التكنولوجيات الحديثة للاتصال وتجربة التعليم عن بعد - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



طلبات الانتقال بالتبادل هذا الركن بدفاتر dafatir خاص بطلبات الانتقال بالتبادل

أدوات الموضوع

الصورة الرمزية mostafa33
mostafa33
:: دفاتري ذهبي ::
تاريخ التسجيل: 28 - 2 - 2008
المشاركات: 1,150
معدل تقييم المستوى: 316
mostafa33 في إبداع متزايدmostafa33 في إبداع متزايدmostafa33 في إبداع متزايد
mostafa33 غير متواجد حالياً
نشاط [ mostafa33 ]
قوة السمعة:316
قديم 05-04-2008, 09:56 المشاركة 1   
منقول التكنولوجيات الحديثة للاتصال وتجربة التعليم عن بعد

في سياق التحوّلات التكنولوجية الكبرى التي صاحبت مسار العولمة اليوم غدا من الشرعي الحديث عن نموذج مجتمعي جديد أطلق عليه اسم مجتمع المعرفة أو مجتمع المعلومات للدلالة على هذه التغيّرات الهيكلية الجذرية والمتسارعة التي مسّت مختلف المؤسسات وأنماط الأداء الاقتصادي والاجتماعي وأسس التبادل لا فقط الاقتصادي بل الاجتماعي في معناه الواسع والشمولي، استنادا إلى معايير جديدة في التقييم والمكافأة. فمثلا تغيّرت قيمة السلعة المنتجة ومعيار الغنى والفقر على مستوى الأفراد كما على مستوى المجتمعات. فالمجتمع الغني هو المجتمع الغني بالمعلومات وبالأفكار الخلاقة والقدرة على التجديد، والعكس بالنسبة للمجتمعات الفقيرة. بحيث يقوم تقابل بين الأمم الغنية بالمعلومات في مقابل الأمم الفقيرة من المعلومات Les info-riches? les info-pauvres . هذه التغيّرات مسّت شتى أنماط العلاقات الاجتماعية وأشكال التواصل والتبادل داخل مختلف مؤسسات المجتمع من عائلة وشارع ودولة وحزب ومدرسة. أي مختلف أشكال التبادل الاجتماعي خلال الحياة اليومية للناس التي تجلـّت مثلا من خلال تبادل الرسائل والأخبار والمعطيات الاقتصادية أو الطبية أو التجارية المعاشية والمضامين الدراسية بحيث أصبحنا نتحدّث اليوم عن التراسل الإلكتروني E-mails والتجارة عن بعد Commerce électronique والتحاور عن بعد E- chatting والطبّ عن بعد ( تشخيصا وعلاجا) Télé-médecine وتبادل المعطيات الطبية عن بعد Banques des données médicales والمنتديات الحوارية والملتقيات عن بعد News-groups والحكومة عن بعد E- governing والتصويت عن بعد E- voting وأخيرا وليس آخرا الدراسة أو التعليم عن بعد E- learning . والذي يهمنا في هذه الورقة هو حضور هذه التكنولوجيات الحديثة في الاتصال داخل مجال التعليم إذ أصبحنا بموجبه نتحدث عن ظاهرة التعليم عن بعد.
I - الإطار المعرفي والتكنولوجي لظهور التعليم عن بعد :
يمثل مجال التعليم من المجالات الاستراتيجية التي راهنت عليها الأمم باعتبارها رهان تنمية وتحديث، دون أن تتردّد في توظيف الوسائل المتاحة في كل عصر ومحاولة الاستفادة منها لتحسين العملية التعليمية كمّا ونوعا، بفضل ظهور تكنولوجيات جديدة قادرة على توصيل المعرفة إلى المتعلّم ذاته أينما كان دون الحاجة إلى أن يذهب إليها.
فبفضل هذه التكنولوجيات أصبح من الميسور نقل المعلومات أو المحاضرات الجامعية أو الندوات الثقافية إلى أماكن مختلفة داخل القرية الكونية، لا بل حتى توصيل الخدمات التعليمية والتدريبية إلى منازل الدارسين أو أماكن عملهم بسرعة فائقة وعلى أكمل وجه، عبر شبكات الاتصالات والأقمار الصناعية التي تطوّق الكرة الأرضية. وتم تسخيرها أيضا في تبادل التعليم الجامعي والبحوث العلمية والتدريب وتجويد التكوين وتبادل المحاضرات والخبرات والمناقشات والمعلومات والآراء والبحوث. </STRONG>
