قصائد شاعرة أولاد زيد خزان للذاكرة الشعبية
اعتبرت قصائد خربوشة شاعرة أولاد زيد خزانا للذاكرة الشعبية ،وذلك بالنظر لما انتجته من تعبيرات صادقة خلفت رصيدا هاما من القصائد الشعرية ،بحيث استطاعت نقل أحداث ووقائع عاشتها منطقة عبدة، وشكلت إشعارها بذلك رافدا هاما لتراث فن العيطة بمختلف ألوانه، كما ساهمت تلك القصائد في توثيق سيرة قبيلة مضطهدة، مع رسمها لصورة ملحمة صمود أسطوري لامرأة بدوية شحذت كبريائها ، فجهرت بصوتها شعرا فاضحا لطغيان واستبداد عيسى بنعمر الذي نكل بأهلها وقبيلتها أولاد زيد ، ويرى المهتمون في هذا الفن بان شعرها في مجمله يصنع درامية أحداث " أولاد زيد" وفواجعهم على يد قائد عبدة"عيسى بن عمر ، والى ذلك يشير الباحث سالم اكويندي في بحته القيم الذي تناوله في كتاب له ،صدر مؤخرا تحت عنوان اصول التخيل المسرحي مقاربة انتروبولوجية في المسرح والثقافة الشعبية ، قال بان خربوشة اصبحت كناية للقهر والمذلة والظلم ، وان الوجدان اضحى يتفاعل ويتعاطف مع مقطوعات الحصبة الخمس في فن العيطة و الناطقة دوما: حاجتي في كريني، واوضح الكاتب كذلك بان التفاعل هو ما دفع بوشعيب البيضاوي مضاعفتها في مرساوي الشاوية: خربوشة منانة، وبذلك يكون قد أطلق العنان لانسياب خربوشة في المرساوي و هو انسياب فرضه انفتاح سهول الشاوية، و هنا تحضر حادة معاتبة: الشاوية كواتني وزادت ما بيا، حيث كانت الشاوية ملاذا لهروبها الأول من فظائع "عيسى بن عمر" ، وقد أثثت حادة فضاء الشاوية بما حمله صوتها الرنان في غناء شجي ،و كأنه البكاء في ندبة الفواجع بعبدة،
و العيطة هنا حسب سالم اكويندي بكاء يشبه في لوعته الرثاء، وبذلك شبهت بالخنساء ،حيث كانت للسلطة القائدية مفعولها في بلاد السيبة ، وتكون بذلك منانة حسب الكاتب تضعيفا لاسم خربوشة في المرساوي او ذات بعد تضامني إن لم نقل احتضاني تخوفا و اتقاء لما تخفيه نوائب الدهر، الشيء الذي يجعل منانة وخربوشة نظيرتين لحادة و التي ليست في الاصل إلا شاعرة القبيلة ،...وان الحريم وفق ما اباح به الكاتب لايهادن بل يصدح غناء العيطة بكاء فاضحا نفوذ القواد و تتسع دوائره باتساع هذا النفوذ، كأن المقاومة لا تأتي بحركتها لا من طي ركب عبيدات الرمى وهو الاصل في غناء العيطة، وهو ما يتجلى في غناء الساكن التوسلي لارتباطه بالاضرحة والاولياء الذين لم يكنوا الا عناوين لتراجيديا ال**** ومقاومة الظلم .
