(فلسفة)مجتمع و(هرطقة) فرد
كل مجتمع بأفراده ينضح وكل فرد يمثّل محورالعادات والتقاليد التي يكون مجبولاً عليها منذ نعومة أظفاره
فلاريب أن " كل مولود يولد على الفطرة "
عقل الفرد وتفكيره ينمّ عن تربية مُجتمع بأكمله من أهل وأصدقاء ومؤسسات تعليمية وغيره من المؤثرات التي تكون في طور التغيير وتكمن في تجميل الصورة بدعم المؤهلات الفكرية للفرد أو تشويه الملامح بخدش القيم أو مُحاولة إخفاء المباديء بوضع قناع مزيّف للأخلاق .
:: لنكن واقعيين أكثر :
من النادر جدّاً أن تجد شخصاً يُبدّل تقاليد تربيته وبيئته - سليمة كانت أم عقيمة – ويخرج عن نطاق تعاليم المُجتمع الوضعية إلاّ من بعد أن يُقام الحظرعليه من المُجتمع وإدانته بكسر حواجز ماتوارثوه عبر الأجيال لتتنافى مع ميوله وفكره وتنجلي كينونة الفرد ويتقوقع في عزلته لـ يُصبح (ضحيّة مُجتمع)!
هناك من يُخضع رقبته تحت لواء السيطرة الإجتماعية ويتأثر بها وربما ينحاز للمُدافعة عنها حتى إن لم يقتنع بها لكون الإنعطاف عن المسار يجعله يدفع ثمناً لايُحمد عُقباه وهناك من يشجب ويستنكر ولايجد ملاذاً لرأيه , لم يُخطئ من انتقى الكلمتين اليونانيتين الدخيلتين على اللغة العربية (هرطقة)و(فلسفة) فالأولى بمثابة الزندقة والخروج عن نسق المُعتاد عليه ومُحاولة تغيير المبدأ الأساسي لكنها أحياناً تطغى على قوانين الدين ومساسه لذلك أصبحت تُطلق على الطوائف الفكرية الفلسفية المُختلفة والفيلسوف هو ذلك المُحب للحكمة والباحث عن الحقيقة بالتأمل العميق إلى أن تقلّص هذا المعنى عبر السنين فأصبح يُطلق على من (يكتب ولايُفهم مايكتبه) لانتقائه حبك الصياغة والحروف وغياب الفكرة والظروف !
لا الهرطقة تُفيد ولا الفلسفة تُجيد إن لم يتفقان ويتشكّلانِ ضمن معادلات ترسمها القوة الفردية والجماعية معاً :
فلسفة مجتمع = قانون + طاعة الفرد = نجاحٌ بالتأثير مُقيم
هرطقة فرد = مُعارضة قانون + إبداء رأي = نَبْذٌ بالعراء فهو سقيم
فلسفة مُجتمع+هرطقة فرد = وجه وطن عابس !
ضغوطات المجتمع على الفرد تكون (سلبية) أو(إيجابية) وكلها مسئولة عن فقدان العقل أواكتماله سواءً كانت من مُجتمع صالح أم فاسد فمنها ينتج أحد الأمرين:
إما شخص سلبي لايتعاطى (جملة النفي) في قواميس حديثه وإبداء الرأي فيكون مِطواعاً حتى في أمور لايستسيغها عقله أو شخص (فاسق) بلغ مرام القوانين المحرّمة شرعاً , لِذا علينا أن نحتاط لحساسية الأمرين بأن نُساير المجتمع ونُوازيه في خط سيره كي لانتقاطع مع أمره في شيء ونوظّف تلك القوانين بالمكان المناسب أو أننا نُعاكسه بالاتجاه بعد مُجابهات نخوضها في مضمار الإقناع والإرادة الحرّة فنصبح حينئذٍ منبوذين بعيداً عن تلويث عقول أولئك الأفراد المُستقبلين للآراء غيرالمُرسلين لها.