وممّا يجدر ذكره أن التطوّرات التقنية والوسائط التعليمية المختلفة قد تزامنت مع مراحل تقدّم التعليم عن بعد وانتشاره. فقد اعتمد التعليم عن بعد في بداية الأمر على نقل المواد المطبوعة من المعلـّم إلى المتعلـّم باستخدام المراسلات البريدية(التعليم بالمراسلة). وأدّى البث الإذاعي إلى استخدام الراديو في التعليم، ثم توسّع استخدام الأجهزة الصوتية في التعليم من خلال أجهزة التسجيل. ثم ظهر التلفزيون وتلاه الفيديو. ومع شيوع انتشار الأقمار الصناعية سيتم المزج بين الصوت والصورة في العملية التعليمية ثم إن انتشارَ استخدام الحواسيب الشخصية سيفتح بابا واسعا في هذا الاتجاه. فمع تقدّم الإلكترونيات والمعلوماتية غدا بالإمكان إقامة شبكات اتصال، عبر الجمع بين الحواسيب الشخصية وشبكة الاتصالات الهاتفية الذي أعطانا الانترنت ثم البريد الإلكتروني والفصول الإلكترونية وقواعد البيانات والمكتبات الإلكترونية والأقراص المدمجة التفاعلية والمؤتمرات المرئية... التي تمّ تسخيرها جميعا في مسار التعلـّم الذاتي. إضافة إلى كل ذلك فإن شبكات الاتصالات والمعلومات تساعد على خلق بيئة تربوية تلتقي فيها المعاهد الجامعية ومراكز البحث من الأقطار كافة وتوجِـدُ بينها نوعا من التعاون العلمي والتربوي، حيث أنها تبث المواد التعليمية والبحوث المعَـدّة من قبل أفضل الأساتذة والعلماء والمختصّين، وتساعد كذلك على تبادل المعلومات بينهم داخل عالم شهد تغيّرات هيكلية كبرى معرفيا، اقتصاديا، ثقافيا، ديمغرافيا وسياسيا... وهو ما جعل من الضروري إرساء سياسة تعليمية جديدة تستجيب لروح العصر ومتطلباته المتواترة، عبر استغلال الإمكانيات الواسعة التي تقدّمها التكنولوجيا المتقدمة، لتسهيل التواصل والحصول على المعلومات من أي مصدر وفي أي وقت. </STRONG>
ونرى لزاما هنا أن نبرز مفهوم المجال السيبرني كأحد أهم الخطوات المنجزة في مجال هذه الثورة الجديدة. إنه ذلك الفضاء الافتراضي الذي كان استعمله الكاتب الأمريكي William GIBSON في روايات الخيال العلمي سنة1984 ضمن روايته Neuromancer أين وصف واقعا افتراضيا لشبكة ترتبط بأطرافها مجموعة من الحواسيب عبر نظام على درجة من التعقيد تتجاوز حدود التصوّر البشري. ومع تطوّر الإعلامية وتطبيقاتها سوف يترعرع هذا المصطلح ليطلق على الشكل الجديد لتنظيم شبكة الأنترنت والشبكة العنكبوتية العالمية World Wide Web والشبكات الحاسوبية الوطنية والمحلية ونظم النشرات الحاسوبية التي تسمح جميعا بتجاوز عوائق الزّمان والمكان والإنسان في تداول المعلومات. إلا أن أهمّ خاصية تميّز الفضاء الحاسوبي هي أن وجوده افتراضيّ تتجاوز مقوّمات ُ ه وتصوّراتُه للزمان والمكان المقوّماتِ والتصوّراتِ الفيزيقيةَ التي ندركها في الواقع الفيزيائي التقليدي. ومن خصائصه أيضا أنّه مجال للنقاش والانفتاح والشفافية والحرّية والتنوّع والمرونة والتعايش بين الثقافات والتفاعل. وتعدّ شبكة الأنترنات، داخل هذا المجال السيبرني، الأداة المحورية التي تسمح بإعطاء الصبغة الكونية لهذا المجال الافتراضي، نظرا لامتدادها وانتشارها الهائليْن، إذ يقدّر عدد روّادها مثلا سنة 2004 بــ800 مليون مرتاد( ). ويعرّفها نبيل علي بأنّها » تلك الغابة الكثيفة من مراكز تبادل المعلومات التي تختزن وتستقبل وتبثّ جميع أنواع المعلومات في شتى ميادين المعرفة وفي جوانب الحياة كافة، من قضايا الفلسفة وأمور العقيدة إلى أحداث الرّياضة ومعاملات