استمرار لعبة شد الحبل بين النقابات والحكومة في ملف التقاعد
خديجة عليموسى
يبدو أن لعبة شد الحبل بين الحكومة والمركزيات النقابية لن تتوقف بعد انسحاب المركزيات النقابية الثلاث من الحوار الاجتماعي في إطار لجنة المعاشات، وهو ما سيكون له تأثير لا محالة على مسار ملف إصلاح التقاعد الذي يعتبر مستعجلا بحكم انعكاساته المالية والسياسية.
ومنذ مجيء الحكومة الحالية، لم يعرف ملف إصلاح التقاعد تقدما ملحوظا رغم الخطر المحدق بصناديق المتقاعدين والتي لا تحتمل أوضاعها التأجيل، وفق رأي صندوق النقد الدولي وكذا عدد من المؤسسات العمومية من قبيل المجلس الأعلى للحسابات.
وبغض النظر عن تفاصيل الملف، فإن العلاقة المتوترة بين الحكومة وبعض النقابات المركزية سيكون له تداعيات لا محالة سواء على مستوى الأمد القريب أو البعيد، وفق ما يرى حميد أبولاس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، والذي أكد، في تصريح لـ»المساء» أن التجاذب الذي طبعته المرحلة الحالية بين الحكومة والنقابات مرده إلى مجموعة من القرارات، التي أرادت الحكومة اتخاذها من جانب واحد ووفق رؤية أحادية تريد من خلالها إيجاد حلول لمجموعة من الإشكالات دون أن تحاور النقابات الأكثر تمثيلية.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية أن العلاقة المتوترة بين الحكومة والنقابات ستكون لها انعكاسات لا محالة على مستوى متخذي القرار، خصوصا وأن المغرب مقبل على استحقاقات انتخابية، مشيرا إلى ضرورة أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها في مجموعة من القرارات غير الصائبة، والتي تهم الوضعية الاقتصادية وتمس الفئات المتوسطة والطبقات الأقل منها والتي تعاني كثيرا.
اللقاء الذي كان يهدف لمناقشة «الإجراءات المستعجلة الكفيلة بتجاوز الوضعية المالية الهشة التي يعاني منها نظام المعاشات المدنية»، لم يتم وهو ما يؤشر على تأخير هذا الملف الذي تستعجل الحكومة إصلاحه عبر التوافق مع النقابات، التي يتشبث بعضها برأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في حين أن بعض النقابات ترفض هذا الرأي.
انسحاب النقابات سيؤجل لا محالة إحالة مشروعي قانونين مرتبطين بإصلاح أنظمة التقاعد على البرلمان، ويتعلق الأمر بمشروع قانون يغير ويتمم القانون المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية، ومشروع قانون يغير ويتمم القانون المحددة بموجبه السن التي يجب أن يحال فيها على التقاعد موظفو وأعوان الدولة والبلديات والمؤسسات العامّة المنخرطون في نظام المعاشات المدنية.
ويرى أبولاس أن ملف التقاعد كان النقطة التي أفاضت الكأس، لأن الحكومة ترغب في فرض رؤيتها في الملف، في حين أن النقابات ترغب في تنفيذ رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يعتبر الأقرب إلى رأيها.
وللتذكير، فإن رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي أصدره في موضوع إصلاح التقاعد، جاء مخالفا لرأي الحكومة في ما يخص تصور الإصلاح، حيث إن المجلس أوصى برفع سن التقاعد إلى 63 سنة، على أساس ستة أشهر في السنة خلال السنوات الست القادمة، مع فتح الباب للراغبين في اختيار الإحالة على التقاعد في سن 65 سنة، مع مواكبة هذا الإجراء بإدراج درجة إضافية في شبكة الوظيفة العمومية، والتي ستمكن المنخرطين من تحسين قاعدة حساب معاشاتهم.
وفي ما يتعلق بالرفع من معدل المساهمة من 20 بالمائة إلى 28 بالمائة، فيرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ضرورة توزيع النسبة الشمولية للمساهمة (28 بالمائة) بالنسبة للأجور التي تقل عن السقف بمعدل 5،12 بالمائة بالنسبة للأجير و5،15 بالمائة بالنسبة للدولة/المشغل.
أما النقابات فإنها ستتشبث بمقترحاتها التي سبقت أن رفعتها إلى الحكومة في مذكرة خصوصا في القضايا الخلافية، والتي تهم رفع سن التقاعد إلى 65 سنة ورفع نسبة المساهمة، حسب مقترح الحكومة، في حين أن النقابات سبق أن أعلنت أنها ستتشبث بمقترحاتها والتي تجعل جعل رفع سن التقاعد اختياريا وليس إجباريا، إلى جانب رفضها رفع نسبة المساهمة.
ولتجنب التداعيات السياسية لهذا الملف، فإن الحكومة مطالبة بالوصول إلى توافق مع الفاعلين للحد من الصعوبات التي تعرفها هذه الصناديق مع مراعاة وضعية المنخرطين، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، والذي يركز على أن التوصل إلى اتفاق مسألة ضرورية مراعاة للوضعية الاجتماعية لهذه الفئات وضمانا للاستقرار الوطني.