:: مراقب عام ::
تاريخ التسجيل: 26 - 1 - 2008
السكن: فاس
المشاركات: 73,239
|
نشاط [ nasser ]
معدل تقييم المستوى:
7547
|
|
23-12-2014, 17:50
المشاركة 4
مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
ولد رسول الله صباح يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، عام الفيل سنة 571 ميلادية. وكانت ولادته بمكة المكرمة، وأبوه عبد الله أشرف الناس نسباً، وجده عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب. يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار". فآباؤه وأجداده جميعاً كانوا سادة العرب وأشرفهم.
وأمه من أشرف بيوت قريش، وهى السيدة آمنة بنت وهب، ابن عبد مناف، بن زهرة بن كلاب، وهو الجد الخامس لمحمد صلى الله عليه وسلم. ولم يكن لها أخت ولا أخ، كما لم يكن لعبد الله ولا لآمنة ولد غير رسول الله.
ولا ريب أن البيت النبوي- الذي كان منه المصطفى عليه الصلاة والسلام- بيت رفيع، كريم المحتد، عظيم الشرف، أصله ثابت وفرعه في السماء، مشهور بالفضل، معروف بالكرم. فليس من العجب أن يختار الله تعالى منه رسوله محمداً، الذي أرسله للناس كافة، وجعل رسالته رحمة للعالمين، حيث قال له: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" فقد زينه الله بزينة الرحمة، وجعل من صفاته الرحمة علي الخلق، وأرسله رحمة للعالم كله.
ذلك البيت هو بيت بني هاشم بن عبد مناف بن قصي الذي اجتمع له من الشرف الباذخ أى (الرفيع)، والمجد التالد أى (القديم)، والسيادة العظمى- ما لم يجتمع لغيره من البيوتات العربية على عظمتها، وشرف أصولها وفروعها، وقوة شكيمتها أى (أنفتها وعزتها). وذلك أن قصياً الجد الأعلى للنبي قد اجتمع في يده معظم وظائف الرياسة والسيادة والقيادة وغيرها. وقد ورَّثها بنيه. وكانت القبائل تتسابق وتتنافس كي تنال وظيفة منها؛ لتشرف بها، ويعلو شأنها، فما ظنك بقصيّ وقد اجتمعت في يده هذه الوظائف كلها؟
وقد عُني العرب- في الجاهلية والإسلام- كل العناية بالبيت الشريف، والنسب العريق، واحتفظوا بالبيوت والأنساب، وحفظوها لميلهم الطبيعي إلى صلة الرحم والتواصل والتعاطف، وطلب الكفاءة في النسب والمصاهرة.
كما احتفظوا بها لأغراض أخرى، منها بيان العزة بالمكاثرة عند التماس المناصرة إذا دعا داعي الحرب، ومنها المفاخرة بمآثر الآباء والأجداد، وما أورثوا بنيهم وأحفادهم من مجد وسؤدد أى(سيادة).
فرسول الله صلى الله عليه وسلم خيار من خيار، من خيار. فهو صفوة بني هاشم، وسلالة قريش وصميمها، وأشرف العرب، وأعزهم نفراً، من قبل أبيه، ومن قبل أمه، كما أنه من أهل مكة؛ وهى أكرم بلاد الله على الله، وعلى عباده وينتهي نسبة إلى عدنان، وهو أبو العرب العدنانية.
نسب كأنَّ عليه من شمس الضحا نوراً، ومن فلق أى (نور) الصباح عموداً وقريش هو فهر بن مالك، كان معيناً لكل ذي حاجة؛ فمن كان محتاجا أغناه. ومن كان عارياً كساه. ومن كان طريدا آواه. ومن كان خائفاً حماه. ومن كان ضالا هداه. وكل من لم يلده فهر فهو ليس بقرشي.
فمحمد صلي الله عليه الصلاة والسلام كان من أسرة عريقة في المجد فضائلها جمة، وأثارها عظيمة، بها رجال أفذاذ أشادوا صرح البيت النبوي، ورفعوا أعلامه، وكان لهم السيادة والعزة والسلطان إلى أن بزغ (ظهر) نور الله من أفقهم، وسرى خبر السماء إلى بيوتهم، واختلفت الملائكة إلى أحيائهم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
حملته أمه في أول رجب وقد توفي أبو عبد الله في المدينة بعد شهرين من حمله، وهو في ريعان الشباب، فصار محمد يتيما قبل أن يولد وبعد تسعة أشهر من حمله ولدته أمه بمكة في دار عمه أبي طالب وضيئا مضيئا يعلوه النور والبهاء واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه ناظرا بعينيه إلى السماء.
وقد روى البيهقى عن فاطمة الثقفية أنها قالت:لما حضرت ولادة النبى عليه الصلاة والسلام،رأيت البيت حين وضع قد امتلأ نورا ،ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علىّ.وقد قيل أن أمه حين وضعته رأت نورا ظهرت به قصور الشام ،فرأتها وهى فى مكة.