التجارة ومن مؤسسات غزو الفضاء وصناعة السلاح إلى معارض الفنّ ونوادي تذوّق الموسيقى زمن الهندسة الوراثية إلى الحرف اليدوية ومن البريد الإلكتروني إلى البثّ الإعلامي، ومن المؤتمرات العلمية إلى مقاهي الدردشة وحلقات السّمر عن بعد ومن صفقات بورصة نيويورك إلى مآسي المجاعات والأوبئة في أرجاء القارّة السوداء « ( ) ، بحيث تنساب المعلومات في سيولة عبر مسالك متشعّبة ضمن نسيج رمزي لا نعرف له بداية من نهاية، على اعتبار أنّ شبكة الشبكات هذه ليس لها مركز عصبي Centre névralgique محدّد.
وبالنتيجة فإن الثورة المعلوماتية، في عالمنا المعاصر، قد مسّت شتى مناشط الحياة للفرد كما للمجموعة فعلا وإنجازا فكرا وعرفانا، خاصة وأن الإنجازات التكنولوجية في هذا المضمار لم تتوقـّـفْ عند حدّ. فالتقنيات الحديثة في المعلومات والاتصالات N.T.I.C قد شهدت تحوّلات سريعة ومتوالية تولـّدت اللاحقة منها عن السابقة أو تكاملت معها لخلق واسطة جديدة في الاتصال. فالتلفزيون مثلا جاء لاحقا ومطوّرا للراديو. وأكثر من ذلك فإن تزاوجا ثلاثي الأطراف بين الإعلامية والاتصالات الهاتفية والسمعيات البصريات قد شرّع للحديث عما يسمّى اليوم بالميلتوميديا أو الوسائط المتعدّدة، والتي مثلت ثورة لا فقط تكنولوجية بل وأيضا معرفية مجتمعية غيّرت نمط علاقتنا بالزّمان والمكان وحتى بالإنسان. أما حينما تمّت المزاوجة بين شبكات الاتصال الهاتفية وبين الوسائل الإعلامية وأساسا الحواسيب الشخصية فقد حصلنا على الإنترنت كأداة يسّرت تبادل المعلومات وتداولها بكمّيات تكاد تكون خيالية، خاصة إثر الثورة الرقمية. فرقمنة المعلومات La numérisation des données ( * ) قد حقـّق سيولة غير مسبوقة في كمية المعلومات المتداولة. هذه السيولة مرشحة للتضاعف ألف مرّة في الثانية مستقبلا على اعتبار أنه يجرى اقتراح استبدال الخيط المؤلف من ألياف نحاسية مستقبلا بخيط مؤلف من ألياف بصرية Fibre optique وذاك ما سيسمح مستقبلا بمضاعفة سيولة كمية المعلومات المتبادلة بألف مرّة في الثانية. (طاقة التحمّل عند النقل لدى الألياف البصرية = 1 مليار إشارة ضوئية/ الثانية = 1 جيقابيت/ الثانية = 30 ألف صفحة مكتوبة = 100 ألف مكالمة هاتفية / الثانية). وإزاء هذه الامكانيات الواعدة في تداول المعلومات بكمّيات هائلة يمكن أن تجرّ إلى تداخل وازدحام وعرقلة سير خلال مسارات التبادل، لذا تمّ اقتراح إحداث طرق سيّارة Auto-routes للمعلومات تقوم على نفس التصوّر للطرق السيّارة لوسائل النقل العادية، من أجل مزيد السيطرة على المسافة والزّمن والتكلفة، خاصة إذا ما كانت المعلومات المتداولة على شكل صُوَرٍ حيّة تتطلـّب كمية أكبر من الإشارات الضوئية ومن المساحة المستعملة على الشبكة. </STRONG>
هذه الثورة الثورات المتتالية لتكنولوجيات الاتصال سوف تمَسّ شتى حقول التبادل لا فقط التكنولوجي والعلمي البحت بل حتى أشكال ومستويات ومضامين الاجتماعي كما ذكرنا آنفا. والتي جرّت إلى الحديث سوسيولوجيا عن نموذج مجتمعي جديد أُطْـلِـقَ عليه اسم مجتمع المعرفة أو مجتمع المعلومات. هذا إلى جانب بروز قطاعات ومناشط جديدة من صناعة البرمجيات والاتصالات والإلكترونيات وصناعة الأفكار عامة التي تسارع نسق نموّها جميعا فأصبحنا نتحدّث عن "الاقتصاد الجديد" أو ما يسمى "اقتصاد المعرفة" وتغيّر بالتالي معيار الغنى والفقر على مستوى الأفراد كما على مستوى المجتمعات. والأمر ينطبق على شتى القطاعات الاجتماعية والثقافية كالتعليم والإعلام والإسكان والخدمات والعناية الصحّية وحفظ التراث الثقافي والمجالات الثقافية والفكرية المختلفة. والأمر نفسه بالنسبة للأداء الإداري والحكومي بإدخال أحدث التطبيقات التكنولوجية إلى مجال خدمة المواطن ونمط علاقته بالحكومة محلـّيا ووطنيا وإقليميا وعالميا فأصبحت الخدمات معولمة، خاصة مع سيطرة اقتصاد السوق على كامل الكرة الأرضية وانسياب المعلومات وسهولة تداولها.
