ضحايا التعليم
أحمد امشكح
المساء
مرة أخرى ينتهي الحوار الذي عقدته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في بحر الأسبوع الماضي مع النقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية، وهي صفة أصبحت اليوم وأكثر من أي وقت مضى، في حاجة لإعادة النظر، إلى الباب المسدود بعد أن خلص إلى لاشيء.
ومرة أخرى، يطرح السؤال عن الجدوى من مثل هذه اللقاءات التي تعقد لكي تعقد ليس إلا، بدلا من أن تعقد لكي تحسم في القضايا المطروحة على طاولتها.
ويذكر رجال ونساء التعليم أن الحوار مع حكومة بنكيران في قطاع حساس اسمه التربية والتعليم، لم يحقق شيئا سواء على عهد محمد الوفا، أو رشيد بلمختار الذي جاء بعده. لذلك ظلت كل اللقاءات مجرد محطة للمجاملة وليس للتداول والحسم في الملفات المعروضة، وهي بالعشرات.
في حوار الثلاثاء الماضي تداول الوزير وكتاب النقابات في ملف أساتذة السلم التاسع، وملف المجازين، وملف الأساتذة المكلفين خارج سلكهم الأصلي، وملف التفتيش، وملف الحركات الانتقالية، وملف فض النزاعات، وملف الدكاترة.. غير أن الأمر لم يتجاوز حدود التداول، وليس الحسم. لذلك علق الكثير ممن حضروا أن ما حدث ويحدث هو الدليل على أن قضايا التربية والتعليم ستظل مؤجلة إلى حين.
الطريف في حكاية هذا اللقاء، الذي قد يكون رابعا أو خامسا أو عاشرا، هو أنه عاد لكي يبرمج سلسلة اجتماعات للتداول في قضايا أخرى كالإصلاح البيداغوجي، والحركات الانتقالية، والنظام الأساسي. ما يعني أن الموسم الدراسي، الذي دخلنا هزيعه الأخير، سينتهي دونما الحسم في أي من الملفات المعروضة. لذلك لا غرابة أن تفقد النقابات فاعليتها وتأثيرها على الجسم التعليمي. ولذلك أيضا ولدت هذه التنسيقيات التي تسحب بين الفينة والأخرى البساط من تحت أقدام النقابات التي قد تجد نفسها وحيدة بعد أن ينسحب الجميع.
في السنوات الماضية، كانت الحكومات المتعاقبة قد سنت سياسة غريبة اسمها «دعه يضرب»، في التعليم وفي الصحة وفي الجماعات المحلية، لدرجة أن أيام الإضراب تحولت إلى عطل مؤدى عنها.
واليوم يبدو أن حكومة بنكيران قد سنت سياسة بديلة يمكن أن نعنونها بـ»دعه يحاور»، على صيغة «دعه يضرب» دون أن يخلص الحوار إلى أية نتائج ملموسة، خصوصا وقد اختارت أن تفعل قانونا مازال في رفوف الأمانة العامة للحكومة اسمه قانون الإضراب، الذي يحدد ما لك وما عليك.
اليوم لا تتردد الحكومة في قطاع التربية والتعليم في اللجوء إلى اقتطاع أجرة أيام الإضراب، رغم أن الأمر خارج الضوابط القانونية. فلا النقابات نجحت في منع هذا الإجراء، ولا رجال ونساء التعليم توفرت لديهم الشجاعة الأدبية لكي يقولوا اللهم إن هذا لمنكر. والحصيلة هي أننا نعيش سلما اجتماعيا مفروضا، ليس بقوة الحديد والنار أو بسلطة القانون، ولكنه سلم بقوة الإقتطاع من أجور هي في الأصل هزيلة، نجح فيه محمد الوفا، قبل أن يسير على نهجه خلفه رشيد بلمختار.
هل نقول إن الحوار الذي تعقده وزارة التعليم بين الفينة والأخرى مع «نقاباتها»، التي تعتبر نفسها شريكا اجتماعيا، مجرد جلسات سمر أو دردشة، خصوصا وأنها تنتهي إلى لا شيء؟ أم أن النقابات لا تجد اليوم غير هذه الصيغة لتقول لقواعدها إنها هنا مازالت حية ترزق.
بقي فقط أن نذكر أن وزارة بلمختار وصلت إلى اتفاق لإتمام مناقشة النقط المتبقية في اللقاء المقبل، والذي مازال في علم الغيب، حول ملفات ضحايا النظام الأساسي، وضحايا الإدارة التربوية، وملحقو الاقتصاد والإدارة، والملحقون التربويون، وحملة الميتريز، والمتفقدون التربويون، والمبرزون..أي أن الأمر يعني كل ضحايا التعليم.