وفي الليلة التي ولد فيها ظهرت آيات باهرات، فقد زلزلت الأرض زلزالا شديد، سقطت به الأصنام التي حول الكعبة من مواضعها، وتهدمت كنائس وبيع (كنائس)، وانشق إيوان(قصر) كسرى ووقع من شرفاته أربع عشرة شرفة.قال الإمام البوصيري في بردته.
وبات إِيواَنُ كِسْرَى وهو مُنْصَدِعٌ كَشَمْلِ أصحاب كِسْرَى غَيْرَ مُلْتَئِمِ
وأنطفأت النار التي كان يعبدها أهل فارس فاغتموا وحزنوا لانطفائها.
وقد أحسوا أن خمود تلك النيران لأمر عظيم حدث في العالم، وهو ولادة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولد الهدى
وحينما ولد أرسلت أمه آمنة لجده عبد المطلب تخبره، فجاء وهو فرح مسرور، وقد كفله وقام بما يجب عليه نحو أمه وفي اليوم السابع من ولادته أمر بختانه وأقام له مأدبة عظيمة وألهمه الله أن يسميه محمد، تحقيقا لما ذكر في التوراة والإنجيل، ودعا رجالا من قريش إلى المأدبة، فحضروا وتناولوا الطعام ابتهاجا بالمولود الجديد، فلما انتهوا من الأكل سألوا جده ماذا سميته؟
فأجاب :سميته محمدا.
فسألوه: لماذا رغبت عن أسماء آبائه؟
فقال: أردت أن يكون محمود في السماء عند الله ، وفي الأرض عند خلقه.
ولا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله إلا ثلاثة، عرف آباؤهم من بعض الكهنة أنه سيبعث نبي في الحجاز اسمه محمد، فنذر كل منهم إن وُلد له ولد ذكر أن يسميه محمدا، وهؤلاء المحمدون هم: محمد بن سفيان التميمي ، الفرزدق الأعلى ، ومحمد بن بلال الأوسي ، ومحمد بن حمران الجعفي.
ولما انتشر حديث الكهنة بأن نبيا يبعث من العرب اسمه محمد سمَّى كثير غير هؤلاء أبنائهم بمحمد للغرض نفسه.
إرضاعه
قالت حلمية السعدية التي أراد الله أن تقوم بإرضاع نبيه "بتصرف":
قدمت مكة مع نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء في سنة شهباء (لا خضرة فيها ولا مطر، على أتان (حمارة) لي، ومعي صبي لنا... وقد عُرِض رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل امرأة لنا، فأبين جميعهن أن يرضعنه، حينما علمن أنه يتيم الأب. وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي. فكنا نقول: إنه يتيم، ما عسى أن تصنع أمه وجده. فكنا نكرهه لذلك.
فوالله ما بقى من صواحبيّ امرأةً إلاّ أخذت رضيعا غيري. فلما لم أجد غيره قلت لزوجي- وهو الحارث بن عبد العزي السعدي-: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي وليس معي رضيع. لأنطلقن إلى ذلك اليتيم، ولآخذنه.
قال: لا ضرر عليك أن تفعلي. عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. فذهبت، ثم أخذته بما هو عليه، فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن. فشرب حتى روي. وشرب ابني حتي شبع.
فودعت النساء بعضهم بعضا، وودعت أنا أم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ركبت أتاني، وأخذت محمدا بين يدي.. ثم مشت أتاني حتى سبقت دواب الناس الذين كانوا معي، وصاروا يتعجبون مني.. ثم وصلنا إلى منازل بني سعد، ولا أعلم أرضا من أرض الله أجذب منها: فكانت غنمي تروح عليَّ حين قدمنا به- كثيرة اللبن، فنحلب ونشرب.
وإن التماس الرضاع بالأجر لم يكن محمودا عند أكثر نساء العرب، حتى قيل في المثل: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. وكان عند بعضهن لا بأس به. وقد جرت عادة نساء القبائل التي حول مكة بأنهن يأتينها في كل عام لطلب الرضعاء من الأطفال يذهبن بهم إلى بلادهن، حتى تتم الرضاعة.
وكان من عادة نساء قريش أن يعطين أبناءهن إلى المراضع لأغراض، أهمها أن ينشأ الولد في الأعراب فيكون أنجب، ولسانه أفصح. كما في الحديث: "أنا أعربكم. أنا من قريش. واسترضعت في بني سعد ابن بكر". وكانت هذه القبيلة مشهورة في العرب بالكمال وتمام الشرف. وكانت بلادهم معروفة بطيب الهواء وعذوبة الماء.
