- نظرية جديدة في خلق السماوات والأرض - [ج. الأول]
خلق الأرض
قال الله، جل وعلا:
*﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. [العنكبوت: 29 // 20].
تبين لنا هذه الآية الكريمة أن معرفة كيف بدأ الله، عز وجل، الخلق عن طريق سيرنا في الأرض؛ وليس لنا في الأرض إلا البركان! الذي يوحي لنا بكيفية بدء الخلق، لأن التفاعلات الكيميائية، والسوائل الجحيمية حين تبرد تصير مادة. انظر الشكل: 29.
هذا المشهد يجب أن نتصوره داخل مشكاة في حجم كوكب دري، كما تبين الصورة، الشكل: 30.
والمشهد الذي في الشكل : 29 يوحي لنا أن الأرض تكونت ولم يكن هناك ماء تماما، كما هو الشأن في سوائل البركان...
فإذا علمنا مما سبق أن الله، جل وعلا، واحد أحد، لا يوجد في مكان، ولا حيز؛ وأنه، عز وجل، نور السموات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، والمصباح في زجاجة ذات حجم كوكب دري... يمكن أن نستنبط أن نوره، جل جلاله، مشكاة على مشكاة... انظر الشكل: 31.
وإذا علمنا أن الله، جل وعلا، إذا أراد شيئا إنما يقول له:﴿ كن، فيكون ﴾. إذن، فالأمر متوجه إلى النور، (المشكاة: 2): {كن أرضا}؛ وهذه العبارة تتكون من ستة أحرف وهي: (ك، ن؛ أ، ر، ض، ن.)،[كُنْ أرْضنْ]؛ - أرضن، هكذا أصل الكلمة، أما التنوين فهو من صناعة النحاة؛ ((أرضا)) - وبالتالي فهي تمثل الموجة القصيرة، والموجة الطويلة... وهذا الأمر في علم الله، عز وجل، فيه صورة الخلق، وكيفية الخلق، وطاعة المأمور، وفهم المأمور خطاب الآمر...
وهنا قد يكون الأمر صدر وحيا داخل الذرة، أو داخل النواة؟ أو صوتا، والله، جل وعلا، على كل شيء قدير.
المرحلة الأولى:
على إثر الموجة القصيرة، والموجة الطويلة انفلقت النواة فانفجرت، وتحللت إلى جُزيئات دونية، فتحررت الطاقة الكامنة في النواة العظيمة، وتوهجت الحرارة، وارتفعت ذبذبة الموجات، فتحركت الجزيئات الدونية في شكل دائري مائل، مما زاد وسهل مأمورية الحركة، وازداد الضغط فازدادت سرعة الجزيئات الدونية...
وكذلك نور النواة العظيمة تحلل إلى جُزيئات دونية، وأخذت مدارها مع الجُزيئات الدونية للنواة العظيمة، انظر الشكل: 32.
ففي حالة الانفجار، والتفاعلات الكيميائية لا تعرف الجُزيئات الدونية للمصباح، من الجُزيئات الدونية للنور...
المرحلة الثانية:
وبعد زمن طويل من التفاعلات المتسلسلة، تغيرت جُزيئات المصباح الدونية، وكذلك الجُزيئات الدونية للنور؛ فبدأت الحرارة في الانخفاض، وعند درجة معينة من الحرارة بدأت الجُزيئات الدونية تتحد فيما بينها مكونة الكواركات الموجبة، والكواركات السالبة، فاتحدت كل كواركة مع من يليق بها، فتكونت البروتونات الموجبة والسالبة التي على إثرها تكونت النواة، كما اتحدت الجزيئات الدونية النورانية كل واحدة مع من تليق بها فكونت الإلكترون الموجب، والإلكترون السالب، وكل إلكترون عرف مكانه الأصلي؛ أي: الجزيء الدوني الذي كان يشع منه ذلك النور الذي اضمحل وتحلل إلى جُزيئات دونية، انظر الشكل: 33.
المرحلة الثالثة:
ولما تكونت الذرات الصغيرة تزوجت مع بعضها البعض فسببت في تفاعل كيميائي فتوهجت الحرارة من جديد، وانشطرت كل الذرات التي تكونت وتحللت، وانطلقت الجزيئات الدونية في حركة دائرية سريعة، ونتج عن هذا التفاعل غازات، فازداد الضغط وازدادت سرعة الجزيئات الدونية، انظر الشكل: 34.
المرحلة الرابعة:
بعد أمد طويل من التفاعلات الكيميائية المتسلسلة انخفضت درجة الحرارة، فتجمعت السوائل. وحين جمدت تكونت المادة التي هي:" الأرض ".