ما يهمّنا اليوم هو التعليم عن بعد. فما المقصود بهذا النمط التعليمي؟ وما هي خصائصه المميّزة مقارنة بالتعليم الحضوري؟ وما هي جدواه البيداغوجية والاقتصادية والاجتماعية؟ وما هي حدود هذه التجربة في ظل واقع الفجوة الرقمية التي يقوم عليها التوزيع العالمي للاتصال والمعلومات.
II - التعليم عن بعد والتعليم الحضوري :
لم تتردّد الأمم إذن في توظيف الوسائل المتاحة في كل عصر ومحاولة الاستفادة منها، لتحسين العملية التعليمية كما ونوعا. وهو ما يثبته مسار التطوّر التكنولوجي عامة وتكنولوجيات الاتصال خاصة. فتقنيات الوراقة والكتابة ثم الطباعة في مختلف مراحلها مثلت العمود الفقري لانتشار التعليم في أرجاء المعمورة منذ التاريخ القديم. كما أن تطوّر فنّ الترسّل وفعالية الوسائط المعتمدة فيه سيسخَّـر في خدمة التعليم. وكذا ظهور الهاتف والرّاديو ثم التلفزة والأقمار الصناعية سيمثل ثورة جديدة في مجال التعليم، لتتحوّل به من نمط تعليمي نخبوي إلى نمط تعليمي جماهيري. لكن ظهور الإعلامية والنجاح في مزاوجتها، كما رأينا آنفا، مع عالم الاتصالات الإلكترونية والوسائل السمعية البصرية سيمثل فعلا محطة جديدة كادت تقتصر على أن تكون من قبيل الخيال العلمي في أذهان العديد وتصوّراتهم. ولم تكن لتصبح كذلك إلا في سياق تحوّلات عالمية مسّت شتى مجالات الفعل الإنساني والتفكير البشري. </STRONG>
ولئن تعددت تعريفات التعليم عن بعد وتنوعت( * ) فإنه يمكن التسليم بأنه نظام تعليمي واسع يمسّ مختلف الشرائح الاجتماعية، أينما كانت. ولا يخضع لإشراف مستمرّ وحضوري من قبل المُعَلِـّـمِ، على اعتبار حالة الانفصال شبه الدائم بين المُعَلِـّـمِ والمُـتَـعَلِـّـمِ، مع إيجاد تواصل ثنائي متبادَل(حوار) بينهما عبر وسائط متعدّدة بما فيها الكلمة المطبوعة والوسائط التعليمية المسموعة والمرئية... كما أنه نظام لا يتقيّد بوقت ولا بفئة من المتعلمين ولا يقتصر على مستوى أو نوع من التعليم، فهو يتناسب وطبيعة وحاجات المجتمع وأفراده وطموحاتهم وتطوير مِهَنِهِمْ. وفلسفته الأساسية هي تحويل التعليم إلى تعلّم. وبالتالي التركيز على المُـتَـعَلِـّـمِ والعمليّة التعلـّمية الذاتية لأن المتعلّم شأنه شأن الآكل لا تتمّ العملية التي ينجزها إلا بجهده الذاتي ونشاطه في هضم المعلومات وفقا لحاجاته الذاتية ومراعاة لظروفه وبرامجه الذاتية وبسرعته في اكتساب المعلومات والمهارات العقلية والحركية والقيم والاتجاهات. وتعرّف منظمة اليونسكو العالمية (2002) هذا النظام التعليمي بأنه تلك » العدّة dispositif المعتمدة في التكوين والتي في إطارها تتمّ العملية التعليمية، إن جزئيا أو كليا، بين مكوِّن تفصله عن المتعلم مسافة مكانية و/أو زمانية، على الهيئة التي تجعل عملية التواصل سواء في شموليتها أو بالاقتصار على الأهمّ من أجزائها، بين الأستاذ والطالب بشكل غير مباشر عبر واسطة اصطناعية مطبوعة كانت أو إلكترونية أو رقمية « ( ) </
يمكن القول إذن أن أهم العناصر المؤلـّفة لنظام التعليم عن بعد هي:
• الفصل بين المُعَلِـّـمِ والمُـتَـعَلِـّـم.