قالت حليمة: فلما فصلته "فطمته" بعد عامين، قدمنا به على أمه، ونحن أحرص شيء على مكثه بيننا، لما نرى من بركته. فكلمنا أمه، ورجوناها أن تتركه عندنا حتى يكبر؛ لأننا نخشى عليه وباء مكة. ولم نزل بها حتى ردَّته معنا، فرجعنا به.
شق بطنه
وذات يوم جاء أخوه من الرضاعة يجري إلى أمه حليمة، فقال: إن أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه، وشقا بطنه.
فخرجت حليمة مع زوجها، فوجداه واقفا، أصفر اللون، فاعتنقه أبوه من الرضاع، وقال له: أي بُنيَّ ما شأنك؟
قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، وشقَّا بطني، ثم استخرجا منه شيئاً، فطرحاه، ثم ردَّاه كما كان.
قالت: فرجعنا به. فقال أبوه من الرضاع: يا حليمة، قد خشيت أن يكون ابني قد أصيب. فأنطلقي بنا كي نرُدُّه إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف منه.
قالت حليمة. فحملناه حتى أتينا به إلى مكة، وذهبنا به إلى أمه.
فقالت أمه: ما الذي ردَّكما به؟ وقد كنتما حريصين على بقائه معكما.
قلنا: إننا نخشى عليه الإتلاف والحوادث.
فقالت: ماذا حدث؟ أصدقانى. فلم تدعنا حتى أخبرناها بما حدث له.
قالت: فدعاه عنكما.
والأصح أنه رجع إلى أمه وسنه خمس سنوات.
ولم تره حليمة السعدية بعد أن ردته إلى مكة إلا مرتين: الأولى بعد أن تزوج السيدة خديجة، فقد جاءته تشكو إليه الفقر. فكلم زوجه خديجة، فأعطتها عشرين نعجة، وبكرات (جمع بكرة وهى الأنثى من الإبل) من الجمال. والمرة الثانية يوم حنين وعاش رسول الله بعد عودته من بلاد بني سعد مع أمه، تحرسه رعاية الله وعنايته وينبته الله نباتاً حسنا.
موت أمه
ولما بلغ من العمر ست سنوات أو أكثر توفيت أمه آمنة بالأبواء(مكان بين مكة والمدينة). وكانت قد خرجت به إلى أخوال جده بني عدي بن النجار بالمدينة، ليزورهم، ومعها أم أيمن بركة الحبشية، فنزلت به دار رجل من بني عدي اسمه التابعة. وأقامت به عندهم شهرا، ثم أخذته لترجع به إلى بلده مكة. فلما كانت بالأبواء توفيت فرجعت به أم أيمن، فكانت دايته وحاضنته بعد وفاة أمه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمها ويرعاها، ويقول لها: أنت أمي بعد أمي.
كفالة جده عبد المطلب له
وبعد وفاة أمه كفله جده عبد المطلب، وضمه إليه، وجعله معه. ورق عليه رقة لم يرقها على أولاده. وكان يقربه منه، ويدخل عليه ليراه ويطمئن عليه إذا نام. ويجلسه على فراشه من دون أولاده.
وكان يوضع لجده فراش في ظل الكعبة. وكان بنوه يجلسون حول ذلك الفراش حتى يخرج إليه أبوهم. ولا يجلس عليه أحد منهم إجلالاً له، فكان رسول الله يأتي ويجلس على ذلك الفراش، فيأخذه أعمامه، ويبعدونه عنه، فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى منهم ذلك: دعوا ابني. ثم يمسح على ظهره بيده ويقول: إن لابني هذا لشأنا عظيما، ثم يأخذ حفيده المحبوب، ويسمح له بالبقاء معه، لإعجابه به، وحبه له.
وقبل وفاة جده عبد المطلب أوصى ابنه أبا طالب برسول الله، وقال:
أُوصِي أَبَا طالبٍ بَعْدِي بِذِي رَحِمٍ
محمدٍ، وَهُوَ في الناسِ مَحْمُودٌ
فَاحْذَر عليه شِرَارَ الناس كلهم
والحاسدين فإن الخير مَحْسُودٌ
وقد قام أبو طالب عمه وشقيق أبيه بتنفيذ هذه الوصية خير قيام.
كفالة عمه أبي طالب له
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الثامنة من عمره مات جده عبد المطلب، فكفله عمه أبو طالب بوصية من عبد المطلب ،فكان أبو طالب يحبه حبا جما، أكثر من حبه لأولاده. إذا خرج أخذه معه، وإذا نام جعله بجانبه. وكان رحيما بمحمد، غيوراً عليه. وقد قاسمته امرأته فاطمة بنت أسد في تربية رسول الله، والعناية به، والعطف عليه.
وحينما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اليوم ماتت أمى" وكفنها بقميصه.
وقد كان أبو طالب فقيرا فحسنت حاله ،وكثر رزقه ،بعد أن كفل ابن أخيه ،وضمه إلى بيته.
الحمد لله رب العالمين
|