خاتمة كتيب : مسؤولية الأسر في اللتحصيل الدراسي لبنائها
لا نستطيع الجزم بأن للأسرة دورا قاطعا و حتميا يستحيل تجاوزه في تقدم أو تخلف التحصيل الدراسي لابنها ، فهناك عوامل أخرى تساهم في ذلك ؛ لكنها على الأقل تلعب دورا هاما ، و تساهم مساهمة كبيرة في تفوق أو تخلف ابنها لما توفره له أو تحرمه من أسباب النجاح ، و لما تجنبه أو تعرضه لأسباب الفشل .
و إذا لم يكن بإمكان الأسرة التحكم في مستواها الاقتصادي ، فإنه يمكنها على الأقل التحكم في مستواها الثقافي و العلائقي على الخصوص ؛ فتوفير جو ثقافي و اجتماعي جيد داخل البيت قد يشكل حافزا مشجعا يدفع بالتلميذ إلى الإقبال على دراسته بحب و شغف .
و لكن ... » بعض الآباء رغم وعيهم بالصعوبات المدرسية العامة أو الجزئية لأطفالهم ، و اهتمامهم بها لا يعرفون أو لا يستطيعون القيام بمبادرة من شأنها أن تحمل حلا للمشكلة «( 09 ــ ص : 17 ) . و المدرسة لوحدها لا تستطيع أن تفيَ بواجب التربية و التعليم » و أن بعض الأطفال الذين تبذل المدرسة جهدا في تربيتهم إنما يجدون في حياتهم العائلية عاملا هدّامًا . و قد لا تستطيع المدرسة التقدم بالطفل إلى الأمام لأن الأسرة تدفع به إلى الخلف «( 05 ــ ص : 94 ) .
إن بلادا يعاني أهلها من آفات الأمية ، و الفقر ، و الجهل العام لا ريب أن أبناءها متروكون للأقدار و أخطاء الآباء و الأمهات ؛ فيُوجَّهون توجيها خاطئا يجهل استعداداتهم يقاسون نتائجه طول حياتهم . و لعلنا في حاجة إلى تربية الآباء و إعدادهم لمقتضيات الحياة الأسرية و شروط صحتها ... إن مسؤولية الأمومة و الأبوة ليست بالمسؤولية السهلة ..، و " و كلكم راع ، و كل مسؤول عن رعيته ".
هنا إذن لا بد من تدخل حملة رسالة التربية و التعليم المشرفون على تربية و تعليم التلاميذ ؛ و هذه دعوة لهم جميعا إلى :
ــ الاضطلاع ما أمكنهم ذلك بدورهم التربوي كاملا غير منقوص كاضطلاعهم بدورهم التعليمي ، و تلك مسؤولية تتجاوز أسوار المؤسسات التعليمية ؛
ــ و الإصغاء ما أمكنهم ذلك إلى التلاميذ ، و تفهم مشاكلهم ، و إرشادهم إلى حلها أو حسن التعامل معها رحمةً بهم من الوقوع ضحية اليأس و الإحباط و ربما الانحراف ؛
ــ و تحسيس المتخلفين من التلاميذ بالثقة في قدراتهم لعل ذلك يشعرهم بالثقة في أنفسهم ، مما قد يزيد أو يحيي دافعيتهم للتعلم ؛
ــ و توجيه التلاميذ نحو أحسن السبل للتحصيل الدراسي ، فالتلاميذ غالبا ما يعبرون عن رغبتهم الشديدة في التفوق ، لكنهم يجهلون السبيل المفصل إلى ذلك ( و ليس إرشادات عامة فضفاضة ) ؛
ــ و إغناء خزانات المؤسسات بالكتب اعتمادا على كل الإمكانيات الممكنة لتعويض النقص الكبير الذي تعاني منه البيوت ثقافيا ؛
ــ ..، و إنه إذا كان من المؤسف فعلا أن يخيب ظن التلميذ في أسرته ( و قد يعذرها ) ، فإنه لأمر كارثي أن يخيب ظنه حتى في أستاذه ..، و الكلمة الطيبة صدقة .
و مسك الختام ننقله عن الدكتور أحمد أوزي الذي قال في أحد ردوده على أسئلة مستجوبه : » ... و هو سؤال جد مشروع أيضا ، و يحق طرحه في هذا المجال ، و منطوقه كما يلي : هل التربية السيئة التي يتلقاها المراهق في الأسرة غير المتفهمة أو في المجتمع الذي يعج بأنواع الفساد تستطيع المدرسة محوها و وضع بدلها تربية جيدة ؟
» لست في الحقيقة من أتباع الاتجاه الميكانيكي المتزمت الذي يحكم بالحتمية ، و إنما أؤمن أكثر بالتفاؤل ، و بوجود إمكانيات و أساليب قد تغير من السلوك . و أسلوبنا في تحقيق ذلك توفير الشروط اللازمة ؛ و أقصد المدرس المتفهم و البصير بعمله و دوره الإنساني . فكثيرون هم المعلمون الذين تتلمذنا عليهم ، و لكننا نسينا معظمهم إلا واحدا أو اثنين ظل تأثيرهم في حياتنا الدراسية و بعدها ؛ هؤلاء الذين لم ننساهم قط في حياتنا هم المعلمون الحقيقيون الذين لا تفارقنا شموعهم التي نستمد منها شعاع الهداية و الرشاد ، فكانوا لنا فعلا نِعم المعلمين «( 19 ــ ص : 149 ) .
و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم الأسوة الحسنة ؛ إنه نِعْم المعلم و نِعْم المربي ، و لتنظر البرهان على ذلك في صحابته رضوان الله عليهم كيف كانوا قبل المصاحبة الشريفة و كيف أصبحوا بعد المصاحبة الشريفة .
و حسبنا من هذا الموضوع إن أثرنا انتباه كل من يتولى مسؤولية و شرف التربية ، و لا يمكننا أن ندعي أن ما سجل على هذه الصفحات هو الحقيقة المطلقة ... غير أن المؤكد هو أن مصداقية هذا الموضوع محدودة و نسبية بقدر محدودية و نسبية علم صاحبه و علم المراجع التي اعتمد عليها ..، و الله هو الأعلم .