سكت الرعد بعد أن أصم الأسماع، وانقشعت السحب، سوى رواسب عسجدية سبكتها شمس الغروب لترسم لوحة في قبة السماء فزادتها حسنا وسناء.. يسير الناس صوب مساكنهم للسمر والسهر مع من لهن لباس بعد احتساء شربة المساء...
سكون تام، والطقس ساكن، في هذه الساعة أجلس لوحدي ماسكا القلم من جسده لأرسم شمس الكلام الساطعة على أوراق سجل؛ وبعد ساعات، أسابيع يمسي السجل سفرا في الأسواق يشتريه الناس ليقرؤوا حكمة معاني السيمفونية السينية التي تحمل الأسماء، والأسابيع، والسنين، ورسومات شفرية...
سطع سحر الحياة في جسدي، فاستنارت سمائي وهزت سيمفونية الروح قلبي، وهيّجت نسيم سريرتي، فكان للدمع انسكاب...
سيدي، سعي في هذه الدنيا لا يدوم لإنسان، بعد حين سوف يتوسد ترب الرموس؛ آه! كم بكيت على الشباب وما كنت ناسيا؛ فلم يُغن البكاء ولا العويل، فيا أسفا أسفت على شبابي الذي نعاه شيب الرأس، ويا عجبا لأناس لو فكروا وحاسبوا أنفسهم لأبصروا واستوعبوا أن التقوى والبر خير زاد الإنسان.
سيدي، لقد لبست صروف الدهر في العسر واليسر حتى نسخت بحبي سورة العشق من قلبي؛ فسافرت بين بساتين النرجس، والياسمين، والسوسن إلى أن استقر قدمي في مملكة النحل، فسألته عن لسعه، وكيف يضع العسل سرا في خليته السداسية!؟ فأجابني بتسبيحات لم أستوعب سرهم حتى زاد سمعي عن عشرين ألف ديسبل فسجدت لرب السماوات السبع، والأراضي السبع. ثم واصلت مسيرتي حتى مملكة النمل فسألته عن سر قسمه حبة زرع إلى قسمتين، وقسمه حبة قمح إلى أربعة أقسام!؟ فأجابني بتسبيحات لم أسمعهم حتى نزل سمعي عن واحد ديسبل، فسجدت للسميع العليم. واستأنفت السير بين السهول والسهوب إلى أن أبصرت سنا مياه نهر السلسبيل، فجلست لأستريح في سفح جبل السعادة؛ فذهب اليأس والشقاء؛ فسمعت النسر يسبّح باسم السبّوح القدوس، والتفتت عن يساري فسمعت تسبيحات الطير والشجر بل حتى الحجر... الكل يسبّح باسم السلام المهيمن... فسألت سنونو كيف يوسوس إبليس الوسواس الخناس في صدور الناس!؟ فقال لي: إن كنت تعلم كيف يوسوس اﻠﭬيروس في الخلية سوف تعي السر!؟
سيدي، كن ما شئت، وافعل ما شئت، إنك ملاق ربك يوم الحساب، ولسوف تسأل عما كنت تعمل؛ إما في الفردوس متكئا على الأرائك من إستبرق، أو في سعير في سلسلة طولها سبعون ذراعا صحبة إبليس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