تحضرني حكاية جحا الذي مر مع ابنه بجمعٍ من الناس فكان راكباً حماره وولده يمشي فقالوا انظروا لهذا الأب الغليظ يركب مُرتاحاً ويدع ولده يمشي في الشمس سمعهم جحا فأوقف الحمار ونزل وأركب ولده فمروا بقوم آخرين فقال أحدهم : انظروا إلى هذا الابن العاق يركب ويدع أباه ماشياً سمعهم جحا فأوقف الحمار ثم ركب مع ولده ليبتعد عن انتقاداتهم فمروا بقوم فقالوا انظروا لهذين الغليظين لايرحمون الحيوان ! فنزل جحا وانزل ولده ومشوا بجانب الحمار ومروا بقوم فقالوا انظروا لهذين السفيهين يمشيان والحمار فارغ وهل خُلق الحمار إلاّ ليُركب!
فصرخ جحا وجرّ ابنه ودخلا تحت الحمار وحملاه !
هي صرخةٌ مدوية لكن صرخة جحا كانت إزاء إبداء رأي والرأي إما أن تقبله أو ترفضه ولك الحق في ذلك مع مُراعاة اختلاف المضمون ومدى نزاهته لكن إن أصبحت تلك الآراء (قوانين جبرية) لاتقبل الكسر وتلزم الفرد الاحتماء بها وتقصيّ حدودها وعدم تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة لها
تكون الصرخة حينئذٍ متلعثمة بـ قلة الحيلة لاأكثر !
القوانين النظمية بالحياة تحتاجها كل "غريزة إنسانية واقعية " لكن إن كانت القوانين الوضعية لاتلامس سماحة الشريعة الإسلامية ويسرها مع الأمور وملائمتها مع كل زمان ومكان تكون أقرب لتعذيب الأفراد المُستسلمين , بعض الأنظمة الإجتماعية تتخّذ مسلكاً إيجابياً في إيحاء الأمور وتبرير خطورتها لتكتشف بنفسك مدى أهميتها لاحقاً وتُنتج أفراد قادرين قائمين بالواجب والبعض منها يتخذ أفعال خاطئة تتلقّى مردود فردي خاطئ فلكل فعل ردة فعل .
-لكَ أن تجرّب أن تتحاور مع مُجتمع لايُجيد سوى لغة (الصياح) لاتخاذهم المقولة الشعبية الدارجة : (انطح الصياح بـ صياح تسلم !)
-لكَ أن تجرّب أن تعيش وسط مُجتمع يركل مُستقبلك إلى قائمة التفاهات ولاحول ولاقوّة .
-لكَ أن تعيش في مجتمع (مُنفصم عقليّاً) يحمل أشخاص يشعرون بالتقيّؤ حينما يسمعون "صوت" المرأة ويدّسون رؤوسهم كالنعام إن ذُكر "اسمها" وكليهما للسفاهةِ أقرب .
-لكَ أن تجرّب أن تعيش وسط مُجتمع يقهقه حين يستمع إلى حكمة لم تُكمل نطقها افتراضاً منه بأنها تستحق أن تكون (طرفة في مجلة أطفال !)
لـ يُصبح منظورك للمُجتمع مجرّد أقصوصة تُسلّي بها أطفالك في حكاية المساء وتنام مُستريح البال !
مجرّد أسئلة " فضوليّة " تشبه نظرة المُجتمع للفرد الحرّ :
::هل " الفطرة الإنسانية " تحتاج لأدوات قيم المُجتمع ومبادئه أم أنها معرّضة للزوال والتضاؤل ؟
::هل يتحوّل الفرد إلى آلة صمّاء حين يضغطه المجتمع ويُمارس عليه فن العتاب المُقلق ؟
::الفرد يملك خطيّن متوازيين خط السلبيات والإيجابيات , فهل يحق للمُجتمع اختيار خط مسار الفرد وترميمه وتعديله متى ماشاء ؟
::هل يعتبر الخوف من "الفشل" هو سبيل الخوف من أداة المُجتمع " اللسان" ؟!
:: تساؤل أخير لاينتظر الرد ولايقبل الندّ ::
:: أيهما أرجح لصحة الفرد العزلة أم الإختلاط وفرش البساط ؟
بحث:نورالدين بليغ