نصر أم شهادة ؟ وأرض الواقع الحكم
إن الناظر للمواطن الفلسطيني بشكل عام ، والغزي بشكل خاص يجده يعيش حالة من الانقسام في الرأي، والحيرة، والتخبط الفكري، وانشغال التفكير، ليس ذلك كله إلا نتاج للعدوان 27من كانون الأول على غزة، فقد فوجئ المواطن الفلسطيني من تصريحين متناقضين، الأول لرئيس حكومة الاحتلال يعلن فيه وقف العمليات العسكرية في قطاع غزة مع إبقاء القوات على الأرض، وأن العملية المسمى ( الرصاص المسكوب) قد حققت أهدفها على أكمل وجه. و تلاه تصريح أعلنت فيه فصائل العمل العسكري الانتصار على قوات الاحتلال الإسرائيلي ، مبررة ذلك بأن إسرائيل لم تحقق أين من أهدافها.
أمام هذان التصريحان ، وأرض الواقع انقسم الشارع الفلسطيني ،وحتى العربي بين مؤيد لإعلان الانتصار، ومعارض له ، فالأول أصر أن إسرائيل لم تحقق الأهداف التي جاءت من اجلها ، فقد صرحت تسيفي لفني أنها جاءت للقضاء على حماس ، وصرح غيرها بأنه جاء لتحرير الجندي جلعاد شاليط ، ووقف إطلاق الصواريخ. و الرأي الثاني يعارض إعلان الانتصار لأنه لا يرى أن المعيار تحقيق الأهداف ، وإنما رأى معيارا ماديا حكم على الأمور من خلاله ، فعلى أرض الواقع قدم الشعب الفلسطيني ألفا وثلاثمائة وخمسين روحا زهقت بآلة الدمار الإسرائيلية ، وأصيب أكثر من خمسة ألاف جريح ، ناهيك عن الخسائر المادية من هدم للبيوت ، وتدمير للبنية التحتية، وبرغم كل ما رأينا من دمار هائل ، وقتل للأطفال ، والنساء ، لا نستطيع أن نقول ( العدو انتصر) لأنه ببساطة من يقتل الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء لا يعد منتصراً. وفي المقابل وجدت المقاومة لتدافع عن الوطن وتحمي مواطنيه من الأعداء .
ومع احترامي لوجهة نظر الفريقين المعارض والمؤيد لإعلان الانتصار ، فإذا كان تحقيق الأهداف من عدمها هي المعيار الأساسي لتحديد المنتصر والمهزوم ، ليعلمني من يعلن الانتصار بالأهداف التي حققها الشعب الفلسطيني ، لنحتفل معا بالنصر المبجل ، وليجيبني مقابل ماذا قدمنا هذا الكم من الشهداء ، فإن لم تجدوا هدفا حققناه خلال ما يسمى حرب ، لتكن شهادة دفاع لا نصر كما في تعاليم ديننا إما النصر أو الشهادة.
وليجيبني لماذا يتسارعون على اعمار غزة وهي منتصرة . فهل غزة المنتصرة بحاجة إلى من يمد يد العون لها ليعيد بنائها . وبما أننا انتصرنا فمزيد من انتصار على هذا النحو من الدمار يا غزة .
وعودة بنا إلى الأهداف المعلنة ، هل كانت تلك الأهداف موجهة للاستهلاك الفلسطيني ، أم لكسب صوت الناخب الإسرائيلي ، وهل هناك أهداف غير معلنة جاء من اجلها وحققها و ظهرت ملامحها تباعا بعد العدوان على غزة.
وعلى فرض انه جاء حقا من اجل تحقيق الأهداف المعلنة ، فإنني أخشى ما أخشاه ، أن الواقع الذي نعيشه هو المرحلة الثالثة التي لم يعلن عنها العدو في العدوان على غزة ، فقد أصبحت معادلة التهدئة الفلسطينية الإسرائيلية مختلفة ، وشروطها راجحة كفتها للطرف الإسرائيلي المحتل ، فلم يعد إطلاق صاروخ محلي الصنع على سيديروت مثلاً يقابله إغلاق معبر كما كان في التهدئة الماضية ، إنما أصبحت معادلة وقف الصواريخ محلية الصنع عبر تهدئة قادمة مختلفة ، فأي صاروخ محلي الصنع يسقط سواء رداً على جرائم الاحتلال ، أو لحق الشعب بالمقاومة يقابله قتل ، وإغلاق معبر ، و*** أنفاق _ سواء أنفاق تدخل السلاح أم الغداء _ واليوم يعلن الطرف الإسرائيلي المحتل ارتباط التهدئة بمسألة الجندي شاليط . وقد أثب مجمل ذلك الناخب الإسرائيلي الذي عاد ، وانتخب قيادة حزب كاديما ، ليكمل برنامجه العدواني.
ومما لا شك ، ولا لبس فيه ، أن العدوان على قطاعنا الحبيب ، لم يأتي من أجل عودة السلطة الفلسطينية في رام الله على ظهر دبابة ، فالمحتل المستفيد الأول من الانقسام ، وإنما أتى لتحقيق أهداف معلنة وغير معلنة، حقق منها الغير معلنة ، بإضعاف كل من طرفي الانقسام الفلسطيني ، مع إبقائهما منقسمين أحياء بدرجة ومستوى لا يؤثر مستقبلا على أمن إسرائيل .
وذلك من خلال ضرب مواقع أجهزة حماس الأمنية كأحد مظاهر السيادة على قطاع غزة ، وإفشال الخطة الأمنية في مدن الضفة مع استمرار الاستيطان ، واليوم يسعى لتحقيق أهدافه المعلنة وذلك بعد أن خلق ظروف وشروط جديدة تفرضها إسرائيل في مفاوضات التهدئة الجارية الآن.
وأمام هذا الوقع المرير ، لن نستطيع أن نخرج من هذا المأزق السياسي إلا بالجلوس سويا والآن وبدون شروط على طاولة الحوار الوطني الفلسطيني ، للخروج ببرنامج سياسي موحد تكاملي ، يجمع بين العمل المقاوم بكافة أشكاله المسلح والسلمي ، إلى جانب مفاوضات لا نفرض فيها بثوابتنا الوطنية