بعد حل جيش التحرير ومطاردة زعمائه من طرف ميليشيات حزب الاستقلال واغتيال الناشطين في المنظمات والأحزاب المعارضة لاتفاقية «إكس ليبان» وبنودها السرية التي سلمت بموجبها فرنسا المغرب استقلاله المشروط بالبقاء رهن التبعية الاقتصادية واللغوية والثقافية لها، تسلم حزب الاستقلال مقاليد أول وزارة تعليم تحمل حقيبتها محمد الفاسي. فقد فهم الحزب، منذ البدء، أنه للاستمرار في احترام التقسيم الاستعماري للمغرب إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع، يجب تقسيم التعليم بدوره إلى تعليم نافع وتعليم غير نافع، تعليم مجدٍ وعلمي ينتج النخبة التي ستتحكم في الأغلبية التي ستتلقى تعليما متواضعا لا يحترم متطلبات سوق الشغل. وهكذا، ففي سنة 1957 سيعلن وزير التعليم الاستقلالي محمد الفاسي عن قراره تعريب التعليم الإعدادي انسجاما مع روح حزب الاستقلال الذي يدافع عن الهوية الدينية للمغاربة. وعندما حلت سنة 1962، قرر المجلس الأعلى للتعليم الوطني، بضغط من حزب الاستقلال دائما، تعريب التعليم العمومي بجميع مراحله. وبينما كان زعماء حزب الاستقلال يجربون تعريب التعليم في أبناء الشعب، كانت مدارس البعثات الفرنسية تستقبل أبناءهم بالأحضان. وعندما تسلم الاستقلالي عز الدين العراقي حقيبة التعليم في أكتوبر 1977، كانت حظوظ خروج نخبة متعلمة ومثقفة من مدارس التعليم العمومي شبه منعدمة. ولكي تصبح هذه الحظوظ منعدمة بشكل كامل، قرر الوزير الاستقلالي تعريب التعليم إلى حدود الباكلوريا. بعد تسع سنوات قضاها عز الدين العراقي في وزارة التعليم وست سنوات قضاها كوزير أول على رأس الحكومة، كان لديه الوقت الكافي لكي يضحي بجيل كامل من أبناء المغاربة وجدوا أنفسهم ضحايا نظام تعليمي عمومي لا منطق يحكمه سوى منطق الإقصاء والتجهيل. وطبعا، خلال هذا الوقت كان أبناء الزعماء الاستقلاليين وأبناء العائلات يتلقون تعليما خاضعا لبرامج وزارة التعليم الفرنسية في مدارس البعثة. وإذا عدتم إلى الموقع الإلكتروني لمدارس هذه البعثة ستعثرون على التواريخ التي نال فيها أبناء عز الدين العراقي الباكلوريا في «ليسي ديكارت»، كما ستعثرون على تواريخ حصول نزار بركة وغلاب والدويري وبقية أبناء زعماء حزب الاستقلال على شهادة الباكلوريا. والاتفاق الذي تم بين مفاوضي حزب الاستقلال والفرنسيين في «إكس ليبان» كان يقتضي أن تخرج فرنسا من المغرب، شرط أن يستمر حزب الاستقلال في ضمان تبعية المغرب اقتصاديا ولغويا لفرنسا، وإلا ما حاجة حزب الاستقلال إلى جريدة يومية ناطقة باللغة الفرنسية اسمها «لوبينيون»، هو الحزب المدافع عن اللغة العربية وحامي حماها. وطبعا، لضمان مصالح فرنسا الاقتصادية في المغرب، أو ما يسمى بـ«الوجود الفرنسي» في المغرب، كان ضروريا خلق نخبة مفرنسة تتلقى تعليما متطورا وعصريا في مدارس البعثة الفرنسية، وبعدها في المعاهد الفرنسية المرموقة، كمدرسة «الطرق والقناطر» و«المناجم» وhec والتي تخرج منها أغلب أبناء الزعماء الاستقلاليين وأصبحوا وزراء ورؤساء مؤسسات عمومية. ببساطة شديدة، فقد قام حزب الاستقلال طيلة السنوات التي تلت مفاوضات «إكس ليبان» بالتدبير المفوض للاستعمار الفرنسي. هكذا، نجحت فرنسا في استعمار المغرب عن بعد وبتكلفة أقل. والفضل كله يرجع إلى حزب الاستقلال الذي فهم الدرس جيدا وأعد أبناء زعمائه وأبناء العائلات المحترمة لكي يكونوا سفراء فرنسا في المغرب، يتحدثون لغتها ويدافعون عن ثقافتها ووجودها لعشرات السنين المقبلة.
أبعد كل هذا تسلم تدبير أمور التعليم الأساسي للحزب الفاسي السي بنكيران؟؟؟