شذرات من نيابة وزارة التربية الوطنية بتارودانت
من تدبير أزمة إلى تأزيمها؟
لاحظ المتتبعون، محليا ووطنيا، للشأن التعليمي أن نيابة تارودانت بدأت تظهر في الآونة الأخيرة كجسم متخن بجراح الهدر المدرسي وجفاف المورد البشري و نزيف يصعب تضميده من الرخص بأنواعها، ومجهودات جبارة تبدل من طرف المسيرين محليا، لكنها لا تكفي لوقف حالة التدمر التي لحقت وأصابت جل قلاع التربية في جبال ووديان النيابة الأكبر وطنيا (89 جماعة محلية، ينتشر بها أكثر من 7600 موظف، منتمين إلى قطاع التربية الوطنية) فما هي أوجه هذه الاختلالات؟ وما هي أدوات التغيير المستعملة؟
نيابة عبور بامتياز
منذ انطلاق عملها بداية الثمانينات من القرن الماضي (مارس 1982) تعمل أطر هذه النيابة مشكورة على بدل مجهودات لنشر المعرفة في أغلب بقاع هذه الرقعة من الوطن، لكننا نرى أن جنود هذه العملية و خصوصا في المناطق النائية (أطر التدريس الحديثة العهد بهذا المجال) لهم ثقافة تختلف كثيرا عن الواقع المعيش، فأغلبية هؤلاء يعيشون أنماطا معيشية حضرية، تبتعد عن بساطة البداوة في القرى والجبال، بل وتجعل قابلية التصادم تطغى على الاندماج والتواصل، مما خلق نفورا خفيا بين هذه الأطر وأهل المكان...
عموما اعتبرت نيابة تارودانت على طول السنوات منطقة عبور لا استقرار، مما يخلق نقصا حادا في الموارد التي تعمل النيابة على تكوينها، وتوجيهها إلى مناطق أخرى.
الهياكل الإدارية /الإعاقة البيروقراطية
6 مصالح نيابية يعمل بها ما يقرب من 90 موظفا، تسهر على تسيير دواليب هذه النيابة، من تحضير الخريطة إلى الحركات الانتقالية والامتحانات بأنواعها، وتنشيط المؤسسات، وصولا إلى تدبير مجال الرخص الذي مازال يشكل نزيفا تتقاطع مسؤولياته بين المقاربة القانونية (الاقتطاعات، العزل، المجالس التأديبية ...)إلى المقاربة التربوية و الإنسانية (معالجة ملفات اجتماعية، توفير السكن والظروف الملائمة لاستقرار الأطر التعليمية..)
لكن ما زالت طبيعة التراسل الإداري بشكله العتيق تعيق أي تدبير ناجح، لصعوبة تغطية مكتب الضبط لشبكة المؤسسات التي تجاوزت 271 مؤسسة ابتدائية، تشمل 1138 وحدة مدرسية، بالاضافة إلى أكثر من 40 مؤسسة تابعة للتعليم الثانوي بنوعيه، دون تشجيع المبادرات المحلية الرامية إلى تحسين التواصل الالكتروني، وفتح مكاتب الضبط الفرعية بكافة الدوائر أو المناطق التربوية.
تغطية اجتماعية ولهيب الأسعار
لطالما أكد المسؤول الأول عن التعليم محليا على ضرورة فصل الدعم الاجتماعي عن العمل التربوي باكراهاته المتعددة، ولطالما أيضا اشتكي الكل من منحة سنوية هزيلة، يقطع خبز المطاعم منها أكثر من 80 % دون الوصول للنتائج المطلوبة، فإحصائيات التخطيط لا تخرج من رحاها إلا نسب يصعب ابتلاعها، ففتح أنوية وبناء داخليات لا يكفي ليخرج أكثر من 30 % من تلاميذ المنطقة وأغلبهم فتيات من جبال وأودية الإقليم إلى إعدادياته التي دأبت على الاقتراب منهم أكثر من أي وقت مضى..
بينما الدعم الاجتماعي في الابتدائي ينكمش أكثر لإصابته بلهيب الأسعار، وعدد المنح لا يرقى لتغطية كافة المواقع خصوصا ذات نسب التحاق عالية (تازمورت، أيت عبد الله، اأيت إكاس...) مما يعطي الانطباع بأن ضخ منح جديدة للإقليم أصبح ضرورة ملحة وآنية...
الشأن التربوي وإهدار الجهود
ما زالت مصلحة الشؤون التربوية، مركز العمل التربوي ونواته بدون منازع، لكن دخول أطرها في متاهات الحوار الاجتماعي وتدبير الخصاص في الموارد عجل بسقوطها في دوامة اجترار المذكرات، متناسية عملية تأطير حقيقي لمجهودات أطرنا وتلامذتنا في الميدان (أندية المواطنة و حقوق الإنسان، مهرجانات محلية للمسرح والفنون التلاميذية، رسم تعبير قصة ودون القفز على مجهودات الجمعيات المنضوية، تنمية التعاون المدرسي,الجمعية الرياضية..)لا تعدو مجهودات المصلحة أن تكون مجرد شهب تسطع بين حين وآخر في سماء النيابة.
طاولة الحوار لا تأتي
احتراما وتقديرا ووفاء لنضالات إخوة لنا، راكمت الشغيلة التعليمية وممثليها محليا مكاسب متعددة، بل وأعرافا، وقد سارت هذه النيابة على هذا النهج منذ أمد ليس باليسير، و ساهم الشركاء الاجتماعيون بأياد بيضاء في حل مجموعة مشاكل استعصت على الكل، بل ويتم اعتماد لائحة محلية بكافة الملفات الاجتماعية وتحل وفق ضوابط منطقية وتوافقية وأحيانا إنسانية....
لكن ندرة الموارد، وتفاقم وضعيات سابقة، أزم علاقة النيابة بشركائها، وأصبحت طاولات الحوار حلبات صراع و سجال، يعقد ويزيد من صعوبة هذه الوضعيات ويفاقمها...
جريدة الاتحاد الاشتراكي
2008/5/12
الإتحاد الإشتراكي 2004- جميع الحقوق محفوظة