بقلم / ماجد ضيف
[email protected] الفلسفة هى القدرة على تبسيط القضايا المعقدة أو جعلها أقل تعقيدًا لكى يتيسر فهمها على عامة الناس ، أما التفلسف فهو ادعاء الفلسفة ، وهو عمل يؤدى إلى إعادة تعقيد القضايا التى سبق تبسيطها ، فتصير أكثر تعقيدًا مما كانت عليه ، ويصير فهمها أمرًا عسيرًا على عامة الناس بل وخاصتهم أحيانــًا ، وكأن المتفلسف هذا يعانى مرضــًا نفسيًا من أعراضه التلذذ برؤية الناس وسماعهم وهم يرددون أنه يتكلم بما يفوق قدرتهم على الفهم والإستيعاب ، وهو فى حالته المرضية هذه لايدرك أنه فقد التواصل مع الآخرين وأنه بالتالى لم يعد هناك مبرر ولانفع ولاجدوى من كتاباته المتفلسفة !!وقضية اليوم التى أريد فلسفتها ــ دون تفلسف ــ هى قضية المعجزات .. فما هى المعجزات ؟ ولماذا تحدث ؟ وهل نحن البشر فى حاجة إليها ؟ وكيف ينبغى علينا استقبالها ؟لقد بدأ انشغالى بهذه القضية منذ أيام قلائل ، حين قرأت مقتطفات من هنا وهناك عن وجود شجرة فى إحدى المناطق القريبة من القاهرة محفورًا عليها لفظ الجلالة ( الله ) وبالقرب منه أحد أسماء الحبيب المصطفى ( محمد أو طه ) ، ثم قيل أن هذا الإكتشاف قد شاع خبره بين الناس فتوافدوا بكثرة على مكان هذه الشجرة لرؤيتها والتحقق من مصداقية هذا الخبر الهام .. ثم ماذا ؟ثم إذا بالعديد من مشاهير الكتاب وأساتذة الجامعات والمفكرين يتسابقون إلى صرف الناس عن هذه الشجرة لمبررات ما أعجبها ، فمنهم من وصف هذا المسلك بأنه بدعة ضالة ، ومنهم من عاب عليه إعاقته للمرور ، ومنهم من طالب بقطع هذه الشجرة وحرقها حتى لايفتن بها الناس قياسًا على ما فعله الفاروق عمر بالشجرة التى ذكرت بالقرآن والتى أخذ النبى صلى الله عليه وسلم البيعة من المؤمنين تحتها ( الآية 18 من سورة الفتح ) ، ومنهم من تمادى فى فلسفته ـ وهو كاتب شهير جدًا وله عمود يومى فى أكبر صحيفة مصرية بل وعربية ـ فكتب ما نصه { إن وجود كلمة الله على الشجرة ليس معجزة كما يتصور الناس الطيبون ــ وأعتقد أنه يقصد السخرية منهم ــ بل ورقة الشجرة هى المعجزة ، بل جناح الذبابة التى تقف فوق ورقة فى شجرة هو المعجزة ، بل البكتريا فى واحد على مليون من جناح الذبابة هو المعجزة .. ثم يواصل هذا فيذكرنا بآية من القرآن ظنـًا منه أنها حجة له ــ وأرى أنها حجة عليه ــ ألا وهى " إن الله لايستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " } .. وكفى !! ثم أما بعد .. فيا الله يا الله .. ما كل هذا التفلسف ؟ ! وماجدواه ؟! .. والله الذى لا إله إلا هو ما أرى إلا أن هؤلاء المتفلسفين قد برهنوا دون أن يدروا عن حاجتهم الماسة لما يلى من إيضاحات لا أظن عامة الناس من البسطاء الطيبين فى حاجة إليها : ــ1 ــ أن المعجزات بكل صورها هى أفعال إلهية يعجز عن الإتيان بمثلها أيًا من الخلائق ، لذا فهى تستحق منا استقبالها بإجلال ورهبة وتقديس لآلذاتها وإنما لجلال وهيبة وقدسية فاعلها وهو الله ..2 ــ أن جميع أنبياء الله ورسله بكل ما أوتوا من علم وأضلية وبكل ما حملوا من يقين لم يتعال أحدهم على معجزات الله أو يقلل من شأنها ، لعلمهم أنها آيات معجزات تهدى إلى الخالق تثبيتــًا وإثباتــًا ، فهى تثبت المؤمنين على إيمانهم وتقدم للكافرين إثباتــًا على وجود الخالق ووحدانيته ..3 ــ ن القصص القرآنى تضمن العديد من المواقف التى تؤكد أن بعض أنبياء الله ورسله كانوا يسألون الله أن يمن عليهم بمعجزاته لحاجتهم وحاجة أقوامهم إليها ــ إثباتــًا وتثبيتــًا ــ ولا أظن فى كل الأحوال وبكل المقاييس أن أحدًا من أهل زماننا بما فيهم أهل التفلسف قد تجاوز مرتبة هؤلاء الأنبياء وصار فى غنىً عن معجزات الله ، بل يقينى أن أهل زماننا فى حاجة أمس وأكثر إلى هذه المعجزات .. 4 ــ أن الفاروق عمر حينما أمر بقطع شجرة البيعة وحرقها خشية أن يفتن بها الناس ، كان أدرى منا بأهل زمانه ، وأهل زمانه هؤلاء ليسوا جميعًا كعلى وعثمان وابن الزبير وغيرهم من أعلام الصحابة وأئمة الأمة ، ولكن فيهم من كانت نفسه لاتزال تهفو إلى حياة الجاهلية التى كانت جذورها لاتزال حية ضاربة فى أعماق ذهنه ووجدانه ، وهؤلاء من البداهة أن يخشى عليهم الإفتتان بشجرة البيعة وتقديسها بدلاً من تقديس خالقها ، وعمومًا فما كان لدى الفاروق من مبررات لم تعد صالحة للقياس عليها حتى فى شأن أكثر مسلمى زماننا عصيانــًا ..مما سبق فإن الشجرة موضوع المقال إذا كان وجودها حقــا ، وكان ماقيل فى شأنها صدقــًا ، فهى معجزة لها منا كل التقدير إجلالاً وهيبةً وتقديسًا لخالقها الذى نحمده ونشكره ونسأله المزيد من آياته المعجزات ، تثبيتــًا للمؤمنين ، وإثباتــًا للكافرين ، ونكاية فى المتفلسفين الذين عجزت مداركهم عن استيعاب حقائق الخلق والمخلوقات ، فتعالوا على البسطاء وسخروا منهم لا لشئ سوى أنهم بسطاء لم يقف أحدهم يومًا خلف ميكروسكوب توجد أمامها ورقة شجرة تقف عليها ذبابة ذات جناحين على كل منهما معجزة إلهية تتمثل فى البكتريا التى تعيش وتتكاثر فى مساحة لا تتجاوز واحدًا على مليون من جناح الذبابة !!( نشر هذا المقال فى اللواء الإسلامى الخميس 24 من ربيع أول 1428 الموافق 12 من أبريل 2007 )