• استخدام الوسائط التقنية لمدّ جسر التواصل بين المُعَلِـّـمِ والمُـتَـعَلِـّـم .

• التعليم عن بعد هو تعليم تفريدي، المبادرة فيه للمتعلـّم ذاته، وهو الذي يختار خطوه الذاتي Self- pacing طبقا لإمكانياته ورغباته الخاصة .

فأهمّية التعليم عن بعد تتجلـّى على مستويات عدّة، سواء بالنسبة للمتعلـّم نفسه أو بالنسبة لأرباب العمل أو للحكومات. إذ الطالب بإمكانه، في إطار هذا النظام، أن يتحرّر من قيود الزّمان والمكان، فيتمتع بفرص أوسع للتعلـّم. وهي فرص تبدو أكثر مرونة. هذا إلى جانب ضمان نوعية أفضل للتعلم وطرق متعدّدة للتواصل بين المُعَلِـّـمِ والمُـتَـعَلِـّـمِ. أما أرباب العمل فإنه يغدو بإمكانهم، بفضل التعليم عن بعد، أن يجوّدوا تكوينهم وتكوين منظوريهم، بحيث تتطوّر المهارات وتزيد الإنتاجية وتتغيّر علاقة الجميع بالمعرفة وتقاليد التعلـّم. كما تغدو المعرفة موضوع تبادل اقتصادي، لا بل حتى مضمون صناعة (صناعة المعرفة The knowledge industry ). كما يسمح نظام التعليم عن بعد للحكومات بأن تزيد من قدرات نُظُمِها التعليمية على الوصول إلى تلك الفئات التي لم يصلها التعليم التقليدي، سواء لأسباب جغرافية أو اجتماعية أو فنية أو بيداغوجية... إضافة إلى أنه نظام تعليمي يسمح بتجويد التكوين وملاءمته لمتطلبات الواقع وخصوصياته. إلى جانب تعزيز الجودة والملاءمة في البنى التعليمية القائمة وزيادة فعاليتها والتخفيض من الكلفة وتشجيع التجديد.

