تابعتُ يوم أمس برنامج حوار الذي بُث على القناة الأولى ،حيث اُستضاف السيد مصطفى العلوي، الأمين العام لحزب التَّقدم و الإشتراكية السيد نبيل بنعبد الله ،البرنامج الذي استدعى مجموعة من الصحفيات من منابر إعلامية مختلفة لإثراء النقاش، لم يخرج عن أسلوبه المعتاد في محاورة الضيف ،حيث جاءت الأسئلة التي وُجهت للسيد الأمين العام كلاسيكية و مُهادِنَة، بعيدة عن الأسئلة الجريئة التي كانت تَنتظرها شريحة عريضة من الشعب المغربي و خاصَّة الشباب،حيث اُنصبت أغلب الأسئلة حول جذور حزب التقدُّم و الإشتراكية و منطلقاته اليسارية الإشتراكية ثم تحالفه مع الكتلة الديمقراطية .
أسئلة كهذه يعرف الجميع إجابتها و لا تفيد في شيء سوى في إغناء السمر الفكري ،حتى أن الضيف لم يُحس في أي فترة من فترات الحوار بأي إحراج أو مضايقة، و بدا رابط الجأش مُسْتَأْسداً بِرَهْطِ الصحفيات اللواتي تكلفن بمحاورته و اللائي ظهرن أمامه كالنعاج المغلوب على أمرها.
كنا ننتظر من السيد مصطفى و ضَيفاته أن يُوجهوا أسئلة في الصميم و ذات معنى، ما دُمنا نعيش فترة سياسية وطنية و إقليمة دقيقة ،تطرح معها أسئلة لم يكن بوسع أحد طرحها من قبل.
كنا ننتظر منهم أن يسألوا السيد بنعبد الله كيف يضع يده في يد السيد عباس الفاسي والتي نهبت أموال الشباب المغربي في أكبر عملية احتيال في المغرب (فضيحة النجاة) ،أو كيف يرد على الإتهامات الموجهة إلى السيد نبيل حول إقحام أخته نوال بسهرات ستوديو دوزيم حين كان وزيراً للاتصال مقابل مليارات الدراهم تُدفع من جيوب المغاربة؟
أو أن يطلب منه تفسيرَ حيثيات إعفائه من منصب سفير المغرب في إيطاليا ثلاثة أشهر على تعيينه؟
هذه الأسئلة و أخرى مشابهة لم تُطرح، وفُتح المجال لأسئلة مبتذلة جعلت الضيف الذي لا يفوِّتُ فُرصة إلَّا و يصف نفسه بالمناضل الكبير و المنتخب بطريقة نزيهة و شفافة ،يأخذنا في رحلة في تاريخ حزبه و تحالفه مع أحزاب الكتلة و إنجازاتها و تنافسه الغير شريف مع ثلاثة من الخصوم السياسيين القذرين (على حد وصفه) و الذي انتهى بانهزامه أمامهم في دائرة تمارة،هزيمة وصفها بالمشرَّفة ما دام حصل على أربعة آلاف صوت لم تسعفه في شيء.
السيد نبيل بنعبد الله ،كشف النقاب بل أكَّد أشياء كنا دائماً نتَّهم بها الأحزاب في هذا البلد، و كان كلَّ حزب يتبرَّأ منها .
ومنها مشكلة منح التزكات لأصحاب النفوذ على حساب النخبة و الكوادر ،إذ أكد الضيف أن المشكلة توجد داخل كلِّ الأحزاب المغربية و أن حزبه لا يمكنه التخلِّي عنها وحده دون أن تتركها باقي الأحزاب الأخرى .
موقف كهذا يُظهر أنَّ صاحبه إمَّا أنه لا يعرف العواقب الوخيمة التي ستنجم عن تبني أسلوب مماثل في منح التزكيات أو أنَّه لا يستحيي و وَصَلت به الجرأة إلى الجهر بهكذا فضائح.
من الأمور الأخرى التي لم أستسغها البتة، ما قاله حين وصف حزبه الإشتراكي أنه يستمد مشروعيته و قوّته من الجماهير الشعبية ،فأين كان هذا الحزب حينما نزلت الطبقة الشعبية إلى الشارع في 20 فبراير إلى الأن و طالبت بالإصلاح الحقيقي ،ألم يلتزم الصمت و دس رأسه في التراب حتى تمر العاصفة ،ليخرجه تارة أخرى أشعث أغبر بالرغام ليقول أن إلتزاماتنا الدستورية والحكومية و مصلحة الوطن دفعت به إلى الإحجام على النزول مع الطبقة التي ادَّعى أنَّه يستمد منها قوَّته.
مصلحة البلاد تهمنا جميعاً و من أجلها خرج المغاربة رافعين لافتات تذم الفساد و تتوعَّدٌ المفسدين و تَنشد الإصلاح الحقيقي الكفيل بالمضي بالمغرب إلى التقدّم و الرخاء.
موعد الإنتخابات أوشك على الحلول ،مما يتطلَّبُ التلوُّن كالحرباء ،و هذا ما يمكن أن نُفسِّر به سلوك و مواقف السيد بنعبد الله خلال حلقة حوار لمساء أمس، الرَّجلُ كان يبالغ في تمجيد ما قامت به الحكومات التي قادتها الكتلة الديمقراطية و وزراء حزبه خاصة وزير الإعلام السيِّد الناصري الذي عرفت حقبة تولِّيه هذه الوزارة الزجَّ بالصحفيين في السجن و سحب تراخيص و إغلاق قنوات تلفزيونية و الوزيرة الصقلي التي كانت دائماُ بوقاً للجمعيات النسائية على حساب قيم و ثقافة هذا الشعب المسلم، بينما كان يستشيط غضباً حين وَصفت إحدى الصحفيات خطابه و لغة حديثه بالمُستهلكة أو حين فُتح موضوع المستشارين الذين أوقفواْ بتهمة إستعمال الأموال في إنتخابات تجديد ثلث مجلس المستشارين سنة 2007 و الذي كان لحزب التقدم و الإشتراكية حصة من هؤلاء المفسدين المُتورِّطين!!.
هذا غيض من فيض لما تابعتُ البارحة،حيث يظهر كيف يتصرَّف سياسيونا و كيف يتعاطى إعلامنا مع االمواضيع السياسية ،وهوالذي عجز عن تجاوز السطحية في نقاش شخصيات و قضايا تتحكم في مصير هذا البلد ،بلد ما فتئ يكتوي بأخطاء هؤلاء و هؤلاء ،في انتظار أن يعي كلُّ واحد منهما أن هذا الوطن توّاقٌ للتغيير ،تغييرٌ في لغة الخشب و عقم العمل الحزبي و المقاربة التي يتعاطي بها إعلامنا مع القضايا السياسية المصيرية.
عزيز موكال