داخل نفسه ودراسة القواعد الأساسية لتطوير الموضوع إلى قصة قصيرة و" تخزين" أكبر كمية ممكنة من الملاحظات والتجارب التي يستعين بها في عمله الفني.
وتطوير الموضوع إلى قصة صالحة للنشر ليس له طريق واحد معترف به، وإنما له قواعد رئيسية، وخطوط عامة تؤدي في مجموعها إلى أقصر وأفضل الطرق للوصول إلى هذا الهدف.
من هذه القواعد والخطوط يتكون هيكل القصة المتطور من الموضوع، والذي يتأسس على ثلاث دعائم أساسية:
1-
العقدة.( الحبكة أو المأزق)
2-
الصراع الناشئ عن العقدة( السلوك/التصرف/ الحركة).
3-
الحل الناشئ عن الصراع( التدرج الطبيعي نحو النهاية).
وهذه الدعائم ليست مجرد تركيبة نظرية، لأنه إذا تم تحليل آلاف القصص فسوف نجدها كلها أو معظمهاقائمة في هيكلها على الدعائم الأساسية، فكل قصة لا تخلو من عقدة أو مشكلة أو موقف معين أو ظروف خاصة وأن كل هذا يؤدي بدوره إلى نوع معين من " الصراع" أو " الحركة/ التصرف" الذي يؤدي في النهاية إلى النتيجة أو الحل.
عقدة القصة القصيرة
تمت الإشارة أعلاه إلى الدعائم الثلاث التي يقوم عليها هيكل القصة؛
فليس من شك في أن الدعامة العامة والجوهرية بين هذه الدعامات الثلاث هي
" العقدة" ، ويمكن القول أن العقدة عادة لا تكون إلا في القصة العادية أو التركيبية ، لأن خطوط هذه القصة تتشابك في منتصفها أو قبيل نهايتها، لكي تحل أخيرا، أما القصة التعليلية فإن خطوطها عادة تسير في اتجاهات متوازية تلتقي عند الحل في النهاية دون أن تفقد عنصر التشويق فيها، وهذا ما يجعلها أصعب كتابة من القصة التركيبية، وأحوج إلى المزيد من البراعة والخبرة.
وتأتي العقدة بعد اختيار الموضوع والشخصية الرئيسية التي ستدور حولها أحداث القصة. أو أكثر من شخصية حسب، لكن اختيار هذه الشخصية/ الشخصيات لن يكون اعتباطا بل الإلمام الجيد بها والإحاطة بجميع ظروفها، وتحديد أبعادها.
عندما يتم اختيار الموضوع مع شخصيته الرئيسية، والاستعداد في صياغة القصة، لا بد أولا دفع الشخصية في مأزق..أو في الحبكة التي ستتكون منها العقدة، والتي ستدفعه إلى الصراع، أي السلوك والحركة، هذه العقدة التي يمكن أن تتفرع إلى تفرعات/ مصادفات والتي يمكن اعتبارها كملح في الطعام ،-ولكن الاكثار منها يفسد القصة كما يفسد الملح الطعام،-وكلها تتشابك ثم تنحل في النهاية، والكاتب البارع هو الذي يستطيع أن يجعل أية مصادفة في قصته تبدو في نظر القارئ طبيعية منطقية، تبررها الأحداث السابقة عليها، وتجعلها الأحداث اللاحقة لها ضرورة لا غنى عنها.
وأيا كان الأمر فإن على القاص أن يدرب نفسه على تطوير أي موضوع يراه مناسبا لقصة إلى عقدة مملوءة بعناصر التشويق قادرة على أن تحول الحدث العادي إلى قصة جيدة.
ولتذكير ؛ فعلى كل كاتب مبتدئ أن يحتفظ دائما بمفكرة يدون فيها أفكاره وملاحظاته وقراءاته التي يجد أن كلا منها يصلح أن يكون موضوعا لقصة.
وعندما يجلس للكتابة يحسن به أولا أن يوجه إلى نفسه الأسئلة التالية:
1- هل الموضوع صالح لتطويره إلى قصة تقوم على الدعائم الثلاث: العقدة- الصراع- النهاية؟
2- هل يلائم الشخصية / الشخصيات التي اختارها، لتقوم بالأدوار الرئيسية للقصة؟
3- هل يعتمد على عدد كبير من المصادفات التي تجعل القصة غير محتملة الحدوث؟
4- هل يسئ الموضوع إلى أحد، أو يعرض بأحد يعرض بأحد دون أن يكون هناك مبرر لهذا أو ذاك؟
5- هل تصادم فكرة الموضوع أحدا في معتقداته الدينية أو مبائه الأخلاقية؟
6- هل يتلائم الموضوع والذوق العام؟
7- هل يمكن إدخال مزيد من التحسينات إليه قبل صياغته النهائية؟
8- هل فيه من عناصر التشويق ما يكفي شد القارئ به؟
9- هل الموضوع مكرر سبق أن كتب عنه عدد عنه عدد كبير من القصص من الزاوية وطريقة العرض نفسها؟
10- هل الكاتب لن يترك فيه ثغرات تجعل القارئ الذكي يسخر من القصة وكاتبها؟
هذه أسئلة ذاتية يحسن بالكاتب وخاصة المبتدئ أن يوجهها إلى نفسه كلما جلس ليكتب قصة قصيرة؛ وعليه أن يكون حازما في الإجابة عليها، لأن من المزالق التي ينحدر إليها الكاتب بوجه عام نظرته إلى إنتاجه الأدبي من زاويته الخاصة، وليس من الزاوية التي يراه منها القراء بمختلف نزعاتهم وتباين أمزجتهم.إن النقد الذاتي في الانتاج الأدبي هو أهم خطوة نحو النجاح في كتابة القصة القصيرة بل في غيرها من ألوان الأدب بوجه عام.