الترقية بالاختيار في قطاع التربية الوطنية قضية للنقاش
أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة خاصة بالترقية بالاختيار عن سنتي 2006 و 2007. أدرجت فيها المعايير الجديدة وفق ما جاء به مرسوم الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العامة رقم 2.05.1367 بتاريخ 2 دجنبر 2005 الذي حث على تطبيقه منشور نفس الوزارة رقم 4 و.ع بتاريخ 25 سبتمبر 2006.وهو الذي يعتمد على العناصر المدرجة في بطاقة الترقية وهي: إنجاز الأعمال المرتبطة بالوظيفة، المردودية، القدرة على التنظيم، السلوك المهني، البحث والابتكار. مع إقرار نقطة عددية تتراوح بين 0 و20 بدلا من 0 إلى 3. حيث كانت النقابات التعليمية اتخذت موقفا حادا منه بما فيه نقابة مفتشي التعليم التي مازالت تصر على الأخذ بنقطة التفتيش بدل التنقيط الحالي، وتدبير ملف الترقية كمرحلة انتقالية يجب المرور فيها بالتدرج إلى النظام الجديد. وكان موقف النقابات التعليمية قد هدد بإضرابات في شأنه ما لم تتراجع الوزارة عن تطبيقه. فوقع تسكينها من خلال الوعد بتدبير المرحلة بطريقة تدمج ما بين النظام القديم للترقية والجديد.
لكن بعدما نامت النقابات التعليمية وانشغلت بالانتخابات وأحزابها السياسية، وخرج بعضها من الانتخابات فرحا والآخر خرج مكفهر الوجه آسفا لما آل إليه وضعه. في خضم هذا النوم وهذه الزوبعة الانشغالية؛ قنص قطاع التربية الوطنية الفرصة فأصدر تلك المذكرة وفق مرسوم الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات متراجعا عما وعد به من تدبير تدريجي للترقية بالاختيار. وسكتت النقابات التعليمية ولم نراها تهدد أو تحتج أو تصرخ؟! خاصة أن مذكرة قطاع التربية الوطنية وقع في تفسيرها لبس، أفضى إلى تباين وجهات النظر حولها بما أفضى إلى تطبيقين مختلفين في الساحة التعليمية فيما يخص نقطة المفتش. ذلك أن الصيغة التي وردت بها هذه الحيثية غامضة شيئا ما. فأدى ذلك إلى ما لا يضمن تكافؤ الفرص لأن نقطة المفتش فسرت ب:
1 ـ نقطة مفتوحة تتراوح بين 0 و20، وهو تفسير أخذت به بعض النيابات التعليمية.
2 ـ نقطة غير مفتوحة محصورة بنقطة آخر تقرير للتفتيش؛ وهذا ما ذهبت إليه بعض النيابات التعليمية.
ومنه؛ إذا كان الميدان ضم تفسيرين مختلفين، فإن قيمة تكافؤ الفرص بين المترقين تنهار هنا وتتحطم. حيث نجد شخصين مثلا لهما نفس الشروط من حيث تاريخ التوظيف والسلم والرتبة والأقدمية والأبناء ونقطة آخر تفتيش ... لكن نقطة أحدهما مفتوحة على 20 والآخر مقيدة بنقطة تقرير التفتيش. فمن سيكون أحق بالترقية هنا؟ بطبيعة الحال من كانت نقطته مفتوحة على 20 بدل الآخر. ( مثلا: الأول النقطة الممنوحة له وفق التفسير الأول هي 19 والثاني النقطة الممنوحة له وفق التفسير الثاني هي 17، فمن يحظي بالترقية ؟ وأراها غير مبرر ما لم تقم على البنود الجديدة للترقية ويكون الأستاذ سابق العلم بها ). وهنا أثير نقطة واحدة فقء فالبحث والابتكار يتطلب تقديم الأستاذ بحوثا في الندوات أو نشرها في الوسائل الإعلامية والصحافية أو حيازة براءة الاختراع والابتكار حتى نثبت نقطتها في التقرير. فأين وزارة التربية الوطنية من البحث والابتكار؟ وماذا قدمت من تسهيلات مادية ومالية ومعنوية في هذا الشأن؟ وهل هيكلت البحث العلمي في قطاع التربية الوطنية وقننته، لكي يسلك سبله الباحثون؟ أسئلة كبيرة وثقيلة أمام وزارة التربية الوطنية وأمام الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العامة.