وبقيت الأرض في دوران مستمر، وبأقصى سرعة، وفضاءها كله دخان التفاعلات الكيميائية، وغازات، وضغط قوي جدا. لا ماء ولا نبات، فقط المادة الصلبة، وسوائل الجحيم الذي لم تبرد بعد، ونواة كبيرة في حجم الشمس...
وكان مقدار خلق الأرض في يومين، كما جاء في قوله، سبحانه وتعالى:
*﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾، [فصلت: 41 // 9].
ولا ندري كم هو مقدار هذا اليوم بالنسبة لحسابنا. وإن كان مقداره ألف سنة مما يعد البشر؛ كما جاء في قوله، جل وعلا:
*﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾، [الحج: 22 // 47].
فمقدار هذا اليوم جاء في التفاسير على وجهين: منهم القائل أنه خاص بخلق السموات والأرض، ومنهم القائل أنه خاص باليوم الآخر.
وليس هناك عند العرب مقدارا لليوم، إلا اليوم الذي يقدر بالمسافات؛ فهناك مسيرة يوم، التي تعدل 80 كلم تقريبا، وهناك مسيرة الشمس، التي تعدل 000 280 17 كلم. وهذه الآية تبين لنا أن اليوم مقداره ألف سنة، وهناك آية أخرى تبين لنـا أن يومــا مقداره 000 50 سنة مما نعد، كما جاء في قوله، جل وعلا:
*﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾، [المعارج: 70 // 4].
وقد جاء في تفسير هذه الآية: [أي: تصعد الملائكة الأبرار وجبريل الأمين – الذي خصه الله بالوحي – إلى الله عز وجل ﴿ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ﴾ أي: في يوم طوله خمسون ألف سنة، من سني الدنيا...]¹.
فإن كان هذا اليوم حقا له هذا المقدار، فيبقى السؤال المطروح هو: كيف تم الوحي بين سيدنا جبريل، عليه السلام، وسيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم تسليما؛ ونحن نعلم أن الرسالة تمت في 23 سنة من سني الدنيا؟! ثم السؤال الثاني، هو: كيف سيدنا جبريل، عليه السلام، رافق سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، في رحلة الإسراء والمعراج، في مدة ربما لا تتجاوز 20 دقيقة؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
1- محمد علي الصابوني: صفوة التفاسير، مج. الثالث، ص: 423.
من هنا يتبن لنا أن هذا التفسير لا ينطبق مع زمن الوحي، وزمن الإسراء والمعراج؛ وبذلك نستنبط من هذه الآية أن الكلام موجه إلى البشر، وهذا الأمر الذي اختص به الله، جل وعلا، الملائكة، وسيدنا جبريل، عليه السلام، يقومون به في يوم واحد، أما لو أسند هذا الأمر للبشر فسوف يكلفه 000 50 سنة، طبعا من سني الدنيا.
علما بأن الإنسان يصنع الآلات، يعني بالآلة التي سوف يمتطيها الإنسان الذي يصل إلى قمة الصناعة في المستقبل، لو أسند إليه هذا الأمر لكلفه خمسين ألف سنة؛ بينما الملائكة المختصين بهذا الأمر، لا تكلفهم الرحلة إلا يوما واحدا من أيام الدنيا، وهو بالنسبة للزمن العلوي أقل بكثير...
فهذه الآية تبين لنا مدى القدرة التي جعلها الله، جل وعلا، في الملائكة، لأن الملائكة يتفاوتون في السرعة بدليل الآية:
*﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، [فاطر: 35 // 1].
فتعدد الأجنحة يدل على تفاوت السرعة...
فمن هذا المنظور، نعتقد أن اليوم الذي مقداره ألف سنة يخص خلق السموات والأرض، وبذلك، فخلق الأرض كان في يومين أي: 000 2 سنة، مما نعد، وخلق السماء كان في يوم واحد، أي: 000 1 سنة، مما نعد، وتسوية السماء، وما أوحى فيها الله، جل وعلا، من أوامر، كان في يومين، أي: 000 2 سنة، مما نعد، وسوى الأرض في يوم واحد، أي: 000 1 سنة، مما نعد؛ يعني كان خلق السموات والأرض في ستة أيام، كان مقدارها 000 6 سنة، مما نعد.
أما خلق الأقوات فكان في أربعة أيام، أي: 000 4 سنة مما نعد، وبالتالي يكون بين خلق الأرض وتسويتها، والسماء وتسويتها، وخلق أقوات الأرض في عشرة أيام، أي: 000 10 سنة مما نعد...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكمة الوجود، محمد معمري.