الاقتطاعات تلهب الوضع الاجتماعي قبيل العيد
يوسف الساكت
نشر في الصباح يوم 19 - 10 - 2012
شرعت حكومة عبد الإله بنكيران، منذ أيام، في تنزيل قرار الاقتطاع من أجور المضربين في الوظيفة العمومية، الذي انتهى إليه اجتماع لمجلس الحكومة انعقد في مارس الماضي، في ظل احتدام جدل وطني حول قانونية الاقتطاع الذي يمس جوهر الفصل 29 الذي يضمن حق الإضراب.
وفتح امحند العنصر، وزير الداخلية، منذ 11 شتنبر الماضي، الباب لتفعيل القرار الحكومي، حين أصدر مذكرة وزارية إلى ولاة وعمال العمالات والأقاليم، يحثهم من خلالها على اقتطاع أجور موظفي الدولة والجماعات المحلية عن أيام الإضراب. وأكدت المذكرة رقم 47 والصادرة عن المديرية العامة للجماعات المحلية على الاقتطاع من رواتب موظفي الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بطريقة «غير مشروعة»، وذلك تفعيلا للقانون الأساسي للوظيفة العمومية والمقتضيات القانونية المتعلقة بالغياب عن العمل بدون إذن مسبق من الإدارة أو لمبرر قانوني.
وأشارت المذكرة إلى أن أيام الإضراب تعتبر خدمات غير منجزة لا تستوجب صرف الأجرة لفائدة الموظفين والأعوان المضربين، حسب ما استقر عليه الاجتهاد القضائي، وفي حالة عدم تفعيل المقتضيات القانونية من طرف الآمرين بالصرف، فإن ذلك يدخل ضمن المخالفات المالية المنصوص عليها في المادتين 54 و66 من الظهير الشريف 1.02.124 الصادر بتاريخ 13 يونيو 2002 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 62.99 بمثابة مدونة المحاكم المالية.
بعد أقل من شهر، يعود مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، إلى تفعيل القرار الحكومي نفسه على إثر الإضرابات التي شهدها قطاع العدل. وكيف الرميد مقتضيات الفصل 29 ب»تخريجة» قانونية تشرعن الاقتطاع «من منطلق أن الأجر مقابل العمل٬ وباعتبار أنه إذا كان الإضراب حقا دستوريا، فإن الدستور أكد على الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة»، ما أثار استياء موظفي الوزارة وكتاب الضبط الذين أعلنوا عن سلسلة لا منتهية من الإضرابات والوقفات الاحتجاجية بدأت أمس (الاثنين).
واستغرب نقابيون القرار الحكومي المتعلق بعدم إمكانية استمرار الجمع بين ممارسة الحق في الإضراب وبين تلقي الأجر خلال الأيام التي جرى فيها الإضراب، في وقت تلوذ الحكومة بالصمت فيما يتعلق بتفعيل مضامين الاتفاقات القطاعية، أو الاتفاق المنبثق من الحوار الاجتماعي بتاريخ 26 أبريل الماضي، خاصة المصادقة على الاتفاقية 87 المتعلقة بالحرية النقابية وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي.
واعتبر النقابيون أن الإجراءات الحكومية التصعيدية ضد الحق في الإضراب تتنافى مع مضامين الدستور الجديد، في ظل غياب قانون منظم لحق ممارسة الإضراب، وتضييقا على الحقوق النقابية للشغيلة المغربية التي أقرتها اتفاقيات منظمة العمل الدولية، كما عبروا عن رفضهم المطلق لأي إجراء حكومي يمس بحق ممارسة الإضراب، مؤكدين أن التهديد الحكومي في ظل الظرفية الحالية يقوي من درجة الاحتقان الاجتماعي ويؤشر على النوايا الحقيقية للحكومة في مصادرة المكتسبات التي تحققت بفضل نضالات الحركة النقابية المغربية.
واتفق النقابيون على أن قرار الحكومة ينم عن عقم سياسي في استقراء مضامين الآليات الدولية المتعلقة بالحرية النقابية، سواء تلك الخاصة بحقوق الإنسان المعتمدة في إطار الأممالمتحدة أو تلك التي أقرتها مؤتمرات العمل الدولية في إطار منظمة العمل الدولية، وكذا تقييم مدى ملاءمة محتوى مشروع قانون النقابات للقانون النقابي الدولي. وكان وزراء العدالة والتنمية دافعوا عن قرار الاقتطاع من رواتب المضربين عن العمل، إبان تصاعد حدة الاحتجاجات والإضرابات في مارس وأبريل الماضيين بعدد من قطاعات الوظيفة العمومية والقطاع الخاص.
واشترطت الحكومة تنزيل هذا القرار ببدء أشغال اللجنة الوزارية المكلفة بمناقشة القانون التنظيمي للإضراب والتي تضم في عضويتها كل من وزراء الداخلية والعدل والحريات والتشغيل والتكوين المهني والتربية الوطنية والوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والاتصال، وأوكلت إليها مهمة بلورة سياسة شمولية ومتكاملة لتنظيم الإضراب.
وخلف قرار الاقتطاع من أجور المضربين ردود فعل متباينة حتى داخل المجلس الحكومي، إذ في الوقت الذي تحمس عدد من وزراء العدالة والتنمية للقرار ووجدوا له «تخريجات» قانونية مختلفة، اقترح وزراء آخرون التريث والإبقاء على باب الحوار مفتوحا مع النقابات القطاعية والمركزيات النقابية لإيجاد ارضية للتفاهم، بعيدا عن التصعيد والتشنج اللذين لا يخدمان الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الحرجة التي يمر منها المغرب.