III - الجدوى الاجتماعية والاقتصادية والبيداغوجية للتعليم عن بعد :
لقد ركّز الكثيرون على الجدوى التي يمكن أن يحققها التعليم عن بعد سواء بالنسبة للفرد المتعلّم أو بالنسبة للمجتمع ككلّ، وذلك في شتى مستويات البناء الاجتماعي. ونحن، وإن كنا نقرّ بتداخل هذه المستويات وصعوبة الفصل بينها، فإننا سنعمد إلى تعدادها بعد تصنيفها، وذلك لغايات إجرائية ومنهجية بحتة، طبقا لمسوّغاتها، من مسوّغات جغرافية وأخرى اجتماعية وثالثة اقتصادية وخاصة المسوّغات البيداغوجية.
• المسوّغات الجغرافية : هي التي يتمثل أهمّها في:
• بُعْدِ المسافات الفاصلة، أو صعوبة التضاريس بين مكان الإقامة وفضاء التعلـّم، بشكل قد يحرم العديد من حق التعلم أو يسبّب لهم متاعب ونفقات في الالتحاق بالتعليم، ويضطرّ العديد إلى الانقطاع وعدم المواصلة.
• عدمِ استقرار بعض السكان في مناطق معيّنة لأسباب اجتماعية أو مهنية أو اقتصادية بشكل لا يساعد على الالتحاق بنفس المؤسسة التعليمية.
• المسوّغات الاجتماعية : هي التي يتمثل أهمها في:
• التوجّه بالتعليم إلى مختلف فئات المجتمع وشرائحه دون إقصاء، من ذلك مثلا الفئات النسوية لا سيّما في الدول النامية، أين تحرم المرأة من حقها في المساواة. وهو حرمان متعدّد الأسباب وذلك نظرا لضعف قدرة التعليم العالي التقليدي على استيعابها. فعلى المستوى العربي مثلا تشير الإحصائيات إلى وجود ما يناهز 6 ملايين شابّ وشابة كانوا مؤهّلين سنة 2000 لولوج الجامعة، لكن الواقع أثبت أن نسبة لا يستهان بها اضطرّت للانقطاع لأسباب متنوّعة.
• توفير فرص التعلـّم وتجويد التكوين والحصول على مزيد الشهائد للبعض مِمّنْ حرموا منها سابقا، سواء لأسباب اقتصادية أو صحية(الإعاقة، المرض) أو اجتماعية أو حتى سياسية وأمنية(السجن، الحرب). أو توفير فرص التدارك للذين حرموا من التعليم أصلا وبلغوا سنّا متقدّمة، عبر توفير برامج خصوصية، بهدف تجويد الوعي الاجتماعي والحضاري. • توفير فرص واسعة لمختلف شعوب العالم للتحاور والتبادل والتثاقف، بشكل يدعم أكثر فرص التعاون والسلام بينها.
• المسوّغات الاقتصادية : هي التي يتمثل أهمها في:
• ارتفاع كلفة التعليم الحضوري خاصة مع الارتفاع المتنامي لعدد الطلبة بكل ما يحتاجه ذلك من إنفاقات ومصاريف متزايدة تقتطع من ميزانية الإنفاقات الأخرى، أي أنها تكون على حساب احتياجات أخرى. والأقرب أن يكون التعليم عن بعد طريقة للتخلص من أعباء مصاريف جانبية تتعلق بالبنية الأساسية والتجهيزات والنقل والمأكل...
• الحاجة إلى تجويد التكوين، وبالتالي تحسين الجودة في مخرجات التعليم، بشكل ينعكس على جودة الإنتاج، ويرفع بالنتيجة من الكفاءات التنافسية للمؤسسة الاقتصادية القائمة، في ظل واقع معولم بلغت فيه المنافسة أشدّها، حيث البقاء فيه للأكفإ. </STRONG>
• الحاجة إلى مزيد من التوازن بين مدّخلات Input العملية التعليمية ومُخْرجاتها Output سواء من حيث كمّ هذه المدخلات أو مخرجاتها أو من حيث كيْفُـها، أي جودة النوعية. بحيث تكون الإنفاقات والاستثمارات الموجّهة لهذا القطاع متماشية مع مردوديته.
ث- المسوّغات النفسية البيداغوجية : هي التي يتمثل أهمّها في:
• مراعاة الفوارق الفردية بين المتعلّمين، بحكم أن هذا النظام التعليمي يرتكز على مبدإ التعلـّم الذاتي والخطو الذاتي.
• تنمية القدرة على الإنجاز الذاتي والاكتشاف الذاتي للإمكانيات الكامنة لدى المتعلم بغية تفجيرها، على اعتبار تركيزه على المبادرة الفردية والاختيار الذاتي.
• الأخذ بعين الاعتبار رغبة المتعلم في اختيار التخصّص بالنظر إلى إمكانياته وإلى رغباته الشخصيّة في آن واحد، بما يساهم في إعادة الثقة للمتعلم الذي فشل في تجربة سابقة، بغضّ النظر عن المهنة والعمر والجنس.
• التركيز في الجانب البيداغوجي على طبيعة مسار التعلّم ومبادئ اكتساب المعلومة وترسّخها في ذهن المتعلّم، من منطلق خصائص:
• الإتاحية Accessibilité : الذي مفاده أن فرص الالتحاق بالتعليم العالي متوافرة للجميع بعد التغلب على الحواجز الزمانية والمكانية والموضوعية.
• المرونة Flexibilité : والذي مفاده أن مضمون التكوين وطرقه قابلة للمراجعة والتحكم والتغيير طبقا لمقتضيات الحال دون تصلب. </STRONG>
• اختيار أنظمة التوصيل choix de système de délivrance : حيث بإمكان الطالب اختيار الواسطة التي يراها مناسبة له وضعا و زمانا ومكانا، من أجل توصيل المعلومات(أنترنات، مراسلة إلكترونية، محاضرات مرئية تفاعلية، الهوائيات...)، على اعتبار أنّ المتعلمين لا يتطابقون بيداغوجيا في مستوى طرق وأساليب التعلّم .
