هكذا تشكل الجيلالي
الـتـكـويــن
في ليلة ظلماء حالكة ، داخل بيت أجوري متقادم تقوس سقفه القصديري تجاه أرضيته التي التهمت الرطوبةالشيء الكثير من سمكها و لونها ، وفوق سرير خشبي متهالك ، بداخل فراش نثن ، تقاسم دفئه البق و العناكب و القطط ، تكوم جسدان آدميان انسدت مسام جلودهما بعرق وسخ كريه الرائحة ، امتزج برائحة البيت " الغاملة " ، و اختلطت بعبق حزمتين من البصل و الثوم تربعتا وسط حائط البيت المشقق ، جوار " هيدورة " مصبوغة بالحناء ، و أسفل يومية تعود للعقد الفارط ، اعتقداها يوم اقتنيا البيت من ديكورات الزينة ، تنازل لهماعنها آهلوه السابقون . لم يكن لحياتهما مرمى او مغزى . لم يسبق زواجهما بلقاء أوخطوبة . و لم يكن لجماعهما الشرعي مقدمات ... لغتهما بدائية تطغى عليها الإشارات والإيماءات . و مشاكلهما غريبة شاذة تغلب عليها التفاهات و الخزعبلات .
السحـب
وضعته على نفس سرير نومها بـمساعدة إحـدى جاراتها العاهرات ، أسمتـه " الجيلالي " باسم أحد الأولياءالصالحين الذين كانت تتمسح بقبره ، و تقبل حيطان ضريحه كلما أحست بهـّم و طمعت في أمر ... ارادت مداعبته ، فأدخلت سبابتها الخشنة الوسخة في فمه ، و أدنت فمها منوجهه صارخة : " الكبيدة ديالي ، تـكونونـو ، غا مـومو ، بني وي وي ... " و لم تعبأ بتوحيمة سوداء مثلثة ربطت عينه اليسرى بأذنه و بأنفه ... توحيمة تحدثت عنها الدواوير المتاخمة أياما و لياليا...
الكـتـــاب
سجلته أمه بأقرب " مسيد " من بيتها ، و استجدت الفقيه كي لا يبخل عليه بنعم بلـْـغته و كرامات عوده ، تربى " الجيلالي " على تأييد فقيهه ، و حفظ أخطاء قراءاته و الدعاء له كلما أنهى قراءة الحروف الأبجدية منشدا بلحن لا يطرب السامعين : ( الليف ما ينقطش, البا وحد من التحت, التا جوج من الفوق ... اليا جوج من التحت ، و من التوفيق ، و التوفيق من عند الله و الشيطان خزاه الله، سيد الفقيه هو اللول و حنايا من موراه حتى الجنة إن شاء الله . ) هكذا تعلم الجيلالي ان يكون تابعا لكل من له عليه أفضال ، مؤيدا لكل من يلقنه الحروف و الأرقام .
الـمـدرسـة
فهمتو كلكم ؟
ناعــــــــــــام.
واضح ؟
ناعــــــــام . .
الإنسان حيوان قارت ، تدور الشمس حول الأرض نصف دورة منالشرق نحو الغرب
سؤال : ماذا نعني بالثورة؟
- أنثى الثور يا أستـــــــــاذ
الـتـوجيــه
منذ أن أتم سنوات دراسته الابتدائية بأحد الدواوير النائية بعد انصرام إحدى عشرسنة من الدراسة و الانقطاع و المزاوجة بين مدارس المدينة و القرية ، و التحق بإعدادية إحدى الجماعات القروية، و انتقل منها إلى أعـرق ثانويات عاصـمة العلم والعرفـان ، و هو يحلم بان يصبح مستقبلا واحدا من أربعة ، مخرجا سينمائيا ، ملحناعالميا ، دكتورا نفسانيا أو مهندس إليكترونيك . لكن أحلام المسكين انهارت مـنذ زيارة السيـد الموجـه للثانويـة ؛ حـيث أخبره أن هذه التخصصات تحتاج لمسار دراسي وتكوين غير الذي تلقاه ، مـحبطا بـذلك آماله ، و مبررا بأن التلحين موهبة و فطرة وترعرع بين أحضان الناي و الكمان ، و أن الإخراج رأس مال و تكوين بأحد معاهد الدولالمصدرة لأفلام العنف و الجنس و الخيال ، و أن الطب النفسي تخصص مـشروط بمـعدلات صاروخـية . و علـم الإليكترونيـك مجـال يتطـلب مواصفات فـكرية و بدنـية لا تتوفرفيه ، لكنه و بعد اطلاعه على مستخرج و ملف نقطة تأمـله في صمت النحاتين و ركز نظرهعلى صلعته السائرة في طريق النمو ، و توحيمته الفحمية السوداء ، و صـرح لـه قائـلا : هل تعرف أنك تمتلك " فروة " معلم؟