ويؤكد سالم كويندي في كتابه اصول التخيل المسرحي أن مكمن الرؤيا الدرامية في حكاية خربوشة يتجلى في قصائد العيطة و طريقة أدائها انطلاقا من الراسبة و العتوب (العتاب) ثم الطمة التي تعتبر تجميعا لمعطى تراجيدي في الحكاية، و منها تأتي الوقائع و الاحداث ، والتي ليست منطوق العيطة ، وأن هذه الاخيرة هي أساسا عيط أي بكاء ورثاء لما خلفته الاحداث بل أن العيطة مثن شفاهي تؤرخ به الاحداث، و كأن مقاوم هذه العيطات عبارة عن مرتية ،ومن هذه الدلالة يمكن فهم معنى التراجيديا الفاجعة التي تنطوي عن نكبة، و هذا هو مصدر قوة دراما حادة الشاعرة الكليمة خاصة وإنها كانت في قلب الاحداث المعبر عنها في عيطة "الحصبة" وهي من نطق بها وعددها نظما و إيقاعا غنائيا حتى تناقلتها الأسن و بذلك هي التي رأت وحكت لتقوم مقام الرواية الشفاهية ، أليس الاداء الكلامي مقاما من مقامات التلفظ في التداوليات ؟
واعتبر الكاتب قوة الدرامية لخربوشة تكمن في العيطة بالتحديد،باعتبارها نوعا اتراجيديا حاملا لفاجعة الحكاية: حادة الغياتية الزيدية أولا كأحكية يتم تجميع عناصرها من ملفوظ المقطوعات الخمس للحصبة. وتتوسع هذه الأحكية من ثنائية القطبين "حادة و القائد عيسى بن عمر " كفاعلين أساسيين لتشمل تنويعاتها بالمعارضين و المساعدين في النموذج العاملي لشخصيات و باقي مؤثتات الحكاية، مقدما في الوقت ذاته مونولوغا غنائيا في مناجاة حادة لذاتها:
خربوشة زروالة الكريدة كوتوني
واميمتي مصبرني
الشايب راه الغدر عيب على قايدي
وامنين أنت و امنين أنا
وما يدوم حال أسيدي
ويضيف سالم اكويندي في تحليله لقصيدة خربوشة ،بان المنطوق الدرامي لهذا النص يحلل الفاجعة عتابا و كأنه عتاب يبرز نوعية الاصل بين لظالم و المظلوم ،انطلاقا من فعل غاذر بعد حياة اطمئنان، و كأن القايد وحادة من ذات الاصل ، وهو ما تبرزه دلالة الحصبة التي جاءت عنوانا لهذه المقطوعة الغنائية، متسائلا كذلك : أوليست الحصبة إلا كناية للأرض التي كانت مسرحا للأحداث المحكية في محمول منطوق القصائد و الناتجة عن الغذر الذي كان من المفترض ألا يقع مادامت علامات الشيب المشار إليها مانعا، غير أن الفاجعة وقعت، أم ان ملابسات الظرف المعيش أنذاك حتم على قبائل عبدة أن تعيش قدرها، و أنه قدر مرسوم بالفتنة و القوة و الجبروت وعدم الاستكانة ، وقدر لهذا الإنسان أن يعيد صياغته صراعا ويلعب فيه دورا حاسما لتحديد مسار المنطقة كلها مادامت منطقة قد حبتها الجغرافية هذا المصير ، كموقع استراتيجي متميز: رأس كنتان(الكاب) المطل على المحيط الاطلسي، وسهول خصبة تتوسط قبائل دكالة و الشياظمة و منها على مشارف الرحمانة، ألم يكن الكاب بوابة لدخول الفينقيين و الوندال و الرومان و البرتغاليين حيث اشتغلت محاكم التفتيش؟ ألم يكن مرسي وبابا مفتوحة على مراكش وجبال الاطلس؟
ان حكاية حربوشة لم تأت عبثا بل دلالة تراجيديا الدم و الانتقام المتبادل في الحركات، فمعاينة ما يجري على ّأرض الحصبة والتي لم يعد بها الا الخراب ، و كأن نبوءة حادة قد تحققت: حين قالت دار القايد كالو خلات و مقابلة للمعاشات، وان لازمة "مايدون حال" لازمة صادقة فيما جرت به الاحداث والتي هي أحداث تنطوي على الكثير من الفواجع، جاءت بها الرؤيا الدرامية لخربوشة في صياغتها البدوية .
عبد الرحيم النبوي
قصائد شاعرة أولاد زيد خزان للذاكرة الشعبية .
المواضيع المتشابهه