• الاعتمادية Accréditation : بمعنى أن الطالب يعتمد على نفسه في اختيار البرامج الدراسية والدرجات التعليمية التي تتناسب وأهدافه ومؤهلاته...
• أنّ المادة التعليمية والمضامين التي يتمّ تقديمها فريدة من حيث تنظيمها وعرضُها وقابليّـتُـها للاستثمار على أوجه عدّة من قبل المتعلم نفسه، بما يساعده على التعلم الذاتي واكتساب الخبرات النظرية وأيضا حتى العملية، فتحفزه على التفاعل الخلاق والتعلق بالبحث والتفكير، مع ما تقدّمه من مفاهيم وحقائق ونظريات ومهارات وقيم واتجاهات متنوّعة.
• أن المضامين المقدّمة تكتب بأسلوب حواري نشيط متسلسل منهجيا ومختصر كميا وكثيف نوعيا ومدعّم بكل الأدوات البيانية الساندة، التي تساعد بيداغوجيا على تقديم الفكرة وترسيخها في ذهن المتعلم وتكرارها عند الحاجة. </STRONG>
• أن هذه المضامين المقدّمة تردف آليا بالاختبارات اللازمة للتقييم الذاتي، بشكل يسمح للطالب بأن يقيّم نفسَه بنفسِه، مرجِعُه في ذلك الحلولُ المقدمة للمسائل المقترحة للاختبار.
• إمكانية إجراء التجارب التوضيحية في المختبرات الافتراضية وتنفيذها داخل المجالات السيبرنية، وتكرار المحاولات إلى حدّ اكتساب الخبرات الكافية قيل دخول الحياة العملية، وحتى تنفيذ المشروعات التطويرية (مثالها في التطبيب عن بعد télé médecine ).
• إمكانية المتابعة العينية للأنشطة والتجارب التي يمارسها الخبراء مع إمكانية المشاركة فيها، خاصة بفضل التكامل بين الوسائط التقنية المتعدّدة المستعملة في الدرس(الأنترنات+ المؤتمرات المرئية+ برامج الأقمار الصناعية+ التراسل الإلكتروني....). </STRONG>
• إمكانية المشاركة داخل القسم الافتراضي ودخول مراكز المعلومات وبنوك المعطيات والمكتبات الإلكترونية وقواعد البيانات والحلقات الدراسية، التي تعقد بين المعلـّم والمتعلـّم واللقاءات الأكاديمية لشرح ما استعصى من نقاط في الدرس. بما يخلق تفاعلا بنّاء بين الطرفيْن دون اعتبار للحدود الجغرافية أو السياسية أو الزمانية. فالعديد من هذه الوسائل الإلكترونية المعتمدة غدا لاتزامنيا Asynchronique بمعنى أنها قادرة على تخزين المضامين الدراسية على ذمة مستعملها إلى أن يصبح مستعدّا لقراءتها.
إن هذا الانتشار الواسع، خلال سنوات قليلة، لنمط التعليم عن بعد ولما يسمى بالبيداغوجيا الرقمية يدفعنا، من زاوية سوسيولوجية، إلى طرح أسئلة هامة حول هذه الظاهرة التجديدية التي تجلب فعلا انتباه الجميع، ما بين معجب إلى حدّ الانبهار وبين محترز إلى حدّ الرفض. هذه الأسئلة تبدو متنوعة بتنوّع زوايا النظر، إذ منها التقني المتعلق بالجوانب الفنية والتنفيذية، ومنها البيداغوجي المتعلق بجودة التكوين والجدوى العملية لهذا الاختيار، كما منها الاقتصادي المتعلق بالمردودية وفائض القيمة، ما بين مُدْخَلات Input العملية التعلمية ومُخْرَجَاتها Output ، ومنها أيضا السوسيولوجي المتعلق بكل المستويات السابقة متفاعلة، وتأثيرها على النسق المجتمعي ككلّ وأنماط اشتغاله. فهل أن التعلـّم عن بعد سيساهم في تجويد تكوين المتعلمين؟ وبالتالي هل سيساهم في تحسين المردود الداخلي للمنظومة التعليمية، كما المردود الخارجي لها، عبر توفير تشغيلية أكبر لحاملي الشهادات؟ وهل سيسمح هذا النظام التعليمي بالتخفيض في تكاليف التكوين؟ ثم هل أن هذا النظام التعليمي قادر على أن يحلّ كليا محل التعليم الحضوري، بحيث ننتقل فعليا إلى ما يسمّى بالفاعل الشبكة Acteur-réseau أم أن الفاعل الاجتماعي يبقى أصلا في بناء العلاقات الاجتماعية التبادلية، وليس الفاعل الشبكة سوى حالة استثنائية داخل النمط العلائقي للمجتمع؟ </
ليس مطروحا على هذه الورقة المحدودة تناول كل هذه القضايا، فذلك مما يتجاوز حدود إمكانياتها. لكنها فقط تكتفي بملامسة ما بدا أنه الأهمّ، بالتركيز على التجربة التونسية في التعليم عن بعد. و من زاوية سوسيولوجية تنطلق هذه الورقة من اعتبار الجامعة التونسية مؤسسة اجتماعية لا تشتغل بمعزل عن احتياجات وطموحات المجتمع ككلّ وما يواجهه هذا الأخير من صعوبات، بل هي من عمقه، لذا لا بدّ من إدراك المبرّرات والدواعي الاجتماعية لاعتماد التعليم عن بعد .
كما تؤكد السوسيولوجيا أن عملية التعلم عن بعد لا يمكن أن تتمّ بمعزل عن النظام القيمي للمجتمع والتصوّرات السائدة داخله، وعن دور العائلة في تكوين شخصية الأبناء، بحثا عن النموّ المنتظم والمستقل، الذي يحقق للفرد الثقة بالنفس والكفاءة الاجتماعية، بهدف تنمية الكفاءات والمهارات في اتخاذ القرار وطرق التفكير والمساءلة والاكتشاف والمبادرة.

