الرباط: «الشرق الأوسط»
دعا المغرب الاتحاد الاوروبي الى اعتماد منظور تنموي لحل معضلة الهجرة السرية في البحر المتوسط يقوم على مقاربة اقتصادية واجتماعية في اطار من الشراكة والتعاون، بدل الاقتصار على المقاربة الامنية التي لم تحل دون تزايد موجات المهاجرين السريين، وتحويل اكثر من موقع في المتوسط الى مقابر جماعية.
وفي هذا السياق قال احمد الحليمي وزير الاقتصاد الاجتماعي والمقاولات الصغرى والمتوسطية والصناعة التقليدية المكلف بالشؤون العامة للحكومة المغربية لـ«الشرق الأوسط» ان تسوية ملف الهجرة السرية بين المغرب والاتحاد الاوروبي من خلال البرامج التنموية التي وعد بها الاتحاد وتم الاتفاق الكلي حول تفاصيلها لم تتم وذلك في اشارة الى برنامج المساعدات «ميدا 1» و«ميدا 2». واضاف ان برنامج «ميدا 1» الذي تمت المصادقة عليه سنة 1996 وتضمن غلافا ماليا قدره 620 مليون وحدة اوروبية، لم يطبق منه حتى الآن سوى 20 في المائة. وقال ان هذه النسبة ما كان لها لتستجيب للبرامج المضررة والحاجيات الانمائية التي يتطلبها الاقتصاد المغربي.
واضاف الحليمي، ان الشركات الاسبانية المتمركزة في اكثر من موقع في المغرب قد وصل عددها حتى الآن الى 900 شركة، تستفيد من عدة امتيازات يقدمها المغرب، وبالمقابل فان هذه الشركات التي يوجد اغلبها في مدن الشمال المغربي مدعوة الى الانفتاح اكثر على العمالة المغربية في هذه المناطق. وشدد الحليمي، على ان «اسبانيا مسؤولة اقتصاديا وسياسيا واخلاقيا على مناطق الفقر في الشمال المغربي التي كانت تحتلها في السابق وعندما تركتها خلفت وراءها الفقر والمشاكل الكبيرة». وأوضح ان المغرب كان يطالب بأن يكون هناك غلاف مالي خاص بمناطق الشمال، خارج برامج التعاون، الا ان ذلك لم يتحقق نظرا لثقل الاجراءات الادارية الاوروبية. ومع ذلك يقول الحليمي: «منذ دخولنا في الحوار مجددا مع الاتحاد الاوروبي اتجهنا الى اعتماد برامج تنموية جديدة مدروسة تمكن من الرفع من وتيرة النمو وتشغيل العمالة المغربية في مناطق الشمال بما يمنح فرصة ايقاف الشباب المغاربة المرشحين للهجرة السرية».
الى ذلك، صرح محمد الانصاري رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس المستشارين (حزب الاستقلال) ان اسبانيا تستغل الهجرة السرية ورقة ضغط ضد المغرب لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية. وقال «ان الجانب الخفي في القضية هو ان هذا الملف يرتبط الى حد بعيد بملف الصيد البحري والموقف المغربي الاخير القاضي بعدم تجديد الاتفاقية». واعتبر ان اسبانيا تجعل من الملف ايضا ورقة ضغط جديدة ضد الاتحاد الاوروبي من اجل مكاسب مادية جديدة بدعوى انها تشكل جدارا امنيا ضد المهاجرين المسللين الى عمق الديار الاوروبية.
وافاد الانصاري لـ«الشرق الأوسط»، بأن قدر المغرب هو كونه بلد العبور نحو اوروبا وان اسبانيا تريد ان تلعب دور الشرطي على حساب المصالح الاقتصادية والسياسية المغربية. واعتبر ان الملفات الاقتصادية والاجتماعية بين المغرب واسبانيا متداخلة، وان اللوبي الاسباني يسعى الى فصل هذه الملفات حسب اهميتها ودرجة استفادته منها. وخلص الانصاري الى ان للمغرب «مصالح لا يجب ان تداس فاسبانيا تحمل المغرب نتائج ما يقع، والمغرب يحمل اسبانيا والاتحاد الاوروبي نتائج سياستهما غير المتوازنة»، مبرزا في السياق ذاته ان الاستثمار في مناطق الشمال «قد يكون حافزا لايقاف ظاهرة الهجرة السرية، إلا أن ذلك يحتاج الى ارادة سياسية لدى الطرفين».
من جهته صرح عبد الكريم بلغندور استاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بأن ملف الهجرة السرية «وبعد عشر سنوات من بروزه مايزال يشكل موضوعا معتما وسريا وبعد ما يربو على العقد من الزمن لم تستطع الحكومة ان تبلور استراتيجية وطنية قادرة على ايقاف النزيف». واضاف لـ«الشرق الأوسط» ان الحكومة الحالية شكلت سنة 1998 لجنة وزارية مكونة من 15 وزيرا لبحث هذا الموضوع الا ان النتائج ما تزال معلقة حتى اشعار آخر، وقال «ان المقاربة التنموية بمشاركة الاتحاد الاوروبي مهمة واساسية لكن المجهود الذاتي هو الأساس».