وعناصر التنقيط تلك التي سعت إليها الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العامة لأجل الارتقاء بتدبير الموارد البشرية " إلى مستوى التحديات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الإدارات العمومية "[1] يتطلب الإنصاف وإحقاق حقوق الموظف بما فيها الأجر الوفير الضامن له إمساك اليد عما عند الغير والحاضن لطاقاته الإبداعية في حقل اشتغاله لا في حقول أخرى كالتجارة، لتكملة مصاريف الشهر مما يعود على حقول الوظيفة العمومية بالإفلاس والروتين والتكلس والتحجر. كما يتطلب ضمان النزاهة في التقويم ومصداقية أداة التقويم علميا كمؤشر لأداء الموظف. فنحن نرى القوانين الاستباقية عن واقع معيش لا يضمن الحد الأدنى للعيش الكريم للموظف في ظل غلاء المعيشة واستفحال سماسرتها! دون استحضار المحسوبية والزبونية والإثنية العرقية والإيديولوجية والحزبية والنقابية والقبلية والعائلية والصَديقية وهلم جرا، مما ابتلينا به في عصر التخلف والفقر والقهر والجهل وفي مشهد الموظف البسيط الذي تتقاذفه أمواج الحياة والقوانين. ناهيك عن موبقات السياسة الحارقة لكل ما هو جميل في حياة الموظف حتى كبش العيد بالقرض والإشهار! ...
في مشهد الترقية بالاختيار عن سنتي 2006 و2007 نتساءل وبصدق دون أن يهوي التساؤل في متاهات التفسيرات الخاطئة والنوايا المبيتة أو المسبقة. لعله ينير لنا طريق المستقبل:
· لماذا سكتت النقابات التعليمية على وأد الوزارة وعدها بالتدبير المتدرج للترقية بالاختيار؟
· أليس في التفسير الخاطئ للمذكرة الوزارية الخاصة بالترقية بالاختيار عن سنتي 2006 و 2007 مضرة بأهل التربية والتكوين؟
· أليس من المنطقي والمعقول تأهيل قطاع الوظيفة العمومية بما فيه التربية والتكوين ليكون مناسبا لمقام المرسوم السابق، لكي يكون التقويم موضوعيا؟
· أليس إجراء الترقية بهذا الشكل مخالفا لما جرت به في السابق، وبالتالي ستضر بمن بقي خلافا لبعض زملائهم؟
· أتوجد في الميدان الشفافية والمصداقية والديمقراطية الضامنة لحقوق الموظف في الترقي دون أن تجرى عليه أنواع من الشطط الإداري؟ خاصة منه المثخن بالبعد الذاتي والمزاجي؟!
· أليس المرسوم المذكور سابقا مدخلا حقيقيا لتفعيل الموظفين في قطاعاتهم، وينصف من يؤدي واجبه دون من لم يؤده؟
· أليس هذا المرسوم جديرا بالاحتضان لأنه يعتمد معايير قابلة للأجرأة الميدانية من خلال مؤشرات عملية؟
· أليس في دعوة تأخير تطبيقه تأخير للرقي بالوظيفة العمومية؟
فهذه الأسئلة وغيرها ستفتح أمامنا باب الوعي نحو ذاتنا ومنظماتنا النقابية وقطاعاتنا ومؤسساتنا ومجتمعنا، بما يخدم الصالح العام ويستنبت القيم الإيجابية في شخصيتنا. وتبقى رؤيتي هذه مجرد قضية للنقاش قد نتفق معها أو نخالفها بالرؤية الأخرى. فهل من قلم يزيد القضية تحليلا عميقا من منطلق علم القانون والإدارة والاجتماع والسياسة والاقتصاد والتربية والثقافة؟ إلى ذلك القلم أهفو راجيا له ولكل قلم التوفيق في التعاطي مع قضايانا الشائكة والمحرجة والمحرمة والمسكوت عنها ...
إلى كل قارئ كريم أسوق دعوة حراك فكري اجتماعي لعلنا نحرك الآسن في حياتنا الذاتية والمجتمعية، وبالله التوفيق.
عبد العزيز قريش
[1]
منشور 4 و.ع بتاريخ 25/09/2006.
اكتب تعليقا