عن ....د- حافظ عبد الرّحـيم
كلـّية الآداب والعلوم الإنسانية- صفاقس









آخر مواضيعي

0 استطلاع للرأي لاختيار أحسن الاساتذة تواصلا عبر الفايس بوك برسم 2013
0 اختيار أفضل الأساتذة بالفايس بوك برسم 2013
0 حملة : المبادرة الوطنية لإصلاح منظومة التعليم بالمغرب
0 ‎ هام : التحضير لمباريات المراكز الجهوية للتربية و التكوين 2013
0 استطلاع للرأي : شارك معنا في تقييم آداء الوفا كوزير للتربية الوطنية
0 امتحان محلي في علوم الحياة والارض الثالثة اعدادي مع عناصر الاجابة
0 توازيع للمراحل الاربع للرياضيات و الفرنسية الثالث mes apprentissage 3AEP
0 Didapages : لصناعة تمارين ودروس تفاعلية متميزة لتلامذتك بطريقة مختلفة
0 برنامج مجاني لحماية العين اثناء استخدام الحاسوب Eyes Protector
0 برنامج بسيط ورائع لتعليم الاطفال أجزاء الجسم بالفرنسية بالصوت و الصورة


التعديل الأخير تم بواسطة mostafa33 ; 05-04-2008 الساعة 10:02

stoon007
:: دفاتري جديد ::
الصورة الرمزية stoon007

تاريخ التسجيل: 31 - 10 - 2007
المشاركات: 12

stoon007 غير متواجد حالياً

نشاط [ stoon007 ]
معدل تقييم المستوى: 0
افتراضي
قديم 05-04-2008, 12:41 المشاركة 2   

مشكور على الموضوع الرائع 2k2k2k2k2k

نحن ننتظر منك الجديد في هذا المجال

:i con30:

[SIGPIC][/SIGPIC]

maestro
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية maestro

تاريخ التسجيل: 20 - 7 - 2007
المشاركات: 548

maestro غير متواجد حالياً

نشاط [ maestro ]
معدل تقييم المستوى: 262
افتراضي
قديم 06-04-2008, 21:15 المشاركة 3   

مشاركة قيمة ومفيدة.
مزيدا من ابداعاتك.
بارك الله فيك.

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للاتصال, التعميل, التكنولوجيات, الحديثة, بعد, وتجربة

« تبادل من ورزازات الى الراشدية | من وسط مراكش ألى نواحي أكادير »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ادماج التقنيات الحديثة في التعليم abdl دفاتر المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين 5 28-04-2009 15:08
بيداغوجيا التكنولوجيات الحديثة من خلال تجربة مع طلبة الفنون التشكيلية ابن خلدون دفتر المواضيع التربوية العامة 0 18-02-2009 18:30
توظيف التقنيات الحديثة في التعليم azrouf دفاتر ثقافة تقنيات التعليم 6 30-11-2008 14:03
موقع لتجريب امكانية ادماج التقنيات الحديثة في التعليم azrouf الأرشيف 1 17-11-2008 13:59
محاولة ادماج التقنيات الحديثة في التعليم azrouf الأرشيف 0 17-11-2008 13:51


الساعة الآن 03:07


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة