تعد اساليب تربية الطفل في الاسرة من اهم العناصر الاولية للسياق الاجتماعي حيث يتلقى الطفل فيها من الخبرات ما يعده للاستجابة بطريقة معينة ايجابية او سلبية للخبرات القادمة.
فالطفل في الاسرة مثلا، يدرب على تنظيم بعض الوظائف الحيوية، ويصحب هذا التدريب جو انفعالي خاص، من الحب والتقبل او التهديد بفقدان الحب.
وللخبرات التي يتعرض لها الفرد في المدرسة، اثر كبير في الابداع فهذه الخبرات لاتؤثر فقط في المواد التي يتعلمها التلاميذ، بل وتؤثر كذلك بطريقة ايجابية او سلبية في اتجاهات التلاميذ نحو المواقف الجديدة للتعلم في المستقبل، فقد تؤكد طريقة التعلم اهمية التلقين والحفظ والتكرار للتراث القديم. ولاتعني بتنمية المبادئ والاصالة. وقد تؤكد طريقة التعليم ان الماضي ان هو الا لبنة لبناء المستقبل وثم يشجع التلاميذ على الابتكار والاصالة. وللجماعات الصغيرة التي يرتبط افرادها بروابط عاطفية ومهنية، اثر كبير في تنمية الابداع، ذلك ان اتمام العمل الابداعي وحده لايكفي اذ ان الشخص المبدع يحتاج في بداية الامر دائما الى تقديم عمله الى جماعة تعترف بهذا العمل وتقدمه. ولهذا فان كل مبدع ايا كان مجال ابداعه شعرا او فنا او علما يعيش في وسط يتكون من شخص او اكثر من المحيطين به بما يكون جماعة تشد ازره وتخفف عزلته ويجد لها صدى عمله في جو من الامان النفسي يمكنه من الكشف عن جوانب اخرى في مجال ابداعه.
ولقد امكن التوصل الى ان الموقف الاجتماعي المباشر الذي يعمل فيه الفرد، يتدخل كذلك في نجاحه بشغل الادوار التي يتوقع منه القيام بها في مجال عمله، وادراكه لطبيعة هذه الادوار يحدد الظروف التي يبدع فيها.
وثمة عناصر اخرى يمكن ان تعد ثانوية في التأثير على الابداع منها على سبيل المثال البيئة الطبيعية والموقع الجغرافي. فالبيئة بما تحويه من انواع المصادر الطبيعية ومقاديرها، مما تؤثر في انواع الانتاج وادواته والاشكال التي يتخذها.
كذلك عوامل الاتصال التي ترتبط بالموقع بما توفره من تسهيلات او صعوبات للتعرف على الافكار وطرق الحياة ومصادر المعرفة.
وتمد النظم السياسية التي تحمي حقوق الانسان وتضمن حريته في التعبير عن نفسه الشخص بشعور بالطمأنينة والاستقلال ينعكس في انواع نشاطه الاخرى، وعلى العكس من ذلك. فان النظم السياسية التي تضع قيودا على التفكير قد تؤدي الى الحد من مجالات التعبير والتجريب والتجديد. وقد تخلق الحروب حاجات ومشكلات مما يدفع عددا كبيرا من الافراد لبذل الجهود للحلول العاجلة.
ولاشك فان حالة الانتعاش الاقتصادي تترك اثرها البالغ في اتاحة وقت للفراغ، او توفير الطاقات للاعمال الابداعية او قد تتدخل مؤسسات الانتاج ذاتها لتشجيع تلك الاعمال. مما يؤدي الى التركيز والتنمية.
ونستطيع ان نستنتج من ذلك اهمية مراعاة السياق الاجتماعي للابداع والقاء الضوء على الظروف الاجتماعية او الحضارية التي تساعد بطريقة مباشرة او غير مباشرة، على ظهور الافراد المبدعين او تعوق هذا الظهور وهذا من شأنه ان يلقي الضوء على كثير من السمات التي تميز الاشخاص المبدعين.
الذين يأتون بالحلول الطريفة غير المألوفة، التي كثيرا ما تلقى مقاومة البناء التصوري القديم السائد في المجتمع وما يدعمه ويبرره من فلسفات نظرية وقيم اجتماعية وضغوط مختلفة.
بل انه ليصعب فهم السمات الشخصية التي يرجع ارتباطها بالابداع مثل: الثقة بالنفس دون وضعها في اطارها الاجتماعي والثقافي المناسب فهذه الثقة التي يرجح ان يتسم بها الشخص المبدع، تتمثل غالبا في ثقة الشخص فيما لديه من افكار في مقابل مالدى الاخرين من الافكار.
والسياق الاجتماعي، بما يحدده من ادوار للافراد، وما يتيحه من فرص التدريب وانواع التشجيع، يمثل التربة التي يمكن ان تنبت فيها الافكارالمبدعة، وتتم فيها عملية الابداع.
ومهما يقال عن دور العوامل الوراثية في الابداع فان المناخ الاجتماعي العام يبقى كحقيقة تؤكد - في الاقل - ان استعدادات الانسان الوراثية يمكن ان تخبو وتنشط بمقدار الفرص التي يتيحها المجتمع أمام الفرد وما يقدمه من اشباعات للاحتياجات العقلية والتعبيرية المختلفة. ويتم تأثير البيئة الاجتماعية العامة بفعل قوانين ومبادئ التعلم الرئيسة. والحقيقة التي لاتختلف عليها وجهة النظر الاجتماعية في دراسة الابداع تبين ان المبدع ينمو في اطار اجتماعي يشع عليه باستمرار بجوانب الفهم، يكون من شأنها ان تفتح الفرص امام المبدع. في اختبار الجوانب المختلفة من المجتمع، لكي يختار منها ما يرضي احتياجاته العقلية والتعبيرية، أما المجتمع الذي تشيع فيه اشكال من القيم تقيد فرص الحرية والاختيار فهو مجتمع يقيد دون شك من فرص نمو المبدعين وانطلاقهم.
منقول للفائدة
جريدة الصباح العراقية د. جمال حسن العتابي