نحو تحديد مفهوم العقاب
يعتبر العقاب إجرائياً الحادث أو المثير الذي يؤدي إلى إضعاف أو كف بعض الأنماط السلوكية، ومن ثم فقد كان موضوع العقاب والثواب حاضرا بقوة في مجموعة من المدارس الفكرية والتربوية، وبخاصة السلوكية منها.
للأطفال مشاكل وتصرفات وحركات في كل مكان، منها الإيجابي الذي تغذي الأسرة أولا ضرورة تواجده وتعزز فرص بقائه، ومنها تلك المشاكل والتصرفات التي نلجأ إلى العقاب كحل لها. نعاقب لأننا نظن أن العقاب هو الحل وهو العلاج، ونعاقب دون إذاية الطفل أو التأثير على صحته البدنية والنفسية. ونعاقب لأننا نريد رؤية الطفل في وضع أحسن. وفي الوقت ذاته ينتقد آخرون كل أشكال العقاب ويدعون إلى عدم استعماله كيفما كانت الظروف وتحت أي مسمى.
أ- العقاب ماهو؟
يرى سكينر صاحب النظرية الإجرائية أن العقاب إجراء فعال في تغيير السلوك ولكنه إجراء غير مرغوب فيه. إنه ضد التعزيز. ونشير إلى أن العقاب شكل جزءا من الصور الأولى لقانون ثورندايك المسمى قانون الأثر، عندما كان يتحدث أن السلوك يمكن إزالته عن طريق المزعجات، كما يمكن تثبيته عن طريق المعززات. ودون الخوض في مختلف التجارب التي قامت بها النظرية الإجرائية لتعرف أثر العقاب والثواب على السلوك، فإننا نذكر بنتائج أبحاثها التي خلصت إلى أن العقاب هو إجراء سلوكي غير فعال لأنه لا يستطيع أن يقمع الإجابة إلا بصورة مؤقتة فقط ( أي أن تأثير التعزيز والمكافأة أبقى من تأثير العقاب). وفق هذا المنظور يؤدي تكرار العقاب بالطفل إلى نفور الطفل من الوالدين أو المدرسين. وفي كتاب( العلاج السلوكي للطفل، أساليبه ونماذج من حالاته/ عبد الستار إبراهيم، رضوى إبراهيم، عبد العزيز عبد الله الدخيل) نجد أن العقاب يتضمن " إيقاع أذى لفظي أو بدني أو إظهار منبه مؤلم أو منفر عند حدوث السلوك غير المرغوب فيه أو الدال على الاضطراب.. ومن أمثلة العقاب: الضرب والحرمان من التفاعل الاجتماعي وزجر الطفل والصراخ في وجهه، وحرمانه من لعبه."
العقاب البدني من الناحية القانونية:
لقد صنف القانون المغربي الأفعال التي تصيب جسم الضحية أو صحتـه، إلى جرائم عمدية و أخرى غير عمدية، و حدد ضمن الأولى جريمة الإيذاء العمدي، و أفرد لها العقوبات المنصوص عليها في الفصول من 400 إلى 403 و 408 413 من ق ج. و تتحقق هذه الجريمة بكل فعل يهدف من وراءه الجاني المس بالسلامة الجسدية أو الصحية للمجني عليه عن قصد بضرب أو جرح أوعنف ينجم عنه ضرر مهما كان حجمه خفيفا أم جسيما،دون أن تتجه إرادة الجاني إلى القضاء على حياة الضحية. و رغم تعدد النصوص فإن القصد الجنائي لتحقق هذه الجريمة واحد لا يختلف من جريمة لأخرى،
وإنما جاءت هذه النصوص بشكل خاص لتحدد تدرج العقوبة بحسب جسامة و حجم الضرر اللاحق بالضحية. و قد أورد المشرع بعض النصوص التي تشدد من عقوبة الإيذاء العمدي و من ضمنها الفصول 409،410،411 اعتبارا لصفة المجني عليه أو الجاني.
من خلال الاطلاع على القانون الجنائي الخاص في بعض فصوله "401" -402- 403 - 408- 413 " - فالضرب " يتمثل في صورة عدوان مادي على جسم الضحية والذي يسبب له ألما داخليا؛ ولا يترك أثرا ظاهرا على جسم المجني عليه؛ ومن الأمثلة على ذلك الضرب بالقدم أو بالصفعة أو مساس بأنسجـــة الجسم عن طريق الضغط عليها مباشرة أو بواسطة دون ترك أي جرح و هذا يعني أنه يمكن أن يترك أثر الاحمرار أو انتفاخا بل إن المشرع عاقب حتى في حالة عدم ترك أي أثر على ذات المجني عليه ، هذا هو الاختلاف بين الضرب و الجرح. - الجرح : يتحقق الجرح بكل مساس بجسم المجني عليه يترتب عليه تمزق الأنسجة و ترك أثر على ذاته وسواء كان هذا التمزق خارجي (جروح خدوش،قطع الأوعية ...) أو داخلي كالمس بأحد الأعضاء الداخلية و إحداث نزيف داخلي أو تكسير لعظام و لا عبرة بالوسيلة المستعملة في الضرب من طرف الجاني، و يجب الإشارة إلى أن الألم الناتج عن الجرح ليس عنصرا من عناصر الجرح ، فالعنصر الأساسي هو تمزيق خلايا الجسم، ومن تم فإذا لم يشعر المجني عليه بالآلام نتيجة جروحه كأن يكون مخدرا أو مغمى عليه ـ وهي ناذرة الوقوع ـ فإن الجرح يتوافر بتحديده القانوني(1). - العنف : فهو المساس بالضحية عن طريق استعمال القوة دون الضرب و الجرح، كتقييد الضحية بحبل أو تغيير اتجاه الدراجة التي يركبها بقوة، أو تصويب البندقية من أجل الترهيب و زرع الخوف في قلب الضحية. - الإيذاء : وهو لفظ من العموم و الشمول ، و هو كل اعتداء يصيب الإنسان في موضع من الــجســم" المرجع: ) د عــصام أحمـد : النــظرية الـعامة للـحق في ســــلامــة الــجســم، دراســة جنائــية مــقارنة ص : 262.
أشكال العقاب النفسي في الممارسة التربوية المغربية
- السب والشتم أمام الزملاء مما يؤدي إلى توتر المدرس والتلميذ على حد سواء.
- التحقير والاستهزاء.
- العقوبة الكتابية والإحالة على المجالس التأديبية
- الحرمان من النقط
- الطرد من الفصل الدراسي
- تغيير المكان داخل الفصل والعزل في ركن خاص.
- التمييز بين المتعلمين للفصل في مشكل وقع بينهم بإعطاء الأفضلية لبعضهم أحيانا دون وجه حق.
- تعليق كتابات على ظهور التلاميذ والمرور بها في المؤسسة. واستمرار نعتهم بتلك الألفاظ خارج المؤسسة.
- عدم الاكتراث لما يقوله التلميذ المعزول وعدم السماح له بالمشاركة داخل الفصل.
- تسلق العقاب النفسي مع الأسلاك التعليمية إذ في المدرسة الابتدائية يطغى العقاب البدني ليستبدل تدريجيا بالعقاب النفسي في الإعدادي، إلى أن يستقر كممارسة عقابية في الثانوي. ويؤدي استرجاع العقاب البدني في المرحلتين الإعدادية والثانوية إلى انتفاضة التلميذ وتبادل الضرب واللكم والسب... بين المدرس والمتعلم...إلخ